■ نحتاج إلى وقفة مع النفس لنجيب على سؤال فى غاية الأهمية، ألا وهو: لماذا لم يتحقق ما كانت تطمح إليه الشعوب من طموحات وآمال حتى الآن؟ يعتقد البعض أننا نملك مصباحاً سحرياً له القدرة العجيبة على حل كافة المشكلات المعقدة المتراكمة والمتراكبة فى وقت قصير، بحيث لا تمر أيام إلا ويسأل البعض منا: ماذا حققنا؟ وماذا أنجزنا؟ وماذا جنينا؟
■ وحقيقة الأمر أننا نحتاج لوقفة مع النفس والذات لمعرفة الأسباب الحقيقية فى عدم تحقيق طموحات وتطلعات شعوبنا، وبدون هذه الوقفة فلا فائدة مرجوة من بذل الجهود فى غير محلها، فحينما تزال الأسباب الظاهرة للفساد مثلاً تبقى أسباب أخرى باطنة وكامنة وخفية لاستمرار الفساد تتعلق بالضمير والأخلاق واليقظة النفسية والسلامة الروحية التى كلما تحلى بها الإنسان وكان له النصيب الأوفر منها كان إنساناً نافعاً لنفسه، رافضاً ومقاوماً ومحارباً للفساد بكافة أشكاله وألوانه بطبعه، فلا غرو إذن أن ننادى ونظل ننادى وندعو إلى ضرورة إعادة منظومة الأخلاق لإزالة كل ما علق بالنفوس من أسباب قابلية الفساد والتعايش معه، بل التآلف والتعاطف مع أصحابه سواء أكان فساداً أخلاقياً أم إدارياً أم دينياً.
■ وهذه الأسباب كالسلبية وغياب الضمير والفوضوية وعدم النظام وعدم الاكتراث بالقوانين المنظمة لحركة الحياة، والاعتماد على الصوت العالى والإرهاب الفكرى والحسى... وغير ذلك من الأمراض المجتمعية الفتاكة التى ترجع بتطور ونمو المجتمع الاقتصادى والحضارى إلى الخلف- كلها تحتاج إلى وقفة بكل ما تعنيه كلمة وقفة من معانٍ.
■ ما الفائدة أن تقوم بمحاربة الرشوة مثلاً ولم تخلص الإنسان نفسه من قابلية دفع الرشوة تخليصاً لمصالحه أو أخذ الرشوة حلاً لمشكلاته؟
■ ما الفائدة أن نحارب إهدار المال العام وأبناؤنا فى المدارس هم من يتلفون مقاعد درسهم وشبابيك فصولهم؟
> ما الفائدة مثلاً من أن نطور نظام الإسعاف على الطرقات السريعة دون أن نصل بالمواطن إلى درجة لائقة من احترام قوانين السير والمرور؟
■ ولو ذهبنا نستقصى هذه السلبيات ونعدها عداً لما اتسع لنا الوقت ولا المقال.
■ إن رسول الإنسانية- صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» كان يشير إلى قضية مهمة جداً، إلى أن الأخلاق بشكل عام قبل أن تكون قضية دينية كانت قضية إنسانية وحضارية فى المقام الأول حتى يكاد يصح أن نقول: لا حياة لمن لا أخلاق له.
■ وإعادة المنظومة الأخلاقية تحتاج من كل واحد منا على المستوى الفردى أن ينظر فى نفسه وسلوكه، وأن ينمى الجوانب الإيجابية فيه، وأن يعالج السلبيات، ولا بأس بأن يستعين فى علاج سلبياته بآراء الأحباء المخلصين له.
■ بهذه الطريقة نستطيع وبتدرج أن نصل إلى صناعة الإنسان الحضارى الراقى الذى يحسن التعامل مع الأشياء من حوله، ويتصرف بحب وإيجابية مع كافة مفردات المجتمع من حوله.
■ إذا نظرنا إلى كثير من المشكلات من حولنا كتلوث المياه مثلا، وأزمات المرور وحوادث السير، وقلة الإنتاج، وكسل كثير من الموظفين وعدم قدرتهم على القيام بمهام وظائفهم... لو تأملنا هذه الأمراض الفتاكة جميعاً لاستطعنا أن نردها بسهولة شديدة إلى أزمة النقص فى الأخلاق.
■ هل تصورنا من قبل علاقة الأخلاق والضمير بالتنمية والتطور والرقى الحضارى والمادى فى المجتمع؟
■ هل نعلم أننا مهما سننا وشرعنا ألف قانون وقانون دون أن نربى الأجيال من الصغر على احترام وتقديس القوانين فإن هذه القوانين تظل مجرد حبر على ورق؟
■ هل نعلم أن بإمكاننا توفير مليارات من الدولارات تذهب سدى فى تنقية المياه من التلوث وتنظيف الشوارع من القمامة إذا نجحنا فقط فى تكوين الضمير الإنسانى الذى يتعامل صاحبه مع الأشياء من حوله برقى واحترام؟
■ نعم ستظل فئة موجودة بيننا فى المجتمع لا يردعها وعظ ولا تهذبها تربية ولا يقوّم معوجها إلا العقوبات والقوانين الصارمة، فلم تخل المجتمعات المتحضرة يوماً من هؤلاء، ولسنا ننادى بمثال المدينة الفاضلة، فهو خيال يصعب- إن لم يستحل- تحقيقه على أرض الواقع، لكن ينبغى أن نحافظ على أن تكون هذه الفئة هى الفئة الأقل النادرة الشاذة التى تثبت صحة القاعدة، لا أن تكون هذه الفئة الباغية هى الفئة الأكثر والأعم.
■ يا أيها الشعب العظيم، يا منشئ الحضارات منذ فجر التاريخ، لقد رزقك الله قائداً يكره الفساد الأخلاقى والإدارى والدينى على حد سواء، وإن كلماته المنيرة الرائعة فى كل المناسبات بلا مبالغة لتحض على التحلى بمكارم الأخلاق وعلى رأسها المحبة والتعاون والالتزام والجدية من أجل العودة بهذا البلد العظيم مصر إلى قاعدته الحضارية ومكانته الإنسانية التى تليق به، إن تحدينا الآن بعد أن غيرنا الواقع من حولنا أن ننظر فى أنفسنا كما أمرنا الله تبارك وتعالى، وأن نصلح الأكوان من حولنا بسمو أخلاقنا وصحوة ضمائرنا.
نقلا عن المصري اليوم