الحظ العاثر فقط هو من تسبب أن يلاصق متحف العريش القومي، ذو الواجهة الجرانيتية اللامعة، الكتيبة 101، التابعة لقوات الجيش في سيناء، والمعرضة دائمًا لقصف من الجماعات الإرهابية، أضواء المتحف التي تنعكس على جدرانه الخارجية، تتداخل مع وميض شظايا الرصاص الذي يخرج من فهوة سلاح القناص المرابط أعلى المتحف لحماية ظهر الكتيبة، ليصنعا لوحة تجذب الأنظار.
أبواب المتحف دائمًا مغلقة، ولا زائرون يترددون عليه، فيما استقرت سيارات مدرعة تابعة للجيش خلفه في ثبات، فالمتحف يعيش أسوأ أيامه منذ إنشاءه عام 2008، لحفظ التراث السيناوي والآثار المتعلقة بسيناء، فهو يحتوي على آلاف القطع الأثرية التي تجسد تاريخ سيناء من عصر الإنسان الأول والعصور القديمة والوسطى والحديثة، بتكلفة بلغت نحو 45 مليون جنيه.
آثار توثق ثلاثة طرق رئيسية متعلقين بشمال سيناء، الطريق الحربي في العصر الفرعوني، وطريق الحج في العصر الإسلامي، وطريق هروب العائلة المقدسة في العصر القبطي، إضافة إلى حجرة خاصة بالعملات وأخرى خاصة بالآواني الفخارية، وثالثة خاصة بالتراث السيناوي، "كل هذه الآثار جسدت تاريخ شمال سيناء على مر العصور، وتلك الآثار وإن كانت متعلقة بشمال سيناء إلا أنه لا يشترط أن يكون قد تم العثور عليها داخل المحافظة"، بحسب تصريحات سيد سليمان مدير متحف العريش العام لـ"الوطن".
منذ عام 2011 وبعد ثورة يناير، أغلق المحتف أبوابه في وجه الزوار، لدواعٍ أمنية، فيما يخضع لحراسة مشددة، منعًا من الاعتداء عليه أو سرقة محتوياته، وبحسب سليمان، فإن الإقبال على المتحف في السابق كان مقبولًا، وكان يتوافد عليه العشرات من المواطنين يوميًا، إضافة إلى الرحلات المدرسية وطلبة المدارس، إلا أن الوضع اختلف الآن، وفقد المتحف زواره، بسبب الإرهاب.
يضم المتحف 1381 رقم مسجل، والرقم المسجل يحتوي على أكثر من قطعة أثرية، وهذا يعني أن المتحف يضم آلاف القطع الأثرية النادرة، إضافة إلى قاعة التراث السيناوي، التي تضم أيضًا قطع أثرية تجسد طبيعة الحياة في سيناء، كما يشير مدير المتحف، والذي كان شاهدًا على تدمير واجهة المتحف، بعد العملية الإرهابية التي نفذتها جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية، وأدت بحسب تصريحات سليمان لـ"الوطن"، إلى تهشم الجدران والأسقف وشبكات التكييف والكهرباء، وفتارين الزجاج، إلا أنها لم تطال التماثيل أو القطع الأثرية النادرة الموجودة داخل المتحف.
"سليمان" مازال يتذكر طريقة احتفال المتحف في ذكرى تحرير سيناء، الذي يوافق يوم 25 أبريل، حيث كان يشارك في مراسم الاحتفال التي كانت تجرى بالقرب من مقره، ويستعد لاستقبال المئات من المواطنين بعد أن يفتح أبوابه مجانًا أمام المواطنين الذين يتدفقون عليه، يتحسر مدير المتحف على هذه الأيام، قائلًا: "دلوقتي مش بنعرف نفتح باب المتحف أو نستقبل أي مواطن".