بقلم : ميرفت عياد
" كلما أردت أن أتخيل السعادة تمثلت أمامي في صورة امرأة حائزة لجمال امرأة وعقل رجل ..... ان التربية هي التي أنتجت كل الرجـال الذين نسـمعُ عنهم، ونشاهدهم متحلّين بمزايا الإستقامة، والصدق والكرم، والشـجاعة والشفقة، وحب الوطن، واحترام الحق، والدفاع عن الحقيقة، والخضوع للواجب، وبذل النفس والمال في خدمة العلم والدين والوطنية " هكذا قال قاسم امين المصلح الاجتماعى الذى اراد ان يفك القيود الكثيرة التى كانت تكبل بها المراة ، وطالب من اجلها ومن اجل اخذ حقوقها ، حقاً فانه رجل صاحب عقلية متفتحة وعقل مستنير، لذلك اعتبر قاسم امين ضمن الفريق المنتمى الى مدرسة الامام " محمد عبده " الاصلاحية ، والذى امن بوجوب الاصلاح لانشاء جيلا مثقفا مستنيرا قادرا على قيادة مسيرة تغير المجتمع ، واحداث ثورة تحتكم للعقل والمنطق وليس الغيبيات والتخلف .

فكر متحرر .. ومجتمع ارستقراطى
اشرقت شمس يوم الاول من ديسمبر عام 1863 لتعلن عن ميلاد المصلح الاجتماعى قاسم امين الذى حاول بكل جهده علاج امراض المجتمع لذلك كان احد مؤسسى الحركة الوطنية فى مصر ، ولم يكتفى بهذا بل كان رائد حركة تحرير المرأة ، لايمانه التام بان المرأة نصف المجتمع ، واصلاح شؤنها يعد اصلاح للمجتمع باسره ، وقد عاش قاسم امين فى حى الحلمية حيث الفيلات والقصور الذى كان يتمتع بها هذا الحى الارستقراطى ، وكان هذا طبيعى بالنسبة لوالده الامير التركى محمد بك امين الذى شغل العديد من المناصب الهامة فى العراق ، ولكن شاءت الاقدار ان يرحل الى مصر ويتزوج من امراة من الصعيد انجبت له اولاد كان اكبرهم قاسم .

الولع بالحرية الفرنسية
وولع قاسم امين بالدراسة والعلم فحصل على ليسانس الحقوق ، كأول خريج من مدرسة الحقوق والادارة وكان هذا عام 1881 ، وهذا اهله ان يعمل بالمحاماه لفترة قصيرة ، ولكن هذا لم يشبع شغفه بالعلم فقرر قبول البعثة التى منحت له للسفر الى باريس ، وهناك لم يدرس قاسم القانون فقط بل تعمق فى دراسة المجتمع الفرنسى ، وظل ينهل من كل المعارف والعلوم التى افرزها المفكرون الفرنسيون فى جميع المجالات الادبية والاجتماعية ، ولان شخصيته كانت كالطير الذى يعشق الحرية ، اعجب بتلك الحرية التى يتمتع بها المجتمع الفرنسى بعد قيام الثورة الفرنسية .

امراض المجتمع المصرى
تمتع قاسم بفكر تنويرى عقلانى مبنى على احترام الحرية بجميع اشكالها ، لذلك اخذ يفند العديد من الامراض الاجتماعية التى يعانى منها المجتمع فى محاولة للبحث عن الدواء لعلاج الداء ، كما انه امن بان المراة هى النواة الاولى المجتمع ، واللبنة الاساسية للاسرة ، كما انها كالنحلة الدؤبة التى تفرز عسلا ، فتخرج لنا اجيالا صالحة ، ومن هنا يأتى الاهتمام بها وبشؤنها ، ويجب اخراجها من شرنقة العزلة والرجعية والتخلف ، الا ان هذا الفكر المتحرر من القيود الشرقية قد تقلى هجوماً شرساً ، وتم تصوير دعوته بانها دعوة للانحلال والسفور .

السلوك ام المظهر
"ان مع حيائه الجم يحترم نفسه وكرامته كما يحترم الغير وحريته ،فلم يجرب عليه ضعة ولا ضعفا ولعل أقدس ما كان يجله من مظاهر الحرية حرية الرأي..انه كان قاضيا ممتازا لم يقض يوما لينال حظوة عند احد أو ليصفق له الجمهور فكان يرى أن العفو هي الوسيلة الوحيدة التي ربما تنفع لإصلاح الذنب وان معاقبة الشر إلى الشر إضافة شر إلى شر" هكذا قال عنه دكتور محمد حسنين هيكل وكان محقاً فى هذا ، لان ايمان قاسم بالحرية جعله يهتم بالعمق ولا ينظر الى الامور بسطحية ، ولهذا اكد فى العديد من كتاباته بانه لا يهمه مظهر المرأة ، ولكن الاهم منه هو سلوكها وتصرفاتها ، الا ان حياته المليئة بالحركة والرغبة فى التغير لم تستمر طويلا  ، فقد رحل عن دنيانا وهو لم يتجاوز الخامسة والاربعين من عمره فى 23 أبريل عام  1908