بقلم : حمدي رزق | الاربعاء ٢٢ ابريل ٢٠١٥ -
٣٦:
٠٧ م +02:00 EET
حمدي رزق
كلما اتلسع العياط حكماً بالسجن، هتف الإخوان، «اثبت اثبت يا بطل.. سجنك بيحرر وطن»، تخيلوا العياط بطل، وسجنه بيحرر وطن، مرسى العياط عامل فيها «مانديلا»، جلده تخين، عايش فى دور «الرئيس الشرعى»، ينتفخ بتأثير الهتاف المخدر، يطير فى سحاب أزرق.
حتماً ولابد من الكشف عن قواه العقلية، هذا الرجل مريض يا جماعة، مريض بالإنكار، وهو مرض نفسى شائع فى العاديين ما بالك بشخص إذ فجأة صار رئيساً، وإذ فجأة صار معزولًا، وإذ فجأة صار متهماً بالجاسوسية، وإذ فجأة صار بطلا.. وسجنه بيحرر وطن؟!!
سيتخبل، ويعانى من الخبل، وهو مخبول أصلا، وعايش فى الحارة المزنوقة منذ نعومة أظافره، ويخشى الأصابع اللى بتلعب فى دماغه، حتما مرسى سيصل حتما إلى ما يسمى نفسيا «ضلال الانعدام»، كإنكار وجود نظام جديد، ورئيس جديد، وسلطة جديدة، ينكر تماماً العالم الخارجى، خارج نفسه المريضة، وقد يصل فى مرضه إلى مرحلة الفصام، العياط ينكر ليس هيئة المحكمة التى تحاكمه، ويتمسك بلقب الدكتور، وأنت مين يا عم، وأنا هنا ليه، بل قد ينكر وجوده هو أصلا كمتهم.. يهرتل: أنا الرئيس الشرعى!
الصراع النفساوى الذى يخوضه مرسى فى كل جلسة، وبعد كل حكم، يستوجب وجود قوتين متصارعتين، ولكن الإنكار الذى أصابه يعتبر إحدى هاتين القوتين غير موجودة أصلا، لا ثورة، ولا عزل، ولا سجن، كالنعام يدفن رأسه فى الرمال عند رؤيته لقياداته فى القفص، من أين جاءوا، ومن سجنهم، أنا تركتهم فى القصر، ورحت أجيب ورقة بوستة، ينكر وجودهم، يراهم فى ملابس السجن، أبيض وأزرق وأحمر، وكأنهم فى حفل تنكرى، ويستجمع قواه ويصرخ أنا الرئيس الشرعى.. ظناً منه أنه هكذا يتجنب الخطر ويهت المحكمة، ألقمه القاضى حجراً، عشرين سنة سجناً وخمسة مراقبة، فبهت الذى صرخ.
وقد يفيد الإنكار فى تجنب الألم، وخاصة إذا كان الهدف منه التأجيل لحين استجماع المهبوش لقواه العقلية، أو تستجمع الجماعة قواها الشبابية، ليجلس على تلها ثانية بعد خرابها، ليكون أكثر تحملا لنومة «البرش» المحاكمات، والاتهامات التى تصل إلى حدود التخابر مع دويلة قطر العظمى، فينكر الخيانة، ويفتخر بالجاسوسية.
كما أن الإنكار يرتبط بالواقع الخارجى للفرد، فحينما يعيش الفرد فى واقع محبط، يلجأ لإنكار وجود مثل هذا الواقع بشكل كلى أحيانا أو بشكل جزئى، والإنكار عند مرسى مثل الإنكار عند بقية إخوانه، ما هو إلا حيلة دفاعية شائعة بين الإخوان المحبطين، الإخوان كانوا فى جرة وطلعوا لبره، فلما طلعوا لبره انكشفوا، وبانت عورتهم، آلامهم شديدة، فينكرون فشلهم، ويدارون، ويكابرون.
الجماعة كالأم شديدة التعلق بمرسى، ابنها البكرى، تنكر أى عيوب، أو نقائص فيه، ومرسى نفسه يميل لإنكار ما به من عيوب، أو قصور، أو فشل، لأن أساس ميكانيزم الإنكار هو مبدأ اللذة والواقع... فالفرد عندما ينكر بعض المثيرات الخارجية، لعدم تحمله ما هو فى الواقع، نجده يرى العيوب فى الآخرين، ولا يراها فى نفسه، وينكر الهطل، ويصم الآخرين.
(المحتوى العلمى بتصرف من كتاب «الأمراض العقلية والنفسية» للدكتور أنور حمودة البنا).
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع