الأقباط متحدون - والله وبكّيت فاطنة يا عبدُالرُحمن
أخر تحديث ٠٥:٢٠ | الأحد ٢٦ ابريل ٢٠١٥ | ١٨برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

والله وبكّيت فاطنة يا عبدُالرُحمن

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

مشيت يا خال؟ مين بعدك يتغزّل فى مصر؟ مين بعدك هيقولى: والله وبكيّت فاطنة يا عبدالرحمن!

موقفان لى مع عبدالرحمن الأبنودى لا أنساهما ما حييت. أحدُهما فى الثمانينات الماضية وأنا بعدُ طالبةٌ بالفرقة الأولى بكلية الهندسة. والآخر قبل سنوات. كانت اللجنةُ الثقافية بكلية الهندسة جامعة عين شمس قد دعت «الأبنودى» لإحياء أمسية شعرية استجابةً للطلاب. ولأنه جميلٌ فقد لبّى. كنتُ فى سنة أولى عمارة، ولا أنسى ابتسامته الرائقة ونحن نقاطعه ليعيد ونردد معه «جوابات حراجى القط» التى نحفظها عن ظهر قلب. صوتٌ عملاق قُوامه مئات الطلبة فى نَفَس واحد يقولون: «وانشالله يا حراجى ما يورينى فيك يوم/ وانشالله تكون تعلمت ترد قوام/ ومادام احنا راسيين ع العنوان/ والله ما حنبطل بعتان/ مفهوم../ أسوان/ زوجى الغالى/ لأوسطى حراجى القط / العامل فى السد العالى».

ولأنه جميلٌ أيضاً فقد رحّب بسماع «المواهب الشابة» من طلاب الكلية. كان ذلك فى مدرج «فلسطين» المهيب الذى يحتلُّ مكاناً بارزاً فى واجهة المبنى العريق. كنتُ خجلةً، لكن أصدقاء أشراراً ممن يعرفون محاولاتى الشعرية وشوا بى ودفعونى دفعاً لألقى قصيدة فى حضرة «الأبنودى». وكان امتحاناً أعسر من امتحانات الكلية العسرة. على أننى بعد بعض تردد وتلعثم ألقيتُ ما ألقيت. وحين تقدمتُ لمصافحته أتعثّرُ فى حيائى، كان نثارُ كلمات مما يشبه الاعتذار يتدفق من شفتى. فما كان إلا أن احتضننى وقال بلكنته الجنوبية الحلوة: «انتى شاعرة يا بت، اوعاكى تسيبى الشعر!». وكانت شهادةً كبرى أمام ألف طالب، أخذتُها على محمل التشجيع من شاعر كبير لصبية تجرّبُ الشعر، ولم أنشر حرفاً إلا بعد هذه الواقعة التاريخية بعقدين كاملى. لكنّ تلك الشهادة ظلّت تميمتى السرية. أُخرجها فى خُلوتى لأقوى كلما انهزمت، وأستحضرُها فوق طاولتى كلما راودنى الشعرُ وحاولت الفرار منه مهابةَ تلويث الورق بالحبر؛ كما يقول نزار قبانى.

الموقف الثانى كان فى مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. كان «الأبنودى» يُلقى قصيدة «يامنة». وحرصتُ على اقتناص مقعد فى الصف الأول، فى مواجهة الشاعر، وكان إلقاؤه كالعادة ساحراً، وملامحه تقول الشعرَ مع صوته، وكانت القصيدة ماسّة حارقةً، فبكيتُ حين قال: «ولسه يامنة هتعيش وهتلبس/ لمّا جايب لى قطيفة وكستور؟/ كنت اديتهومنى فلوس/ اشترى للركبة دهان/ آ.. با.. ى ما مجلّع قوى يا عبدالرحمن/ طب ده أنا ليّا ستّ سنين مزروعة فى ضهر الباب/ لم طلّوا علينا أحبة ولا أغراب/خليهم/ ينفعوا/ أعملهم أكفان.!/ كرمش وشى/ فاكر يامنة وفاكر الوش؟/اوعى تصدقها الدنيا.. / غش ف غش! /مش كنت جميلة يا واد؟/ مش كنت وكنت/ وجَدَعَة تخاف منى الرجال؟/ لكن فين شفتونى؟/ كنتوا عيال!/ حتيجى العيد الجاى؟/ وإذا جيت/ حتجينى لجاى؟/ وحتشرب مع يامنة الشاى؟/ حاجى يا عمة وجيت/ لا لقيت يامنة ولا البيت!». بكيتُ. فما كان منه إلا أن انتزع منديلاً ورقيّاً وابتسم قائلاً: (والله يا عبدُالرُحمن بكّيت «فاطنة» الحلوة!) وها أنت أبكيتنى مجدداً يا عبدالرحمن!

عقدانِ بين هذين الحدثين الفاعلين فى حياتى. وبين العقدين مئات من قراءة «الأبندوى» وكثير من دموع تغسل الروح كما التطهر الأرسطى. أيها الجميل يا مخبى فى عينيك السحراوى تملى حاجات، ارقد فى سلام ولا تنسنا!
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع