حلول مبتكرة لمقاومة التطرّف والارهاب (٢٤)
كنت مع صديقي الشاب في سيارته والذي اعتبره متحررا بدرجة كبيرة وكان احد المشتركين في ثورة ٢٥ يناير وأيد ٣٠ يونيو، وبدون مقدمات دار بيني وبينه الحوار التالي:
هو: انت تعيش في أمريكا منذ فترة طويلة؟
أنا: منذ اكثر من ٢٥ سنة.
هو: هل تحب أمريكا؟
أنا: بحبها جدا وباعتبرها أحسن بلد في الدنيا.
هو: آيه سبب غرامك ده بامريكا
انا: لانها بلد الحريات والقانون والمساواة وكرامة الانسان العادي وبلد الفرص اللانهائية
هو: لكني انا بأكره أمريكا بدون سبب..!! باكرهها لله في لله كده، رغم أني لم اسافر في حياتي الى أمريكا ، ورغم أني استخدم في عملي كل التكنولوجيا الامريكية بصفة يومية والتي جعلت حياتنا اسهل كثيرا، استخدم الكومبيوتر الامريكي وبرامج الميكروسوفت والجوجل الامريكي والموبايل الآي فون الامريكي وأشاهد الأفلام الامريكية واستمع للأغاني الامريكية ، ودواء السكر أشتريه لامي مصنوع في أمريكا، ورغم هذا ما زلت اكره أمريكا ولا ادري ما السبب ؟
انا: الحقيقة لا اعرف لأَنِّي لا أستطيع ان ادخل داخل نفسك لكي اعرف لماذا تكره أمريكا ؟؟ ولكني أستطيع تخمين أسباب عامة قد تكون حافز لك لان تكره أمريكا
هو: نورني الله يخليك
انا: اول الأسباب هي الحسد والغيرة الطبيعية من الفقراء تجاه الأغنياء ومن الفاشلين تجاه الناجحين، وما يزيد الطين بلة انه رغم انك تكره أمريكا الا انك تستمتع بصفة يومية وبشكل شبه مجاني بكل التكنولوجيا الامريكية فنحن بلا شك نعيش في عالم أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، فمعظم المبتكرات الحديثة تم اختراعها في أمريكا وبعد ثورة المعلومات غزت الثقافة الامريكية حياتنا ابتداء من الانترنت ونهاية بمطاعم الوجبات السريعة مرورا بالاسلحة الامريكية.
وثاني الأسباب هي ان أمريكا تساند اسرائيل على طول الخط سواء كانت على حق او على باطل
وثالث الأسباب هو غزو أمريكا للعراق لإنقاذ وتحرير الكويت مرة من جنون صدام حسين ومرة اخرى بسبب جنون جورج بوش
ورابع الأسباب هو الاعلام العربي، والذي يسيطر على معظمه يساريون وناصريون وقومجية وإسلاميون وكلهم يجتمعون على كراهية أمريكا، لانها الشيطان الأعظم في نظرهم لانها كانت السبب في نهاية الشيوعية من وجهة نظر اليساريين ولأنها تنشر الفساد والاباحية والشذوذ على حد قول الإسلاميين، لذلك قامت اجهزة الاعلام العربي منذ حقبة القومية العربية بزعامة عبد الناصر بغسل ادمغة معظم العرب تجاه أمريكا وجعلتهم يعتبرون ان أمريكا هي العدو الاول الذي يحارب العرب والإسلام.
وبلغ هذا العداء مداه عند حدوث جريمة ١١ سبتمبر وأصبح العداء مشترك، ولأول مرة يتيقن الأمريكان الى ان عدوهم الرئيسي اصبح الاٍرهاب الاسلامي بدلا من الاتحاد السوفييتي.
ثم جاءت الثورات العربية، وحتى تلك الثورات زادت من كراهية العرب لامريكا فمعارضي تلك الثورات اعتبروها مؤامرة أمريكية صهيونية لتدمير العرب وهذه هي الفوضى الخلاقة والتي دعت اليها وزيرة خارجية أمريكا كونداليسا رايس في عهد جورج بوش الابن، اما مؤيدو تلك الثورات فاعتبروا ان أمريكا هي المسئولة عن فشل تلك الثورات والتي أدت في معظمها الى حروب أهلية او عودة الحكم العسكري!! فامريكا هي المسئولة عن نجاح وفشل تلك الثورات!!
هو: كده بدأت افهم انا ليه بأكره أمريكا، طيب انت باعتبارك مواطن أمريكي وباعتبارك عشت في امريكا اكثر من ربع قرن، كيف تبرر انحياز امريكا لإسرائيل على طول الحق؟
انا: هناك عدة أسباب للتأييد الامريكي غير المشروط لإسرائيل:
اولا: نشأة امريكا تشبه الى حد كبير نشأة اسرائيل، امريكا أنشأها المستوطنون الاوربيون الذين عبروا المحيط الاطلنطي وأقاموا دولة متقدمة على حساب اصحاب البلد الأصليين من الهنود الحمر، وإسرائيل أنشأها مجموعة من المستوطنون الاوربيون الذين عبروا البحر المتوسط وأقاموا دولة متقدمة على حساب أهل البلد الأصليين من العرب
ثانيا: اسرائيل هي اكثر دولة محترمة في الشرق الأوسط، استطاعت رغم حصار الكراهية حولها ان تكون من اكثر الدول تقدما في مجالات التعليم والتكنولوجيا وصناعة السلاح وزراعة الصحراء وكذلك تكاد تكون الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وهذا كله يجعلها تكسب احترام العالم كله وبخاصة العالم الغربي وأمريكا، لانها تعكس الحضارة الغربية وسط عالم يكره الحضارة الحديثة ويريد اعادة عقارب الزمن للوراء.
ثالثا: العالم يحترم دائماً المنتصر، قد لا يحبه ولكنه يحترمه، وكما يقولون فان للانتصار الف أب اما الهزيمة فتكون يتيمة، واسرائيل دولة صغيرة ومحدودة الموارد الطبيعية ولكنها منتصرة دائماً على من حولها، انتصرت في كل الحروب التي خاضتها ضد العرب باستثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣ والتي اعتبرها انها انتهت بالتعادل، في عام ١٩٤٨ انتصرت تلك الدولة الناشئة والتي أطلقنا عليها دولة العصابات الصهيونية على سبعة جيوش عربية في هزيمة تعتبر فضيحة، وفي عام ١٩٥٦ اكتسح الجيش الاسرائيلي صحراء سيناء في ايام قليلة، وفي عام ١٩٦٧ كانت الهزيمة الكبرى حيث استولت اسرائيل في اقل من ستة ايام على أراض بلغت أضعاف مساحتها الأصلية كما استولت على القدس بالاضافة الى أراض ثلاث دول عربية، وفي عام ١٩٧٣ وبعد عبور الجيش المصري لقناة السويس عبورا عظيما ومفاجئا تمكن الجيش الاسرائيلي من العبور المضاد ووصل الى ١٠١ كيلو متر من القاهرة، وتمكن من محاصرة مدينة السويس والجيش الثالث المصري، ولولا حنكة الرئيس السادات لانتهت تلك الحرب نهاية مفجعة.
رابعا: اسرائيل دولة قامت على أساس ديني وذلك لإقامة دولة ليهود العالم، ولذلك تجد ان معظم يهود العالم يساعدون اسرائيل، وبخاصة أغنياء يهود امريكا الذين يسيطرون على نسبة محترمة من اجهزة الاعلام الامريكية وعلى السينما الامريكية وعلى البنوك وشركات التأمين الامريكية، وتلك القوة الاقتصادية خلقت ما يسمى باللوبي اليهودي والذي استطاع في خلال اكثر من نصف قرن من التأثير المباشر على صانع القرار الامريكي، بالترهيب ساعة وذلك باتهام اي سياسي أمريكي بمعاداة السامية وهي تهمة جاهزة لأي شخص يحاول ان يقف امام مصالح اسرائيل ، وايضاً من خلال الترغيب وذلك بتمويل العديد من الحملات الانتخابية للساسة الأمريكيين ابتداء من رئيس بلدية في مدينة صغيرة وانتهاء بمنصب رئيس الولايات المتحدة. واللوبي اليهودي هو لوبي قوي ومؤثر ولا يستطيع اي سياسي أمريكي ان يتجاهله وإلا كان مصيره الفشل في الانتخابات.
خامسا: خيبة العرب والمسلمون ، وهي خيبة ما بعدها خيبة، فقد كان باستطاعة العرب تكوين لوبي قوي في امريكا وأوروبا ينافس اللوبي اليهودي ويساعد في التأثير على صانع القرار الامريكي، وَمِمَّا زاد الطين بلة هو نشأة الاٍرهاب الاسلامي العربي في أعقاب جريمة ١١ سبتمبر وكل من قاموا بها كانوا من العرب، مما أدى هذا الى ارتماء المزيد من الأمريكان في احضان اسرائيل.
هو: ولكن هذا التأييد الامريكي الغير مشروط لإسرائيل، يعطي المبرر للارهاب الاسلامي
انا: انا اعلم بالتأكيد ان سياسة امريكا تجاه فلسطين هي سياسة غير عادلة، ولكن هذا لا يبرر قتل الأبرياء سواء كانوا في نيويورك او لندن او مدريد او كينيا او سيناء او الموصل او دمشق او حلب او الصومال او نيجيريا ، وهذا ايضا لا يبرر قتل المسلمين وغير المسلمين على حد سواء
هو: ولكن سياسة امريكا تلك جعلت معظم العرب والمسلمون يشمتون في امريكا عندما تم ضربها في عقر دارها في نيويورك لأول مرة في تاريخها، انا شخصيا كنت ممن قال عندما رأيت انهيار برجي التجارة العالمي في نيويورك: أحسن يستأهلوا ، رغم أني لا اويد الاسلام السياسي ولست يساريا ايضا؟؟
انا: ولكنك وقعت تحت تأثير غسيل المخ والذي مارسه الاعلام العربي لأكثر من نصف قرن لنشر ثقافة الكراهية وبالذات الكراهية تجاه الغرب وأمريكا ، وذلك في محاولة لتبرير الفشل المستمر والهزيمة المستمرة امام اسرائيل وذلك بخلق الوهم اننا لم ننهزم امام اسرائيل ولكن ننهزم امام امريكا لذلك فامريكا هي العدو الحقيقي وليس اسرائيل ، وإذا كان على اسرائيل وحدها بسيطة ممكن نخلص عليها في ايام ، ولكن نعمل آيه ووراءها الشيطان الأعظم امريكا!! وما زلت اذكر أغنية عبد الحليم حافظ والتي غناها في أعقاب الهزيمة المخجلة عام ١٩٦٧ وكانت تقول: ولا يهمك ياريس من الأمريكان يا ريس... حواليك اشجع رجال!!
هو: ولكن كيف تبرر نجاح الاسلام السياسي في ربط العداء لامريكا وإسرائيل بالعداء للدين المسيحي والدين اليهودي ؟؟
انا: طبعا نشأة اسرائيل في المنطقة على أساس ديني أعطى مبررات كبرى للإسلام السياسي ان يطالب بإنشاء كيانات سياسية دينية إسلامية والمبرر واضح، يعني هو حلال على اليهود ان يقوموا بإنشاء دولة يهودية وحرام على المسلمين ان يقوموا بإنشاء دولة إسلامية؟؟ ليس هدا فقط بل ان التأييد المتواصل من الغرب المسيحي لدولة اسرائيل اليهودية أعطى بعدا آخراً للحرب الدينية التي يشنها الاسلام السياسي وأصبح العدو ليس اليهود فحسب ولكن اصبح العدو ايضا هو الغرب الصليبي الصهيوني، والإسلام السياسي من اجل تحقيق اغراضه لا بد له ان يخلق له عدوا ( مثله بالضبط مثل التطرّف اليميني في الغرب) وما أفضل من عدو من استرجاع الحروب الصليبية ليس هذا فقط بل بالمبالغة في إعداد ضحايا تلك الحروب (مثلما يبالغ اليهود في إعداد ضحايا الهولوكوست) . لذلك تأصلت في ثقافة الكراهية العربية والإسلامية كراهية اليهودية بحجة الصهيونية وإسرائيل وكراهية المسيحية بحجة الغرب الصليبي، مع العلم بان كراهية اليهودية والمسيحية متأصلة في الاسلام بقرون عديدة قبل الحروب الصليبية وقبل اكتشاف امريكا وقبل نشأة اسرائيل بالطبع!!
هو: يبدو ان محبتك وحياتك في امريكا جعلتك متامركا ومتعاطفا مع اسرائيل ؟؟
انا: كوني متامركا فهذه تهمة لا أنفيها وانا بالفعل أصبحت متامركا لان امريكا بالنسبة لي لم تصبح مجرد وطن ولكنها فكرة لكل من يؤمن بالحرية والعدالة وفرص الحياة الكريمة لمن يعمل بجد ونشاط وهمة، اما كوني أصبحت متعاطفا مع اسرائيل، فأنا متعاطف مع الحق وضد الظلم. وبعد زيارتي لفلسطين واسرائيل أصبحت مقتنعا بحل ان تلك ارض واحدة يحب ان يتم تقسيمها بين الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني وانا مؤمن ايضا انه اذا تم ترك تلك القضية لاهلها فقط وبعيدا عن المتطرفين من الطرفين فسيتم حل المشكلة التي دخلت عقدها السابع دون حل ويسترزق من وراءها ملايين العرب من المتأسلمين ومن القومجية!!
نقلا عن إيلاف