موضوعات عديدة تشغل بال المصريين ليل نهار وتمثل مخاطر شديدة تهدد مسيرة الوطن نحو الاستقرار والأمان من الإرهاب، والتنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، ناهيك عن قلق المصريين من تواضع جهود الدولة فى مجالات تدعيم العدالة الاجتماعية والارتقاء النسبى لمستويات الخدمات العامة من صحة وتعليم وإسكان، وعدم التعامل بالجدية الواجبة مع مشكلات العشوائيات وتجاهل ملايين المصريين من ساكنى القبور، فضلاً عن الباحثين عن مأوى فى الشوارع وتحت الكبارى، والهائمين على وجوههم بحثاً عن فضلات طعام بين أطنان القمامة المتراكمة فى كل مكان بالمحروسة.
وقد انتظر المصريون حتى ظهر السيسى رافعاً لواء تخليصهم من جماعة الإرهاب وسيطرة مرشدهم على الحكم. وكانت استجابته، وهو قائد قواتهم المسلحة، لثورتهم فى الثلاثين من يونيو وإنهاء حكم الطغاة يوم 3 يوليو 2013 وإعلان خارطة المستقبل، كلها علامات تبشر المصريين ببزوغ فجر الحرية والديمقراطية ودعم الكرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان المصرى الذى طال انتظاره له وصبره على مكاره حكم دولة مبارك ثم دولة مرسى!
وكانت رؤية المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى بادرة محمودة استقبلها أهل مصر بترحاب بالغ حين عرض جوانب منها فى لقاء تليفزيونى أثناء الحملة الانتخابية، فقد تناول كل المشكلات والقضايا التى تؤرق المصريين فى حياتهم، وقال السيسى مخاطباً: «شعب مصر العظيم، شاءت الأقدار أن تكون تلبيتى للنداء وترشحى للرئاسة فى مرحلة من أصعب المراحل فى التاريخ المصرى المعاصر، لقد ثار الشعب المصرى العظيم مرتين متتاليتين باحثاً عن الحرية والعزة والكرامة الإنسانية، مطالباً بعيش كريم وعدالة اجتماعية. لقد كان بإمكانى أن أضع رؤية للسنوات الأربع المقبلة، ولكن إدراكاً منى لحجم التحديات وعظم المسئولية التى نتجت عن انعدام التخطيط وترحيل التصدى للمشاكل، والتحديات العديدة الواضحة، وفى مواجهة أمينة وواقعية منى أمام شعب من المتوقع أن يصل تعداده عام 2050 حوالى مائة وخمسين مليون نسمة، مع تحديات كثيرة: أين سيعيش؟ وما مصادر سداد مديونياته ومصادر تمويل بناء حاضره ومستقبله؟ وما مقومات اقتصاده؟ وكيف سنبنى الشخصية المصرية الجديدة علماً وخُلقاً ومعرفة وثقافة؟ كل هذا فرض علىّ أن أضع رؤية تؤسس لمصر العصرية التى أعدّت العدة ليحيا أبناؤها الحياة الكريمة التى يستحقونها».
تلك الكلمات المعبرة بصدق عن آلام المصريين وآمالهم كانت دافعاً لهم لانتخاب الرئيس السيسى بأغلبية غير مسبوقة. وكانت الآمال معقودة على إنجازات سريعة وإن لم تحل المشكلات حلاً ناجزاً فهى على الأقل تُعتبر بداية لحكم جديد يقوم على رؤية للرئيس عن مستقبل مصر ويبنى على تخطيط واع وخطوات مدروسة للتعامل مع مشكلات طال عليها الزمن بلا حل!
كانت الرؤية التى أطلقها المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى عامل اطمئنان للمصريين إلى أن الحكم الجديد سيكون مختلفاً اختلافاً جذرياً عما سبقه، ويختلف أيضاً عن الحكومة الأولى بعد 30 يونيو التى رأسها د. الببلاوى وأسهمت بلا شك فى إجهاض الثورة وإحباط المصريين من أن تغييراً حقيقياً قد حدث بعد ثورتين. ومن ثم أصبحت الآمال معلقة بأول حكومة يشكلها الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسى، ولكن ما كل ما يتمناه الشعب يدركه، تأتى الحكومة بما لا تشتهى الناس (بتصرف عن بيت الشعر المشهور للمتنبى)!
فالحكومة الأولى فى عهد الرئيس السيسى، وقد مضى عليها قرابة العام، لم تعلن خطتها حتى اليوم، مخالفة بذلك قول الرئيس إن انعدام التخطيط كان من الأسباب الرئيسة لفشل الحكم الأسبق الذى ثار عليه الناس فى 25 يناير. فالناس فى بلدى لا يعلمون للحكومة برنامجاً وإن لم يكن على مستوى رؤية السيسى فلا أقل من أن يحاول محاكاتها! كما لا يعلمون أين هى من «رؤية الرئيس للمستقبل»، وما أولوياتها، وما الإنجازات المستهدفة فى أهم الملفات التى يأمل المواطنون أن تحقق فيها الحكومة نتائج ولو بسيطة على أرض الواقع مما يُشعر الناس بأن هناك حركة وإن كانت بطيئة، فهى خير من الجمود أو الحركة العكسية إلى الخلف.
لقد أهملت الحكومة ملف إحياء شركات قطاع الأعمال العام ومحاولة إعادة هيكلتها وتدبير مصادر حقيقية لتمويل أنشطتها وزيادة قدراتها الإنتاجية وطاقاتها التصديرية. وغابت عن اهتمامات الحكومة ضرورات تحديث الصناعة المصرية واستعادة ما كان لصناعة الغزل والنسيج وصناعات الأثاث والجلود من قدرات كانت تحاكى، إن لم تتفوق على، مثيلاتها فى دول صناعية متقدمة. وتاه ملف الشركات الصناعية المتعثرة والمتوقفة فى أغلب المدن الجديدة فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتم تسريح آلاف العاملين بتلك الشركات دون أن تبادر الحكومة بمحاولة الاقتراب ولو من بعد من ذلك الملف.
ولم تكن الزراعة بأحسن حظاً من الصناعة، فغابت رؤى التحديث والتطوير، وفقدت مصر مركزها التاريخى فى زراعة وتصدير القطن لدرجة أن وزير الزراعة السابق حكم على زراعة القطن بالموت، وفشلت الحكومة حتى الآن فى بدء تنفيذ مشروع الرئيس السيسى لاستصلاح واستزراع أربعة ملايين فدان والبدء فى المليون الأولى!
ولم تحدث انفراجة تُذكر فى تطوير الخدمات التعليمية أو الصحية أو مرافق مياه الشرب والصرف الصحى، ولا يزال المصريون يذكرون مأساة انقطاع التيار الكهربائى وابتكار اسم «تخفيف الأحمال» لتخفيف وطأة انقطاع التيار ساعات طويلة، ولا يزال المصريون يتحسبون للصيف المقبل وإن كانت جرائم الإرهابيين الإخوان من الأسباب الرئيسة لتلك المشكلة ولا تزال، إلا أن أسباباً أخرى كثيرة تُسأل عنها الحكومة الرشيدة.
كان المصريون، ولا يزالون، يطلبون بإلحاح تسريع وتيرة القضاء فى التعامل مع الجماعات الإرهابية، وهم يطالبون الآن بإعمال «الإدارة الناجزة» لإنقاذ ما تبقى من أمل فى تحقيق رؤية الرئيس للمستقبل!
وعن الإدارة الناجزة سيكون حديث الأسبوع المقبل بإذن الله.
نقلا عن الوطن