الأقباط متحدون - أصول داعش في جذور مصر
أخر تحديث ٠٨:١٧ | الأحد ٣ مايو ٢٠١٥ | ٢٥برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٤٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أصول داعش في جذور مصر

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

من أين تأتي أفكار داعش؟ مَن الذي شكّل وعي وثقافة أولئك الذين ينحرون أعناق البشر ثم يتوضئون ويقدمون لله صلواتهم وابتهالاتهم ودعاءهم ونجواهم، بعدما قدّموا له قرابينَ بشرية وأجسادًا من بني الإنسان، ثم يتكئون على آرائكهم ينتظرون رضوانه ووعده بالفردوس الأبدي بفاكهته وأنهار عسله وجداول خمره وغيده الحسان وحور عيونه؟

هل كان اكتشاف الفقيه الإسلامي المستنير د. أحمد كريمة مدهشًا لنا حين كشف عن كتاب صدر في مصر قبل شهور يحمل أفكار داعش ويبرر أفاعيلهم ويناصرها ويدعو فيه كل مسلم إلى حذو حذوهم واتباع نهجهم في ذبح المسيحيين ومَن رأف بهم من المسلمين؟ بالنسبة لي لم يكن مدهشًا ذلك الكشف المخجل. بل أنتظرُ، إن نحن بحثنا فوق رفوف مكتباتنا، كشفَ مزيد من تلك الكتب والمنشورات التي تغذي عقول أبنائنا بالويل وتمحو النقاء من صدورهم وتئد من أرواحهم بذور السلام والتحضر، وتحقن بدلا منها ويلا وغلا وأحقادًا وظلاما، ينتظر وحسب، زنادًا للضغط عليه، أو سكينًا تجري فوق عنقٍ مسالم، لا حول له ولا قوة.
كشف الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر أن مرجعية تنظيم داعش في أسر المسيحيين وذبحهم والتنكيل بهم وترويعهم وتشريدهم عن ديارهم، تعودُ إلى كتاب صدر قبل شهور عن مكتبة "المحجّة البيضاء"، للشيخ "لطفي عامر"، رئيس فرع أنصار السنّة المحمدية بدمنهور. عنوان الكتاب: “النصارى في القرآن"، وبين متن أوراقه يرقد الخَبَث وتنامُ القنبلة الداعشية تنتظر نزع الفتيل. يجتزئ المؤلف نصوصًا قرآنية وأحاديثَ من السُّنّة عن سياقها ليُكرّس فكرة خاطئة تدعو إلى احتقار المسيحيين وذمّهم واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراض نسائهم. كما لا يكتفي الكتابُ بتكفير المسيحيين بل يُكفّر مَن لا يُكفّرهم، ويهدر دمَ من يودّهم ويبرهم ويصادقهم!

مَن المسيء ها هنا؟ الذي توغّل في متون النصوص الأولى ثم انتقى منها ما يتفق مع رغبته المحمومة في القتل وهتك الأعراض وإشباع شهوات سفح الدم واستحلال ما للغير ثم وضع كتبًا من لدنه ونسبها إلى أقوال الله والأنبياء؟ أم الغرّ البريء الذي اكتفى بقراءة ما قُدم له من ملخصات مُخلّة واجتزاءات مُضلّلة لأن قدراته الذهنية المحدودة وفقر ثقافته وانعدام الرغبة لديه في التعلم والفهم الحق حالت دون أن يقرأ الأصول الصحيحة ليدرك ويميز الصالح من الطالح والسمين من الغث والنور من الظلام؟

لماذا نُسمّي القاتل إرهابيًّا، بينما الأولى بنا أن نسميه طالبًا مجتهدًا قرأ ما قُدّم له من ضلالات ضلّت طريقها عن صواب الأصول، ثم استوعبه، ثم طبّقه فأجهز على ضحاياه؟

السؤال هنا، ماذا نفعل في هذه الكتب والمنشورات التي تلوّث عقول الناشئة؟ المُصادرة ليست حلاًّ لأنها لونٌ من محاربة العنف بالعنف فلا نحصد إلا مزيدًا من العنف. الحلّ في سواء التعليم وضبط عقول النشء من جذور التعليم الأولى. الحل ليس في اجتثاث النبتات الشوهاء وجمع اللطع من الأوراق الصفراء المصابة بالعفن، بل بإصلاح التربة وغرس البذور الطيبة حتى نفوّت الفرصة على النبت الشيطاني فلا ينمو.

الحل في غربلة المناهج الدراسية في التعليم الأساسي العام والتعليم الأزهري وتنقية كل كلمة تحمل مفهومًا دمويًّا أو عنصريًّا فينشأ الطفل صبيًّا مثقفًا ثم شابًّا متحضرًا يعلم يقينًا أن ليس من حقّه أن يتدخل في عقيدة سواه أو خصوصيات طقسه، وأن لا بشريًّا فوق الأرض من حقه أن يكون ديّانًا على أحد لأن أمرنا جميعًا موكولٌ إلى الله، الذي عنده يجتمع الفرقاء والخصوم وأمام عرشه تعالى يقفُ الجميع ليعرف واحدُنا ما قدّم في دنياه وما استحق في عاقبته.

هذا ببساطة ما فعلته دولُ العالم المتحضر، وبعض الدول العربية الراقية مثل دولة الإمارات العربية التي قفزت باستنارتها وصلاح تعليمها من خانة العالم الثالث التعس الغارق في جهالته إلى خانة العالم الأول الذي يبني ويطور، ونأتي نحن أبناء دول الظلام لنهدم ما يبنون، ونقذف مصابيح نورهم بأحجار تخلفنا.

أطالبُ صانع القرار المصري، والحكومة والأجهزة السيادية بإصلاح منظومة التعليم وتنقية منابر الدعاوى والعمل من اللحظة التي أكتب فيها المقال على أن تجعل من تنشئة أجيال سوية مشروعًا قوميًّا يشارك فيه الشعب كافة والوزارات مجتمعة.

من عجائب الزمن أن يخرج علينا إنسانٌ يقول إن الله أمرنا بالقتل والحرق وهتك العرض واستحلال مال الغير، فيخرج إنسانٌ آخر ليقول إن الله أمرنا بالسلام والعدل وصنع الجمال واحترام الآخر، فتنقلب الدولة بكامل أجهزتها وشعبها ومنابرها لمهاجمة الرجل الثاني المصحح، ونصرة الرجل الأول الكذوب على الله، ثم تزعم تلك الدولة بصفاقة أنها تحارب الإرهاب!! إنما تحاربون الجمال وتقتلون العقل وتقطعون الألسن التي تنطق بالحق وتفجرون الأدمغة التي تفكر.

نقلا عن الحوار المتمدن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع