وحيد عبد المجيد | الثلاثاء ٢١ ابريل ٢٠١٥ -
٠٢:
٠٩ م +02:00 EET
وحيد عبد المجيد
وحيد عبد المجيد
على مدى ما يقرب من عام ونصف العام، منذ أن بدأ الإعداد لإصدار قانون مجلس النواب، وعقد الرئيس المؤقت عدلى منصور جلسات استماع حوله إلى جانب قضايا أخرى، ما زال الارتباك مستمراً بشأن نظام الانتخاب وما يقترن به من تقسيم للدوائر. أدى هذا الارتباك إلى اعتماد نظام انتخاب يقوم على الأغلبية المطلقة فى دوائر معظمها للأفراد، وبعضها لمجموعات يُطلق عليها قوائم. ولم يُلتفت إلى الملاحظات التى أُبديت على هذا النظام ومدى
وأنتج الارتباك الذى أحاط باعتماد هذا النظام الانتخابى، والاختلال الذى ينطوى عليه- تقسيما للدوائر الانتخابية بطريقة تفاقم هذا الاختلال، وتزيد ذلك الارتباك، بدلاً من أن تقللهما. وكما حدث بشأن قانون مجلس النواب، لم يُلتفت إلى الملاحظات التى طُرحت حول قانون تقسيم الدوائر رغم أن بعضها حذَّر من عدم التزام هذا القانون بالفقرة الثانية فى المادة 102 من الدستور. وأكد حكم المحكمة الدستورية العليا سلامة هذا التحذير، الذى استند منذ البداية إلى وجود انحراف معيارى حاد فى تقسيم بعض الدوائر، بما يتجاوز الحدود المعقولة.
ورغم أن حكم المحكمة الدستورية حدد جوهر الخلل وطريقة معالجته، فقد ازداد الارتباك الذى يشوب عملية الانتخابات. وعاد شبح «عدم الدستورية» ليُخيم على المسار السياسى مجدداً، ولكن بدرجة غير مسبوقة وصلت الى حد المطالبة بتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا ليسمح بالرقابة السابقة على القوانين المنظمة للانتخابات.
ويثير ذلك سؤالاً مثيراً بدوره للدهشة عن مصدر هذه الأزمة التى لا نجد مثلها فى بلاد أخرى، يحظى الدستور فيها بمكانة أعظم، ويحرص الجميع فيها على ضمان دستورية جميع القوانين فى مختلف المجالات، وليس فقط فى مجال الانتخابات. فمصر ليست البلد الوحيد الذى يوجد فيه دستور يضع قواعد للانتخابات.
ولذلك لا تكفى العوامل الفنية (التقنية) سواء المتعلقة بسلامة النص القانونى أو حرفية صانعيه، أو المرتبطة بدقة فهم النص الدستورى ومقاصده، أو المتصلة بالحسابات الرقمية فى عملية تقسيم الدوائر الانتخابية، لتفسير الأزمة التى تجعل نظام الانتخاب مُعَّطلاً المسار السياسى وإنجاز الخطوة الثالثة فى «خريطة المستقبل».
كما لا تفيد الاتهامات المرسلة فى الساحة السياسية التى تتعرض لها الحكومة حيناً والأحزاب حيناً آخر لفهم المدى الذى بلغته هذه الأزمة. فما هذه العوامل التقنية والسياسية إلا تجليات للمصدر الرئيسى للأزمة، والذى نجده فى طريقة تعاملنا مع مسألة النظام الانتخابى، بدءاً بمعرفتنا بأصولها. فثمة مشكلة معرفية يصعب إغفالها فى هذا المجال. وهذه مشكلة تاريخية تعود إلى التعبيرات التى صارت مألوفة لنا، منذ أن أطلقنا على نظام الأغلبية المطلقة اسم «النظام الفردى» الذى لا نجده فى أدبيات النظم الانتخابية أو قوانينها فى العالم. ولذلك فإذا قلت لشخص فى فرنسا أو الهند أو المكسيك مثلاً إن النظام الانتخابى فى مصر «فردى»، لا يفهم شيئاً. وعندما تشرح له المقصود، يقول لك إنك تقصد نظام «الأغلبية المطلقة». وعندما أخذنا بنظام التمثيل النسبى للمرة الأولى عام 1984، أطلقنا عليه اسماً آخر مستمدا من الآلية الأساسية فيه وهى «القوائم». ولذلك شاعت تسميته بنظام «القوائم النسبية».
غير أن تعبيرى «الفردى» نسبة إلى الأفراد، و«القوائم»، هما جزء من تفاصيل نظامين انتخابيين لم يعرف العالم غيرهما حتى الآن، وهما الأغلبية المطلقة والتمثيل النسبى، ويتسع كل من هذين النظامين لأفراد وقوائم فى آن معاً. فالفاصل بين النظامين هو طريقة التمثيل فى البرلمان، وليس وسيلة خوض الانتخابات.
ففى نظام الأغلبية المطلقة، يفوز من يحصل على (50% + 1) أو على أى أكثرية فى بعض التطبيقات، سواء كان الفائز فرداً أو مجموعة من الأفراد تتفق على تشكيل قائمة تجمعها، وفق ما يحدده القانون. ولذلك لا يوجد نظام انتخابى قائم بذاته يسمى «القائمة المطلقة». فالقائمة هنا جزء من نظام الأغلبية المطلقة. وفضلاً عن أن تشكيل قوائم ظل حالة نادرة فى تاريخ نظام الأغلبية المطلقة، تظل هذه القوائم شكلاً من أشكال هذا النظام، وليست نظاماً انتخابياً فى حد ذاته.
ومثلما يتسع نظام الأغلبية المطلقة للقوائم إلى جانب الأفراد، يوجد فى نظام التمثيل النسبى مكان للأفراد إلى جانب الأحزاب. فالعلاقة التى نقيمها بين التمثيل النسبى والقوائم ليس لها أساس. ففى كثير من البلاد التى تأخذ بنظام التمثيل النسبى، يزيد عدد القوائم التى يُشكلها أفراد مستقلون على تلك التى تكَّونها الأحزاب.
ولذلك، وبعد أن بلغت العلاقة بين نظام الانتخاب وتعطيل المسار السياسى ذروته، صار ضرورياً البدء فى معالجة الأساس المعرفى للأزمة المؤدية إلى هذا التعطيل. فالمشكلة المعرفية هنا ليست نظرية تتعلق بمعرفة مجردة، بل شديدة الارتباط بالواقع.
والحال أننا لن نتمكن من وضع نظام انتخاب صحيح فى ذاته، فضلاً عن أن يكون دستورياً، ما لم نعرف أن كلاً من الأفراد والقوائم موجود فى النظامين الرئيسيين فى العالم، وهما الأغلبية المطلقة والتمثيل النسبى، وأنه ليس هناك نظام ثالث يسمى القائمة المطلقة.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع