بقلم : عمرو حمزاوي | الأحد ٣ مايو ٢٠١٥ -
١٢:
١١ ص +02:00 EET
عمرو حمزاوي
إذا كانت نخب الجهاز الإدارى للدولة المصرية والنخب الحزبية المستتبعة والمفضلة دوما لثنائية التأييد فى مقابل الحماية من القمع ونظير بعض العوائد تتحلق حول الحكم وتدعم السلطوية الجديدة، فإن ذات التحلق تمارسه أيضا النخب الاقتصادية والمالية المسيطرة على «السوق» وعلى الكثير من مجالات الأعمال الخاصة والقطاعات الاستثمارية والتى لم تعرف منذ عودتها إلى الواجهة المجتمعية فى سبعينيات القرن العشرين إلا التحالف مع منظومة الحكم ونخب الجهاز الإدارى وبناء شراكات ريعية واسعة معها ومع بعض مؤسسات وأجهزة الدولة.
ومنذ السبعينيات، ورأسمالية المحاسيب التى ينتجها تحالف النخب الاقتصادية والمالية مع منظومة الحكم تضمن ﻷطراف التحالف تراكما غير مسبوق للثروة وللامتيازات وللعلاقات الاحتكارية، بينما ترتب اختلالات جوهرية فى اقتصاد السوق وتعصف بقواعد المنافسة العادلة وتعمق من شرور الفساد وسوء استغلال المنصب العام وغياب المساءلة والمحاسبة، وتباعد فى التحليل الأخير بين مصر وبين التنمية المستدامة والتقدم الحقيقى.
غير أن المشاركين فى السوق وفى مجالات الأعمال الخاصة والقطاعات الاستثمارية فى مصر لا يقتصرون على النخب الاقتصادية والمالية وحسب، ولا يختزلون فى «الحيتان الكبيرة» الذين يطفون على سطح الحياة العامة فى كل عصر ويتحالفون مع منظومة الحكم فى كل مرحلة ويراكمون دون انقطاع ثرواتهم ويتحايلون على المساءلة والمحاسبة ببنى الفساد المتجذرة. فبعيدا عنهم، هناك أصحاب المصانع والشركات والاستثمارات الخاصة متوسطة الحجم والصغيرة ومتناهية الصغر الذين يمقتون رأسمالية المحاسيب ﻷنها تقضى على حيادية الدولة وتجبرها على التورط فى المحاباة التشريعية والتنفيذية والإجرائية للنخب وتميز ضدهم هم، ويمقتون الفساد وسوء استغلال المنصب العام ﻷن بفعلهما تنهار قواعد المنافسة العادلة ويقهرون هم إلى هوامش السوق وخاناته الجانبية التى تفرض عليها التبعية «للحيتان الكبيرة»، ويمقتون التحالف بين النخب الاقتصادية والمالية وبين الحكم ونخب الجهاز الإدارى وبعض مؤسسات وأجهزة الدولة (التحالف العضوى بين الثروة والسلطة) ﻷن شبكاته الريعية تغيب المساءلة والمحاسبة ومضامين سيادة القانون وهم يعولون على هذه القيم لانتزاع شىء من الوجود الفعال فى السوق والحفاظ على شىء من الاستمرارية.
الكثير من هؤلاء، الكثير من أصحاب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، شارك أو تعاطف مع ثورة يناير 2011 رفضا لرأسمالية المحاسيب، ورفضا للتحالف العضوى بين الثروة والسلطة، وطلبا للدولة المحايدة ولقواعد المنافسة العادلة لتنظيم السوق. الكثير منهم تعاطف بين 2011 و2012 مع أجندة الحقوق والحريات، وتفاعل مع نقاشات العموميات بشأن الدستور الجديد وتعديلات القوانين والعدالة الانتقالية وإدارة التحول الديمقراطى، وانخرط فى بعض الأحزاب السياسية إما كأعضاء أو كممولين وطنيين لا يبحثون عن احتكار الحياة الحزبية والمنافسات الانتخابية، وكان أملهم الوحيد أن تلتفت السياسة والأحزاب إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية ومسألة التنمية. الكثير منهم صدمته تفاصيل عام حكم جماعة الإخوان، وخشى من تمادى أزمة اللامحكومية إلى عجز وفشل للدولة وإلى انهيار شامل لحياد مؤسساتها وأجهزتها، ودعم الدعوة الديمقراطية إلى انتخابات رئاسية مبكرة ثم اندفع بفعل شخصيات عامة ونخب رأى وقيادات أحزاب طالبت بتدخل الجيش فى السياسة وبفعل خوفه على الدولة إلى تأييد الخروج على الإجراءات الديمقراطية فى صيف 2013 الذين توقعوه مؤقتا ولم يتوقعوه ممهدا لسلطوية جديدة ومدشنا لمرحلة جديدة من التحالف العضوى بين الثروة والسلطة.
الكثير من هؤلاء استفاقوا خلال الأشهر الماضية على وقع الانتهاكات والمظالم والاستقطاب المجتمعى ومحاباة الدولة «للحيتان الكبيرة»، وانتقلوا من مواقع التأييد إلى خانات عدم الارتياح/ القلق/ الرفض/ وربما المعارضة فى صمت. هؤلاء وجب على المجموعات والأصوات الديمقراطية الانفتاح عليهم والتفكير معهم فى كيفية صياغة خطاب جديد للحركة الديمقراطية المصرية يمزج بين الانتصار لاقتصاد سوق عادلة متوازنة يحقق التنمية المستدامة والتقدم ــ وكلاهما لا تحققه بمفردها أبدا مشروعات الدولة الكبرى.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
نقلا عن الشروق
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع