بقلم: فاضل عباس
لا أجد أن مصطلح الليبرالية المتوحشة مثار شك بالنسبة لي لان الليبرالية كمفهوم يطلق الحريات السياسية والاقتصادية لا مشكلة معه من حيث الشكل ولكن إذا كانت الليبرالية السياسية مطلوبة لتعزيز الحرية في المجتمع ونشر مفاهيم الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية فان الليبرالية الاقتصادية هي محطة من محطات التوحش تعزز أنانية الإنسان وتفرغ التضامن والتكافل والتشارك بين أفراد المجتمع من مضمونه.

فالاقتصاد القائم على الفكر الليبرالي له مظاهر عديدة يمكن استخلاصها في تلك المشاهد المزرية للمواطنين الأمريكيين الذين اضطروا لترك منازلهم لأنهم لا يستطيعون دفع الإرباح للبنوك ليجدوا أنفسهم في الشارع وعلى الأرصفة دون أن يكون هناك معيل لهم فلا الدولة تعتقد أن لها مسؤولية هنا ولا الثقافة المجتمعية الناشئة بين المواطنين الامريكيين تسمح هكذا مساعدة في ظل التربية الليبرالية التي تعزز الانقضاض على الآخر وليس الرأفة به.

كما الدولة لا يمكنها إنقاذ المواطنين فهي في ظل النظام الليبرالي تعمل كمصفٍ للتركة داخل العائلة فهي تنظم توزيع الثروة بين الأغنياء و الأقوياء وتضبط قواعد اللعبة والتقاسم للاقتصاد ولا تسمح بالصعود أو الهبوط لذلك تدخلت وتخلت عن مفهوم الاقتصاد الحر وأنقذت شركات متعثرة كان من المفترض لها أن تنتهي كما يقول نظام السوق الحر ولكن لان هذا دورها فهي تحمي وتسهل وتساعد في السيطرة وتقاسم الثروة وأموال دافعي الضرائب ولكن هذا لا يمثل العدالة؟

ولكون الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية قد حولت الدولة لجهاز لحماية أصحاب رؤؤس الأموال بما يتنافى مع الاقتصاد الحر فأصبحت هذه الأنظمة الاقتصادية كاشتراكية الأغنياء فقط والفقراء والمفلسون لهم الأرصفة ولا حماية لهم لذلك يكون من العدالة أن نطالب باشتراكية الإنسان والتي تحمي الإنسان وتوزع الثروة بين الجميع في المجتمع.

إن الشكل الحالي لليبرالية في شقه الاقتصادي قد وصل لدرجة من التوحش أصبح معها وجوده مفروضاً على الإنسان فلا هو اقتصاد حر كما يدعي المنظرون ولا هو توزيع عادل للثروة بين أفراد المجتمع بل هو قوانين اقتصادية ودولة لحماية طبقة ثرية في المجتمع ولا يسمح بسقوطها بل تفرض إجراءات تمنع الحراك الطبقي وهو ما يحول الاقتصاد الليبرالي إلى اقتصاد غير عادل وغير حر ومتوحش يكون ضحاياه الفقراء ومن هو خارج هذه الطبقة المهيمنة، لذلك فان حفاظ الليبرالية الاقتصادية على توحشها عن طريق سلطة الدولة ومنع الحراك الطبقي مؤقتاً يؤكد ما ذهب إليه كارل ماركس عندما أكد أن الثورة الاشتراكية هي من تنتزع الحقوق وتقيم سلطة العمال وتحقق العدالة الاجتماعية.