إصحاح أول:
«فإذا بزغ صباح الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 أطل على مصر فجر جديد، لم تره من قبل، أشعته بيضاء حسناء وضّاءة، تلوح لشعب مصر العظيم بأمل طال انتظاره، فتنفس الشعب الزكى الصعداء بعد طول كابوس ليل مظلم، أخلد لثلاثين عاماً من ظلام حالك أسود أسود.. أسود من شتاء ليل قارس.. وهكذا كانت إرادة الله فى علاه، إذ أوحى إلى شعب مصر وأبنائها البواسل الأشداء، خرجوا لا يطالبون برغد العيش، بل يطالبون ساستهم وحكامهم بأن يوفروا لهم لقمة العيش، هاتفين: سلمية سلمية سلمية، حين كانت بطونهم خواء، صارخين: ارحمونا يرحمكم الله فى وجه من أحكم قبضته عليهم، وارتكبوا عظائم الإثم والفساد والطغيان، دون حسيب أو رقيب، حين انعدمت ضمائرهم وتبلدت مشاعرهم وعميت قلوبهم التى فى صدورهم.. ماذا جرى لك يا مصر؟».. مقتطف من ديباجة حكم القاضى «أحمد رفعت» بالمؤبد على المخلوع «مبارك».
إصحاح ثان:
«جاهدنا -نحن المصريين- للحاق بركب التقدم، وقدمنا الشهداء والتضحيات فى العديد من الهبّات والانتفاضات والثورات، حتى انتصر جيشنا الوطنى للإرادة الشعبية الجارفة فى ثورة (25 يناير - 30 يونيو)، التى دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، واستعادت للوطن إرادته المستقلة».. مقتطف من ديباجة دستور 2014.
إصحاح ثالث:
«بقى الاتهام الأخير وهو الاتفاق فى جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار.. حكمت المحكمة حضورياً على المتهم محمد حسنى السيد مبارك بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية المقامة ضد محمد حسنى السيد مبارك يوم 24 /5/ 2011 فى هذا المقام، لسبق صدور أمر ضمنى بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبَله من النيابة العامة يوم 23/ 3/ 2011».. مقتطف من حكم القاضى «محمود الرشيدى» ببراءة «مبارك» من قتل المتظاهرين خلال ثورة يناير.
إصحاح رابع:
«إنه بناء على طلب رئاسة الجمهورية بمدى جواز تمتع حرم الرئيس الأسبق (محمد حسنى السيد مبارك) بالمزايا المنصوص عليها بكل من القانون 99 لسنة 1987، والقرار الجمهورى رقم 477 لسنة 1990، وبصفة خاصة العمالة اللازمة للخدمات المعاونة بفئاتها المختلفة، ومدى جواز استمرار بعض الأصناف من عهدة مخازن الرئاسة بمنزل الرئيس السابق لزوم الإعاشة، نرى الحكم بأحقيتها بالحصول على امتيازات زوجة رئيس جمهورية سابق».. فتوى مجلس الدولة بأحقية مبارك وأسرته فى التمتع بمزايا الرئيس السابق.
تصف الإصحاحات الأربعة السابقة تحولات المشهد فى مصر منذ عام 2011 الذى شهد قيام ثورة يناير وحتى الآن، وتؤكد جميعها حقيقة واحدة، هى أن المخلوع نجح فى الالتفاف على المشهد بأكمله، وأن الدولة لا تزال فى جيبه، وأن كل من حكم مصر بعد 11 فبراير 2011 كان يؤدى على أساس هذه الحقيقة، وأن الدولة التى فى جيب «مبارك» قادرة على الجميع، وأنها نجحت فى تركيع الجميع. هذه حقيقة يصعب التفلت منها، لكن ثمة حقيقة أكبر يجهلها البعض، حقيقة أن «ثورة يناير» أشبه بـ«العنقاء» القادرة على بعث نفسها من جديد. هم يظنون أنها أصبحت جثة، أو يحاولون إقناع أنفسهم بذلك، لكن منطق الواقع وحقائق التاريخ تقول إنها حية تُرزق، وثق أن لها قيامة جديدة، ويوم «الكنس» مقبل.. ومفيش أكتر من المقشات!
نقلا عن الوطن