"الأقباط متحدون" ترصد وقائع لأدباء تم النصب عليهم من قِبل بعض دور النشر الخاصة!
شباب المبدعين يعانون من تعسف دور النشر الخاصة واستغلالهم ماديًا!
الكاتب الكبير "بهاء طاهر": دور النشر لا تبحث إلا عن المكاسب المادية، وهذا ما أدى لظهور الكتّاب الذين لا يملكون إلا الكتابة عن الجسد!
الكاتب الروائي "سيد بيومي": المؤسسات الثقافية الحكومية في ذمة الله.. وهذه هي الأسباب!
الأديب "الطاهر شرقاوي": لاتندهش إذا صادفك عمل أدبي يحمل اسمك لتكتشف أنك أرسلته للمؤسسات الثقافية منذ عشر سنوات!
تحقيق: محمد بربر- خاص الأقباط متحدون
حالة من الغضب والتذمر أصابت الحياة الثقافية في مصر عامة, ومبدعيها الذين يحاولون نشر أعمالهم الأدبية؛ فتمنعهم سطوة دور النشر وتعسفها من تحقيق حلمهم بنشر ما يؤمنون به من أفكار وما يكتبونه من إبداعات حقيقية.
في نفس الوقت الذي تفشل الهيئات الحكومية الثقافية الثلاث التي تضطلع بهذه المهمة -هيئة الكتاب، والمجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة- في الغرض نفسه, وما بين تعسف دور النشر الخاصة واستغلالها الكاتب والمبدع ماديًا ومعنويًا، وبين بيروقراطية الهيئات الحكومية، يظل المبدع وحيدًا ولمدة طويلة في المربع صفر.
دور النشر الخاصة.. ادفع مقابل النشر
"في ظل آلية النشر الظالمة التي لا تمنح المبدع حقه, وفي ظل الصراع بين الكتاب وقنوات الأغاني والتفاهات، أنشأنا دار الكتب للنشر والتوزيع بآلية جديدة وفكر جديد، فنحن لا نهدف للربح، لكننا أنشأنا الدار لنشارك الكاتب حلمه في أن يرى إبداعه، فنتحمل معه نصف تكاليف النشر والتوزيع ونمنحه نصف الأرباح، وبهذا نفتح طريقًا لمَنْ يستحق النشر ليخطو خطواته الأولى في عالم الأدب، الذي أصبح حكرًا لأسماء بعينها".
النص السابق هو إعلان جذاب وضعته إحدى دور النشر الخاصة لتؤكد -بما لا يحمل مجالاً للشك- أنها لاتهدف للربح, لكن الحقيقة كما يؤكدها الكاتب الشاب "أحمد عادل" في السطور القادمة هي:
انتهيت من مجموعتي القصصية الأولى ولم يعد أمامي سوى نشرها في دار تمنحني حقي المعنوي قبل المادي, ونصحني الكثيرون بأن أبتعد عن الهيئات الحكومية لأن -يومها بألف سنة- فلم يعد أمامي سوى دور النشر الخاصة, ولما كانت الأسماء كثيرة.. ذهبت إلى دار نشر خاصة وعرضت مجموعتي، فقيل لي اتركها لتأخذ مكانها في لجنة القراءة.
وبعد أسبوع -والحديث على لسان أحمد- قاموا بالاتصال بي، وأخبروني أن المجموعة جيدة وستحقق مبيعات متميزة, وسوف ينشرونها في مقابل ألفي جنيهًا, وبعد مفاوضات كثيرة وافقت على النشر؛ لأنه كان حلم جميل بالنسبة لي أن أرى عملي منشورًا, لكن بعد ذلك واجهتني عدة مشكلات مع صاحب الدار، آخرها كان عدم التزامه بميعاد نشرها قبيل معرض الكتاب, وتمادى في ذلك كثيرًا, وكانت الطباعة على مستوى ردىء جدًا.
والأهم أنه -وبعد مرور عامين- لم يعطيني نصيبي من الأرباح، رغم أنني من المفترض أن أحصل عليه كل 6 شهور, ولهذا قمت برفع دعوى قضائية ضده بعد أن عانيت من النشر في الدور الخاصة والتي ترفع شعار "هيتنصب عليك.. هيتنصب عليك".
أكذوبة "لجنة القراءة"
الكاتب "سيد بيومي" كان له تعليق على لجنة القراءة في الدور الخاصة، حيث أكد على أن بعض الدور الخاصة الشهيرة هي التي تمتلك مجموعة من أساتذة الجامعات والمثقفين، ويجلسون لقراءة الأعمال المقدمة للدار, ثم يكتبون تقريرًا عن كل عمل ويبرزون إيجابياته وسلبياته, أما في دور النشر الصغيرة والمغمورة، فإنك لن تجد ما يسمى بلجنة القراءة.
وأضاف "دور النشر تحتاج إلى مَنْ يدفع أكثر, وعندما يدفع النقود لا تنظر إلى العمل, فهو قطعًا ممتاز ويستحق النشر طالما هناك نقود".
ويوضح "بيومي" أنه إذا كانت هناك حرية ثقافية وفكرية, فإنه على الهيئات الثقافية الحكومية ودور النشر الخاصة أن تتخير الجيد حتى يتم نشره ويستفيد القارىء منه, وخاصة إذا كان عملاً يحتوي على مضمون جيد ولغة سليمة وإضافة معرفية, لكن ما يحدث الآن على الساحة هو وجود كتب لاتستحق القراءة بل لاتستحق أن تدفع من أجلها قرشًا واحدًا.
المؤسسات الثقافية الحكومية في ذمة الله
يحكي الكاتب "الطاهر الشرقاوي" عن تجربته مع النشر فيقول: "أي كاتب لا يملك سوى جيبين فارغين وقلمًا وورقة، ويأمل في النشر في إحدى المؤسسات الثقافية، يقع في متاهة جحا، البعض يقع في أسرها، ويظل يتخبط طوال حياته في متاهتها دون أن يصل إلى نقطة الخروج، والبعض ينجو منها، ويواصل طريقه معتبرًا إياها مرحلة مرت في حياته، وهو يحاول دومًا ألا يتذكر أن كتابًا له ظل قابعًا في الأدراج لمدة ست سنوات، وهي فترة كافية للوقوع في حب فتاة والزواج منها وإنجاب طفل وذهابه إلى المدرسة!
ويستطرد.. والمدهش أنهم وفي كل فترة يقولون له في هدوء: "نأسف لقد ضاعت نسختك، نرجو إحضار نسخة أخرى".
ويضيف "شرقاوي": لا أنسى منظر أحد الأصدقاء الشعراء، وهو يحكي في ألم، أنه وجد أوراق ديوانه مصادفة مبعثرة على سلالم إحدى المؤسسات، وأنه ظل -ولمسافة ستة طوابق إلى اسفل- يلملم أوراقه المبعثرة، حتى عندما يأذن الله بالنشر، يُفاجأ بالمكاتب الصغيرة وعمال المطابع والبوفيه والمارة في الشارع، يضعون أصابعهم على أسطر وجمل في كتابه وهم يقولون في ابتسام: "حتى يرى كتابك النور نرجو حذف هذه الأسطر".
وقد يفسر هذا في رأيه ظهور عشرات الكتب الجديدة، التي تملأ أرفف المكتبات ولا يشتريها أحد، مما يضطرهم في النهاية إلى بيعها في معارض الكتب بالكمية، رافعين لافتة: «اغتنم الفرصة، عشرون كتابًا بخمسة جنيهات».
وسيكون هذا مفيدًا للقائمين على تدوين الإحصائيات الرسمية، والتي سوف تتفاخر بالازدياد المطرد في عدد الكتب المطبوعة هذا العام، مقارنة بالأعوام السابقة..
إذن.. ليس أمام صديقنا هذا -إن أراد الخروج من متاهة جحا- سوى النشر على نفقته الخاصة، كأن يجوع مثلاً لمدة ثلاثة أشهر، أو يستدين من أمه الطيبة التي لن تبخل عليه من أجل شفائه بآخر سوار يزين معصمها.
الكاتب الكبير "بهاء طاهر" يؤكد على أن دور النشر لا تبحث إلا عن المكاسب المادية، ولا يوجد ما يمنع دور النشر من ذلك إلا إذا تأكد أن الرقابة ستمنعه ولا تهتم إن كان ما تنشره ذو قيمة أم لا.
وأضاف "طاهر": من الأشياء التي تثير استفزازي هؤلاء الذين لا يملكون إلا الكتابة عن الجسد، فهذا القبح إما أن يكون نابعًا من داخلهم، وإما أن يكون دافعه كسب الأضواء والأموال، وهذا التيار ليس بجديد على الثقافة، ولكنه كان موجودًا حتى في جيل "نجيب محفوظ" و"يوسف إدريس"، وفي مختلف الأجيال أيضًا.
وضرب مثلاً على ذلك بأن هناك بعض الأسماء الكبيرة كانت كتبها تُباع أضعاف أضعاف ما تبيعه كتب "نجيب محفوظ" وقتها، ولكن لا أحد يذكرها الآن لأنها لا تمت للأدب بصلة، ولكن القراء كانوا يقبلون عليها لأنها تستهويهم لا أكثر.
ويوضح "طاهر" موقفه من الأعمال التي تستحق النشر قائلاً: "لا أقصد بذلك أن يتم منع أحد من الكتابة طالما يمكنني أن أرد عليها دون وضع للقيود على كتاباتي للرد، ولكن أردت أن أوضح أن الأعمال الرديئة تسقط مع مرور الوقت على عكس الأعمال الجيدة التي تثبت نجاحاتها كلما تتابعت عليها الأجيال والأجيال؛ فالعمل الرديء يقرأه العامة ولكن العمل الجيد لابد وأن تحدث له معجزة أو يفوز بجائزة ما حتى يقرأه الجميع وليس النخبة فقط".
كما أضاف "طاهر" أنه كان هناك أيضًا نقاد يتحكمون بشكل كبير في إظهار الجيد من الرديء، وهؤلاء لا نجدهم الآن على عكس جيلي والأجيال التى سبقتني، بالإضافة إلى أن الصحافة الثقافية اندثرت ولا أحد يهتم بها الآن؛ فنجد أن ما يُنشر عن الثقافة خلال هذا العام في الصحافة لا يصل لنصف ما كُتب عن مباراة مصر والجزائر.
الحل في يد الدولة
الكاتب الكبير "سمير الفيل" يرى أن الحل يتمثل في أن تهتم الدولة بالهيئات الثقافية الخاصة بالنشر, وأن تمنحها كل المقومات التي تيسر على المبدع نشر إنتاجه في تلك الهيئات, وأضاف أن دور النشر الخاصة غالبًا ما تهتم بالمكاسب المادية، حتى لو كان هذا على حساب المنتج الأدبي.
ويشاركه الرأي الكاتب الساخر "أحمد عطية".. إذ يرى أن الدولة عليها أن تعالج بيروقراطية دورها الرسمية، وأن تهتم بالمبدعين الشباب ولا تتجه نحو الكتّاب الكبار فقط، لأنهم حققوا بالفعل وجودهم، عكس شباب المبدعين الذين يحتاجون مَنْ يدعمهم.