الأقباط متحدون - الجريمة الكُبري
أخر تحديث ٠٠:٣٦ | الاربعاء ٢٢ ابريل ٢٠١٥ | ١٤برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٣٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الجريمة الكُبري

بقلم: ليديا يؤانس
روز أوتاجيان تبلغ من العُمر 82 عاماً،  مُقيمة بدار للعجزة،   حيث أنها غير قادرة علي الحركة لضعف العضلات والأعصاب،  زيارتي لها أول مرة كانت منذ سنتين برفقة القس جيمس، هُوّ صيني الأصل ولكنه يعمل بأحدي الكنائس الكندية التي أتردد عليها في بعض الأحيان وأيضاً أخدم بها،  هذه الخدمة تعُرف في الكنائس سواء العربية أو الأجنبية بالإفتقاد أو زيارة المرضي والمحتاجين.

القس قدمني لها علي أنني مُساعدة له وأنني مصرية قبطية،  إنفرجت أساريرها ورحبت بي بود وحب ببعض الكلمات العربية المكسرة وأستكملت ببعض الكلمات الإنجليزية،  أنا وأسرتي نعيش هُنا منذ 52 عاماً،   ولكنني ولدت في مصر،  قلت يعني مصرية،   طبعاً مصرية بحكم مَولدي وإقامتي ولكنني في الأصل أرمنية،   وكنا نقطُن في منطقة الظاهر بالقاهرة،   منطقة  جميلة تتميز بوجود العديد من الكنائس وأيضاً المدارس الأجنبية المسيحية.

أستأذننا في الإنصراف بعد قراءة الأنجيل معها والصلاة لها،  وقال لها القس أعرف انك تريدين التحدث مع ليديا عن مصر،  هي ستقوم بزيارتك بمفردها لتتحدثا سوياً.

عند زيارتي الثانية لروز قالت،  الأرمن شعب ينتمي إلي العِرق الآري (أي الهندوأوروبي)،  واسم بلدنا أرمينيا،   أو بمعني أصح جمهورية أرمينيا،   الأسم الأصلي للبلاد بالأرمنية "هايك"   وإن كان تمدد في العصور الوسطي وأصبح "هاياستاني هاترابيتوتيون."

جمهورية أرمينيا تحكمها الديمقراطية والتعددية الحزبية،   دولة ذات تراث ثقافي،   بلد جميلة جبلية،  تقع في القوقاز من أوراسيا،  بالتحديد عند ملتقي شرق أوربا مع غرب آسيا.

تحدها تركيا من الغرب،  جورجيا من الشمال،  إيران ومكتنف ناخيتشيمان الأزربيجاني  من الجنوب،  ومن الشرق تحدها جمهورية الأمر الواقع ناغورتي كاراباخ وأزربيجان. 

وأستطردت قائلة بفخر وإعتزاز،  كانت مملكة أرمينيا أول دولة تعتنق المسيحية ديناً لها حوالي سنة 301 ميلادية،   وعلي فكرة زوج إبنتي قس بالكنيسة الأرمنية هُنا،   جمهورية  أرمينيا تعترف بالكنيسة الأرمنية الرسولية كنيسة وطنية لأرمينيا بالرغم من أن الجمهورية تفصل بين الكنيسة والدولة.

لماذا إخترتم أن تعيشوا في  مصر؟
قالت الحكاية وراءها قصة مؤلمة كما روتها لي أمي،  يرجع تاريخها لمائة عام مع بداية الحرب العالمية الأولي وبالتحديد في 24 ابريل 1915 عندما ألقت السلطات العثمانية القبض علي المثقفين والمفكرين الأرمن،   وقتلت الغالبية العظمي منهم.

أيضاً تزامن ذلك مع الأزمة التي نشأت بين الأمبراطوريتين العثمانية والروسية في القوقاز،   في ذلك الوقت بدأت حكومة الأستانة تشك في أن الجيش الأمبراطوري الروسي ضم فرقة من المتطوعين الأرمن إلي صفوفه،  مما جعل الإمبراطورية العثمانية تقوم بعمل إبادة جماعية للأرمن والذي عرف بإسم المذبحة الأرمنية أو المحرقة الأرمنية أو الجريمة الكبري.

كما روت لي أمي،  أنها كانت أيام سوداء مرعبة مُميتة نفسياً وجسدياً لكل الأرمن،  صراخ وعويل وزعر في كل مكان،  القتلي في الشوارع أجسادهم مُقطعة،   الأقدام تدوس علي جثث القتلي أثناء الفرار من الموت الذي يُلاحقهم،  دماء القتلي صبغت الشوارع،  الدماء إختلطت بتراب الأرض وقاذورات الشوارع فضاعت ملامح القتلي،  البعض ماتوا من التجويع المُمنهج،  الكثيرين  مُعلقين علي الصُلبان يصرخون من الألم والعذاب،   والبعض أسلم الروح ومازالوا فوق الصُلبان لإثارة الرعب في نفوس الآخرين.

هذا ما قامت به السلطات العثمانية لذبح وإبادة الأرمن،  أجبرونا علي ترك بيوتنا،  طاروا وراءنا يسوقوننا كما تساق البهائم،    يضربوننا بالسياط والكرابيج والسيوف،  لا رحمة بطفل أو كهل،   دفعونا إلي طرق وعرة صحراوية،   ونحن حُفاة ولا يستر أجسامنا سوي خرق مُمزقة من الضرب والعرق والبكاء والدماء التي تسيل من أجسادنا،   وفي نفس الوقت لا طعام ولا ماء  فسقط الألاف قتلي،  كانوا يأخذون الأطفال من ذويهم ويلقون بهم في الطرقات،   البعض يقتلونهم،   والبعض يتركونهم يموتون من الظروف القاسية المُحيطة بهم،    جردوا النساء من ثيابهن وأغتصبوهن في الشوارع أمام الجميع ثم علقوهن علي الصُلبان عراة.

أنا وأبوكي إستطعنا الهرب بطريقة مُعجزية من هذه المجزرة،  ثم لجأنا إلي مصر كما أن البعض ممن هربوا مثلنا لجأوا إلي سوريا ولبنان والعراق واليونان وغيرهم من البلدان.

عموماً كانت هذه المذبحة أو المُحرقة ثاني أكبر مُحرقة علي مستوي العالم بعد مُحرقة الهولوكوست،  ولقد قدر الباحثين والمؤرخين أن عدد ضحايا الأرمن وصل إلي المليون والنصف مليون أرمني مابين الأطفال والنساء والرجال.

في هذه الأيام والعالم يحتفل بالذكري المئوية لمذبحة الأرمن،   رفعت سماعة التليفون لأُشارك صديقتي روز بهذه المناسبة،   فوجدتها سعيدة جداً لما يقوم به المُجتمع الدولي لإحياء الذكري المئوية لمذابح الأرمن،  حتي لا ينسي العالم بشاعة الجريمة الكبري التي إقترفتها الإمبراطورية العثمانية في حق المسيحيين الأرمن،  إعتذرت لها عن عدم زيارتي لها حيث أنني متوعكة صحياً منذ فترة،  ضحكت كعادتها وقالت ما تتأخريش علي علشان بحب أتكلم معك ونقرأ في الأنجيل معاً،   وعدتها بالزيارة عندما تتحسن صحتي.

وقلت لها علي حد معلوماتي المحدودة أن الجريمة الكبري التي إرتكبتها الأمبراطورية العثمانية في حق شعبكم كانت رهيبة بكل المقاييس ولكن يوجد أيضاً العديد من مسيحي العالم ذاقوا المرار من كأس شرها وجبروتها.

هل تعلمين أن عبد الحميد الثاني هو أول من بدء بتنفيذ المجازر لذبح الأرمن وغيرهم من المسيحيين الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية،  فلقد تم مُهاجمة وقتل مئات الآلاف من مسيحي السريان والآشوريين والكلدان واليونانين وغيرهم،  بدأت  عمليات التصفية بين  1894-1896  وهي المعروفة باسم المجازر الحميدية.

عندما دخل الأنجليز أسطنبول في سنة 1919  أثاروا القضية الأرمنية،  وقبضوا علي عدد من القادة الأتراك وقدموهم للمُحاكمة،  ولكن معظمهم هربوا فحكموا عليهم غيابياً بالإعدام،    فيما عدا حاكم يوزغت الذي تم إعدامه لإتهامه بإبادة مئات الأرمن في بلدته.

تعرفي ياروز أن مصر أيضاً،  كانت تحت الحكم العثماني لحقبة من الزمن،   وشرب مسيحي مصر كأس المرار من هذا الحكم المًتجبر الذي كان يهدف إلي إذلالهم وإهانتهم.

فكان للحاكم العثماني أحكام ضد غير المسلمين،  مثل إجبارهم علي التسميه بأسماء تُظهر هويتهم،   حتي يسهل تهميشهم بمجرد معرفة ديانة الشخص من الأسم.

كان المسيحي مُحرماً عليه ركوب الخيول،  وإذا ركب حماراً يكون وجهه عكس وجه الحمار والطريق، أي الحمار ينظر للطريق من الأمام وهو ينظر الطريق من الخلف.

كان المسيحي مُجبراً علي لبس صليب من الحديد ثقيل جداً،  فكان الصليب الحديد يترك أثراُ أزرق حول الرقبة،  ولذا أطلقوا علي أقباط مصر "عظمة زرقاء."
كان المسيحي مُجبراً علي صوم رمضان،  وعدم لبس ملابس ملونة بخلاف الأسود،   ولذا تجدين الكهنة الأقباط حتي الآن لبسهم الكهنوتي عبارة عن جلباب أسود،  أيضاً كان ليس مسموحاً لهم لبس عمائم علي الرأس.

كان المسيحي المصري أسوأ حالاً من المسيحي الأجنبي الذي يعيش بمصر بسبب نظام الإمتيازات الذي يُعطي الأجنبي الحق في أن يُحاكم  في محاكم خاصة وليس مصرية.

علي ما أعتقد أن الأمبراطورية العثمانية موجودة حتي الآن،   وفي كل مكان من العالم،  موجودة في صورة داعش وبوكو حرام،  الدواعش كثير،   والأسماء مُتنوعة،   والأسلوب واحد،   والجرائم واحدة،   لأن الفكر واحد والمصدر واحد!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter