الأقباط متحدون - مدينة أون المشرقة
أخر تحديث ٠٠:٣٨ | الجمعة ١ مايو ٢٠١٥ | ٢٣برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٤٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مدينة أون المشرقة

فاروق عطية
   كان مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لمصر أهم المشروعات العملاقة التي أفرزها الؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ, وواحد من المشروعات العملاقة لشركة إعمار الإماراتية صاحبة الاستثمارات الضخمة فى مصر والعالم العربي. تم التوقيع (14 مارس) على اتفاق اقامة العاصمة الإدارية الجديدة وهو مشروع كبير سينطلق خلال وقت قصير. وتقع العاصمة الجديدة شرق الطريق الدائري الإقليمي، بين السويس والعين السخنة، لتشكل نقطة توازن بين القاهرة وقناة السويس، بمساحة إجمالية تصل إلى نحو 700 كيلو متر مربع.

وسيخصص جزء من المشروع لبناء 25 حيًا سكنيًا يتسع لنحو 5 ملايين شخص، وتشتمل المدينة على 250 كيلو مترًا، من شبكات الطرق وحقول إنتاج الطاقة المتجددة، تمتد على مساحة 91 كيلوا متًرا مربعًا، بالإضافة إلى مطارًا جديدًا وفقًا للمعايير الدولية بمساحة 16 كيلو مترًا وتخصص مساحة 460 كيلو مترًا مربعًا كأراضى متاحة للتطوير العمرانى، كما يخصص أكثر من 4 مليون متر مربع من المدينة كمساحة تجزئة لتأجير مراكز تجارية للتسوق، بجانب بناء 40 ألف غرفة سياحية لاستقبال السائحين، وبناء أكثر من 660 مرفقًا للرعاية الصحية والتعليمية والعبادة، بالإضافة إلى مبنى جديد للقصر الرئاسى والبرلمان، وبعض الوزارات والسفارات، كما سيتم بناء مدينة ملاهي ستكون أكبر 4 أضعاف من مدينة "ديزنى لاند" ومن المتوقع أن يوفر المشروع مليون و500 ألف فرصة عمل جديدة، ويستغرق بناء العاصمة الجديدة من 5 إلى 7 سنوات بتكلفة مبدئية تقدر بـ 45 مليار دولار.

    لم تكن مصر هي الدولة الأولي التي نقلت عاصمتها المترهلة إلي عاصمة جديدة منضبطة, بل سبقها في ذلك سبع دول. فقد نقلت نيجيريا اعاصمتها من لاغوس، أكبر مدن البلاد وقطبها الاقتصادي إلى مدينة أبوجا عام 1991. كما نقل الحكم العسكري في ميانمار العاصمة من مدينة رانجون إلى موقع غير مأهول وقتها حمل اسم نايبييداو عام 2005. نقلت روسيا عاصمتها من سانت بطرسبورج إلى موسكو عام 1918. وخططت البرازيل لبناء عاصمة أكثر توسطا في البلاد لتعويض ريو ديجنيرو منذ الخمسينات, وافتتحت بعض بناياتها التي صممها المهندس المعماري أوسكار نيميير عام 1960. وأصبحت أستانا عاصمة لكازاخستان عام 1997 وتعد أحدث العواصم بدلا من ألماتي، التي ظلت عاصمة اقتصادية وأكبر مدن البلاد.

وفي منتصف الثمانينات أنجزت مخططات عاصمة تنزانيا الجديدة دودوما على يد المهندس المعماري الأمريكي، جيمس روسنت. ولكن الانتقال إلى العاصمة الجديدة لم يحدث مثلما كان متوقعا، إذ أن البرلمان يجتمع في جلساته في دودوما، ولكن أغلب الوزراء والسفارات الأجنبية بقيت في العاصمة القديمة دار السلام. وتعد أبيدجان عاصمة ساحل العاج الاقتصادية وأكبر مدنها، ولكن زعيم الاستقلال فليكس هوفويت بواني، قرر في الستينات بناء عاصمة جديدة، في مكان ولادته، فأصبحت ياموسوكرو عاصمة البلاد عام 1983.

   لم تكن القاهرة هي العاصمة الوحيدة لمصر على مر العصور؛ فقد تغيرت عاصمتها عدة مرات في تاريخها الممتد الجذور. ويمكن اعتبار عام 3200 ق.م عام بداية الـتأريخ للدولة المصرية، لأنه العام الذي تأسست فيه أول عاصمة مركزية (ربما في التاريخ البشري كله) بعد أن توحد وادي النيل بالكامل ليصبح أقدم وأول دولة في التاريخ علي يد الملك مينا (نارمر) موحدالقطرين. منذ هذا التاريخ انتقلت السلطة وحتى يومنا جغرافيا لعواصم متعددة, حسب أغلب كتب التاريخ كان هناك ما يقارب الـ35 انتقالا وتغييرا لعاصمة مصر في 13 مدينة مصرية مختلفة. كانت هذه الـ 13 مدينة مصرية عبر التاريخ  مقرا للسلطة وبعضها كان في مراحل تاريخية يعتبر (عاصمة للعالم ).

واختلف مكان العاصمة حسب ظروف الزمان والمكان والتوجه العام للدولة المصرية, ففي العصور القديمة كان اختيار العاصمة لتكون في مكان متوازن بين شمال مصر وجنوبها تأكيدا لوحدة الدولة ووحدة الأمة. وعلى مر العصور كانت السلطة حريصة على أن تكون العاصمة على ضفاف النيل تارة  في الشمال وتارة في الجنوب حسب الظروف السياسية. في عصور ضعف مصر كانت العاصمة تقام قريبة من الكيان الأجنبي  المسيطر، فكان شرق الدلتا مكانا لعاصمة مصر أثناء حكم الهكسوس وأيضا  في العصور المتأخر الخاضعة للسيطرة الأشورية أو الفارسية.

ومع دخول العصر الهللينستي ومن بعده عصر الإمبراطورية الرومانية وارتباط مصر ثقافيا وحضاريا بأوروبا، كانت الإسكندرية ولقرون طويلة عاصمة لمصر تربط مصر بامتدادها الحضاري في روما وأثينا وبيزنطة، ثم عادت العاصمة بعد دخول الإسلام إلي ضفاف النيل مرة أخرى، ولكن على الشرق منه في أقرب نقطة اتصال مع آسيا وساحل البحر الأحمر، لتكون تعبيرا عن الامتداد الحضاري للمشرق العربي والإسلامي. والمتتبع لتاريخ مصر يعلم جيدا أن هناك أربعة عواصم رئيسية كبرى كل منها كانت مركز الحكم في مصر لقرون طويلة هي (منف – طيبة – الإسكندرية – القاهرة)، أما باقي العواصم فلم تبلغ من الزمن ما بلغته هذه المدن الأربعة. وفيما يلي قائمة بعواصم المصرية مرتبة ترتيباً زمنياً:

ـ تنيس (الموقع الحالي المنزلة بالدقهلية) (قبل 2950 ق. م.) ـ أول عاصمة في التاريخ للوجهين القبلي والبحري.

ـ منف (2950 ق. م. ـ 2180 ق. م.) ـ من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثامنة الفرعونية.

ـ هيركليوبوليس (إهناسيا الحالية) (2180 ق.م. ـ 2060 ق. م.) ـ الأسرتان التاسعة والعاشرة الفرعونيتان.

ـ طيبة (الأقصر الحالية) (2135 ق.م. ـ 1985 ق.م.) ـ الأسرة الحادية عشر.

ـ لتجتاوي ـ (1985 ق.م. ـ 1785 ق.م.) ـ الأسرة الثانية عشرة.

ـ طيبة (1785 ق.م. ـ 1650 ق.م.) ـ الأسرة الثالثة عشرة.

ـ خاسوت (سخا الحالية) (1715 ق. م. ـ 1650 ق. م.) ـ الأسرة الرابعة عشرة.

ـ أواريس (زوان الحالية) (1650 ـ 1680 ق.م.) ـ الأسرة الخامسة عشرة (الهكسوس).

ـ عاصمة الأسرة السادسة عشرة (التي كانت من الهكسوس أيضاً) مجهولة، ولكن ربما كانت في مملكة كوش.

ـ طيبة (1650 ق.م. ـ 1353 ق.م.) ـ الأسرتان السابعة عشرة والأسرة الثامنة عشر (بعد إخناتون)

ـ أخيتاتون ـ (تل العمارنة الحالية) (حوالي 1353 ـ حوالي 1332 ق.م.) ـ إخناتون (الأسرة الثامنة عشرة).

ـ طيبة (1332 ق.م. ـ 1279 ق.م.) ـ الأسرتان الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (قبل رمسيس الثاني).

ـ بر ـ رعمسيس (1279 ـ 1078 ق. م.) ـ الأسرة التاسعة عشرة (بدءاً من رمسيس الثاني) والأسرة العشرون.

ـ تانيس (صان الحجر الحالية) (1078 ـ 945 ق.م.) ـ الأسرة الحادية والعشرون.

ـ بوباستيس (تل بسطة الحالية) (945 ـ 715 ق.م.) ـ الأسرة الثانية والعشرين.

ـ تانيس (818 ـ 715 ق.م.) ـ الأسرة الثالثة والعشرون.

ـ سايس (صا الحجر الحالية) (725 ـ 715 ق.م.) ـ الأسرة الرابعة والعشرون.

ـ نباتا / منف (715 ـ 664 ق.م.) ـ كانت عاصمة الأسرة الخامسة والعشرية هي مدينة نباتا النوبية (لأن الأسرة 25 هي أسرة نوبية)، ولكنهم حكموا مصر من منف.

ـ سايس (664 ـ 525 ق.م.) ـ الأسرة السادسة والعشرون.

ـ فارسية - الأسرة السابعة والعشرون.

ـ سايس (399 ـ 404 ق.م.) ـ الأسرة الثامنة والعشرون.

ـ منديس (تل الربع الحالية) (399 ـ 380 ق.م.) ـ الأسرة التاسعة والعشرون.

ـ سبينيتوس (سمنود الحالية) (380 ـ 343 ق.م.) ـ الأسرة الثلاثون.

ـ فارسية - الأسرة الحادية والثلاثون.

ـ الإسكندرية (332 ق.م. ـ 641 م).

ـ الفسطاط (641 ـ 750).

ـ العسكر (750 ـ 868).

ـ القطائع (868 ـ 905).

ـ الفسطاط (905 ـ 969).

ـ القاهرة (969 - الآن).

   ولم يعلن بعد إسما للعاصمة الجديدة وتُرك الأمر للمقترحات علي أن ينتقي أنسبها. وأنا أري أن إسم مديبة أون المشرقة إسما مناسبا تيمنا باسم مدينة أون القديمة. كانت مدينة أون هي أول عاصمة لمصر الموحدة وذلك في عهد ما قبل الإسرات وكانت في ذلك الوقت مدينة متكاملة تمتد من أرض النعام في منطقة المطرّة الحاليّة شرق القاهرة وكانت بها الغابات المقدسة التي تنمو فيها أشجار البلسم والبخور ويُربى فيها النّعام المقدس. وما زالت المنطقة تحمل اسم أرض النعام بحي المطرية حتى الآن. وكلمة أون كلمة مصرية قديمة معناها برج رصد الشمس، وقد حُرّفت أون إلى عين وأضيفت عليها شمس لتصبح عين شمس وهو أحد أحياء القاهرة نحو الشرق حاليا. وقد أطلق الإغريق عليها اسم هليوبوليس أي مدينة الشمس باليونانية ويطلق الاسم على حي مصر الجديدة الآن. وكانت المنطقة تمتد إلى المعادى وتجتازها حتى تصل إلى حلوان.

وحلوان الحالية في الأصل كلمة مصرية قديمة تكون من كلمتين هما " حل أون" ومعناها "جنوب أون" وأدمجت الكلمتين في كلمة واحدة حُرّفت الى حلوان وهي حي كبير في اقصى جنوب القاهرة حاليا. ويرجع تاريخ المدينة إلى أيام الأسرة الأولى، إذ كانت عاصمة المملكة، بل لعلها أنشئت فيما قبل التاريخ. ومن الأسرة الثالثة  انتقل الحكم منها إلى ممفيس، وفي الأسرة الثانية عشرة إلى ديوسبوليس (الفيوم).

وخلال كل هذه التغيرات احتفظت أون بأهميتها الدينية، فقد كان بها الهيكل العظيم في زمن نصوص الهرم -أقدم النصوص الدينية المصرية- ومن الاستدلال بالمكانة العظيمة الواضحة لهيكل أون عند كتابة تلك النصوص، نرى أن المدينة ترجع إلى تاريخ سابق بوقت طويل، فأسطورة أوزوريس تقول إن حادثة قتل "سيت" لأوزوريس حدثت في هليوبوليس، وهذا معناه أن الهيكل في أون كان أقدم من ذلك، وكان يشتمل على معبد للشمس باسم "رع" (الشمس) وأيضًا "أتوم" (غروب الشمس - أو الشمس في العالم السفلي)، كما كانت هناك "قاعة العنقاء" وشيء مقدس اسمه "ين" من حجر, ويرجح أن أصل كلمة "أون" هو حجر أو عمود. ولا يظهر من معالمها الآن إلا مسلة من الجرانيت الأحمر خلف المنازل، وهي المعلم الوحيد الظاهر من مدينة عمرها سبعة آلاف سنة. كانت مدبنة أون مركز عبادة الشمس وهي مدفونة تحت ضاحية عين شمس ومنطقة المطرية القريبة منها، ففي غرب عين شمس حيث تقع معابد مدينة أون يجري التنقيب في منطقة تبلغ مساحتها 26800 متر مربع، وتضم أثار معابد ومكتبات للفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات.

وقد جاءت شهرة مدينة «أون» وعمق تأثيرها فى الحياة الدينية فى مصر، نظرا لأنها صاحبة أول نظرية فى خلق الكون، وأصبح «تاسوعها» المقدس أساس كل اعتقاد دينى جديد، كما أن كهنتها وعلماءها، هم أول من قسم السنة إلى اثنى عشر شهرا، وإلى ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وهو التقسيم المعمول به حتى الآن، وظلت أون محتفظة بسيادتها الدينية على مر العصور، وظل الملوك يقدمون للإله «رع» القرابين، ويضعونه فى مقدمة الآلهة العظام، ويقيمون له المعابد والمسلات تقربا له، ومما يميز مدينة «أون»، أن معابدها كان ملحقا بها دور للعلم، تشبه جامعات العصر الحديث، يقوم فيها الكهنة بالتعليم والشرح للطلاب فى مختلف المجالات التى تفوقت فيها المدينة كالطب والفلك والفلسفة واللاهوت، حيث كان طلاب الطبقات العليا، يفدون إليها وأطلق عليها اسم «بر عنخ» أى بيت الحياة، ويلحق بها أيضا دور للكتب أطلق عليها اسم «برمزات» أى دار الكتب.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter