الأقباط متحدون - نداء المرحلة: الاتكال لا التواكل
أخر تحديث ١٣:٢١ | الاثنين ٤ مايو ٢٠١٥ | ٢٦برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٥٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

نداء المرحلة: الاتكال لا التواكل

بقلم منير بشاى
 
مصر اليوم تعيش مرحلة اعادة بناء مرافقها.  ولكن مع بناء المرافق تحتاج مصر الى اعادة بناء الانسان وتحريره من الموروثات السلبية التى تاصلت فيه وكادت تشل تقدمه وتقدم مصر معه.   بناء المرافق مهم ولكن بناء الانسان أهم لأن الانسان هو الذى يتحكم فى المرافق ويستطيع ان ينجحها او يفشلها.  بناء المرافق سهل ويستغرق وقتا محدودا ولكن بناء الانسان اصعب وهو عملية مستمرة تستغرق العمر كله.  وعلى راس ما يتعلق ببناء الانسان يأتى موضوع التمييز بين الاتكال البناء والتواكل الهدام.
 
بين الاتكال والتواكل شعرة رفيعة نمر فوقها دون ان نشعر.  ولكن فى التطبيق العملى فان هذه الشعرة يمكن ان تتسع وتتحول الى فجوة، والفجوة يمكن ان تكبر لتصبح هوة لا يمكن عبورها.
 
التواكل هو التعلق بالامل الخادع، او التظاهر بالتفاؤل الكاذب، الذى لا اساس له فى عالم الواقع.  هو كالمخدر يعمل على تغييب العقل واقناعه بالاوهام، بينما يتم صرف النظر عن الحقائق الثابتة، وضرورة العمل الشاق لتغييرها.
 
فى صميم المشكلة يقع الدين المتطرف.  الدين المعتدل مطلوب وله ايجابياته الكثيرة ولكن الدين المتطرف يضلل الناس ويبعدهم عن الطريق السليم لحل المشاكل.  وهو يعطى بعض الناس دفعة من الاصرار على مواقفهم باعتبارها ارادة الله التى لا يجوز الحيد عنها والتى يجب الدفاع عنها حتى الموت.  والموت هنا يمكن ان يصيب صاحب الفكر المتطرف، وكذلك من يجرؤ على معارضته على اساس انه يعترض على ارادة الله.  وبذلك يتحول الدين من عامل لحل مشاكل المجتمع الى اداة لتعقيد الامور وسببا للنزاعات واراقة الدماء.
 
هناك فارق كبير بين التواكل والاتكال. التواكل هو ان نلقى بمسئولية حل مشاكلنا على الله دون ان نعمل نحن شيئا.  اما الاتكال فهو ان نعترف بمشاكلنا، وندرك ان الله قادر على ان يساعدنا على حلها، ثم ندرس الطرق العملية والعلمية التى يجب تطبيقها والخطوات التى يتحتم اتخاذها.  ثم نشمر عن سواعدنا للعمل الشاق لحل هذه المشكلات.
 
التواكل هو آفة هذا الشرق وهو ما يقودنا الى الالتجاء للغيبيات لتفسير ما يصعب علينا فهمه.  التواكل هو طريقتنا للهروب من مواجهة الواقع الصعب فنلقيه على الله على اساس انه قادر على حل المعضلات وصنع المعجزات.  وفى النهاية نقنع انفسنا ان المعجزة قادمة دون ان نحرك ساكنا، سوى ربما الابتهال الى الله ان يعمل هو كل شىء، بينما نحن لا نعمل شيئا.
 
اذكر عندما كنا نعيش فى مصر انه كلما ذهبنا للطبيب كنا لا نسمع منه الا الكلمات المتفائلة مهما كان سوء الحالة "وعكة وتمر انت كويس وزى الحصان".

والعلاج غالبا يكون مسكن للالم دون نظر للسبب وراء الالم.  ولكن وبعد ايام قد توافى المريض المنية ويأتى الطبيب ليعلن الوفاة وينسبها الى ارادة الله التى لا يملك انسان ان يغيرها ودون ان يتحمل هو اى مسئولية فيما حدث.

 ولا ادرى هل كان الطبيب يجهل الحالة؟ ام كان يعلم ولكنه كان يخشى مواجهة المريض والاسرة بالاخبار السيئة؟ ام هل كان يعلم سوء الحالة ولكنه كان يتعلق ويعلق المريض معه بالامانى الطيبة الكاذبة؟  ألم يكن الافضل للطبيب ان يعرّف المريض واسرته بحقيقة الحالة حتى يكونوا شركاء معه فى خطوات العلاج؟
 
مصر مثل ذلك المريض.  وكل الدلائل تشير الى انها تعانى اكثر من مجرد وعكة بسيطة وانها لن تتحسن من تلقاء ذاتها.  اى محاولة لاستعمال الكلمات المسكنة للتخفيف من الوضع هو جريمة فى حق مصر ونوع من الخداع للشعب الذى من حقه ان يعلم الحقيقة حتى ولو كانت غير بهيجة وان يشارك فى خطوات العلاج حتى ولو كانت مؤلمة.
 
هناك تقليد متبع فى الولايات المتحدة ان المسئولين عن الحكم على كافة مستوياته يلقون خطابا سنويا فى البرلمان يوضحون فيه حالة المنطقة التى تقع تحت مسئوليتهم.

 فرئيس الجمهورية يلقى خطابا عن "حالة الدولة" وحاكم الولاية يلقى خطابا عن "حالة الولاية" وعمدة المدينة يلقى خطابا عن "حالة المدينة".
 ولكن المهم هو انهم بالاضافة الى تشخيص الحالة فهم ايضا يضعون الخطوات التى سيتبعونها لعلاج المشاكل، فالمشاكل لن تحل من ذاتها ودون تدخل من احد.
 
القاء الامر على الله وحده بالقول ان الله سيعيد مصر الى سابق مجدها بدون اى مجهود منا، ثم ننتظر ان الله يصنع المعجزة لنا وبدوننا، هو نوع من التواكل الهدام.
 
استدعاء مجد مصر القديم بالقول ان مصر هى صاحبة اعظم حضارة عرفتها الانسانية منذ آلاف السنين، وان مصر قادرة على ان تعيد مجدها القديم وتعلم الانسانية معنى الحضارة كما علمتها قديما، دون وجود خطة عمل من ناحيتنا، هذا نوع من التواكل وتوصيفة اكيدة لاستمرار الفشل.
 
والقاء اللوم على الآخرين ومحاولة إلتماس العذر لنا بالقول اننا ضحايا مؤامرات تحاك لنا بينما الحقيقة الواضحة اننا ضحية كسلنا وخمولنا وفقداننا للمقدرة على الطموح.  هذا سيجعلنا نظل ضحية للتواكل الذى لن يساعدنا على تغيير انفسنا الى الافضل.
 
ما اصدق القول انه الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.  الله يريد ان يساعدنا ولكن طريقته هى انه يعمل فينا وبواسطتنا وليس بدلا عنا او بدوننا.
 حضارتنا القديمة ستساعدنا ولكنها لن تقوم بالعمل بدلا منا.  لوم الآخر حتى اذا كانت له مبرراته يجب ان يتوقف فكم من شعوب مرت بظروف اصعب مما مررنا به وتخطت مشاعر الضحية وتحولت من ضحايا عاجزين الى ابطال قادرين ارتقوا بانفسهم وباوطانهم فى سلم المجد.
 
بدلا من التواكل دعنا نجرب الاتكال على الله بالاستعانة به ليساعدنا على ان نعمل لتغيير واقعنا المؤلم ونحوله الى مستقبل مشرق.  علينا ان نعمل وكأن الأمر كله يعتمد علينا، وان نثق فى الله لان الامر كله يعتمد على الله.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter