بقلم: أيمن عبد الرسول
أثار إعلان سحب جائزة الدولة التشجيعية من الروائي الشاب "طارق إمام" بعد اكتشاف اللجنة (غير الموقرة بالمرة)، لغطًًا من حقنا الوقوف عنده، فلجان التحكيم مهزلة وبالأسماء، سنورد أسباب المسخرة التي قامت بها اللجان التابعة لما يسمى بالمجلس الأعلى للثقافة الذي وصفه المرحوم "محمود السعدني ساخرًا كعادته من الاسم :"هو فيه أوطى من كدة علشان دا يبقى الأعلى".

وإذا كنا لا نوافق "السعدني" في السخرية، فما علاقة ما يحدث كل عام من جدل بين مشكِّك في نزاهة اللجان، ومدافع عن قراراتها التي غالبًا ما توصف بأنها بلا مبررات قوية. فكيف بالوطن عليك أن تمنح الدولة جائزة التفوق مثلاً لكاتب وناقد بحجم "فاروق عبد القادر" الذي أشك في قبوله لهذه الإهانة لو كان حيًا وبصحته.
 ونعود إلى الجائزة التي مُنحت خطأً ثم سحبت بعد إبلاغ المجلس بفوز الرواية بجائزة "ساويرس" عن العام الماضي، وهو نفس السيناريو الذي تكرر مع الصديق "هيدرا جرجس" في العام الماضي (مع مراعاة الفارق في توقيت الإكتشاف)، وهو لا يعني سوى استنتاجين كلاهما مُر ومحزن:

- الأول: أن مصر وأدباءها عقموا أن يبدعوا سوى روايتين تفوزان بنفس الجوائز، وما علاقة جائزة "ساويرس" ولجنة تحكيمها، بجوائز الدولة ولجان تحكيمها؟!

-  أما الخيار الثاني المر أيضًا والمؤلم، هو أن السادة الذين من حقنا أن نقدّم فيهم بلاغًا إلى النائب العام ،أعضاء لجان التحكيم غير الموقرين بالمرة، غير أمناء على أموال الدولة، وبالتالي يمنح من لا يملك لمن لا يستحق، أو من يستحق المكافأة على خدماته السرية للسادة العجائز في مجلس الحكماء القابع على نيل الزمالك، وتعالوا معًا نستكشف أن لجان التحكيم أصغر أعضائها عمره 65 عامًا، وكيف ومتى يقرأ ويتابع ويحلل ويفاضل السادة الأفاضل؟!

وإذا كان اتهامنا لهم بالمجاملة على حساب الوطن قد يزعجهم، فمن حقهم علينا افتراض حسن النوايا، وإننا شباب طايش بيحب يخبط في الكبار في السن فقط، وللكبر في السن أحكام منها النسيان، والوقوع فريسة سهلة لإلحاح هذا أو رد خدمة ذاك، وضيق الأفق، لأنني لا أقبل أن تكون مصر قد عُدمت روائييها ومبدعيها حتى يفوز بكل الجوائز (ساويرس والتشجيعية) نفس الأسماء، ويا للدهشة نفس الأعمال، تخيل!

يمكننا أن نفهم أن المؤلف عبقري، لكن روايته هي هي تأخذ جائزة من مؤسستين هما هما مرتين لا تفسير لهذا سوى العلاقات يا سادة، وليس عبقرية الروائي الفذ ابن المؤسسة المدلَّل، الذي يستغل عمله كصحافي ومعد برامج وأشياء أخرى في تسويق ذاته عبر كل الممكنات.

فإذا كان فلان عضو لجنة تحكيم، فليقبِّل المرشح قدميه حتى يحوز منه الترشيح، وليتفق الجميع على أن هذا المبدع الفلتة يستحق الجائزة.

كم كان "صنع الله إبراهيم" عبقريًا عندما رفضها، فعلا برفضه لها عليها، لا أطالب بمنع الجوائز، ولكن أطالب بتجديد دماء لجان التحكيم، فالمطالع لأسماء السادة رواد لجان المجلس الأعلى في التحكيم، أو ضيوف مؤتمراته التي تصرف عليها ضرائب الناس بالملايين، سيكتشف إنهم نفس الأسماء منذ عشرين عامًا، ولا يدخل بينهم ولو خطأ شخص جديد، والذين تربطهم بشكل فج روابط مصالح بمنطق "شيِّلني وأشيِّلك"، وعندي النهاردة وعندك بكرة.

الحقيقة إنني تفاءلت كثيرًا بتولي الدكتور "عماد أبو غازي" أمانة المجلس، ولكن يبدو إنه مُحاط بأسوار من تراث عقيم، وشخصيات لم تزل تتدافع بلا اختشا لحمل حقيبة السيد الوزير، ورغم كل شيء ليس في صالح الدكتور "أبو غازي" هذه المهزلة، ولا ذنب له فيها الإ إنه لم ينسف حمَّامه القديم، وأعانه الله على عقول عليها أقفالها، لا ترى عماها وهي تدَّعي البصيرة!

أنا مستاء، وعندي لوعة من هذه الشخصيات التي هي في الحقيقة السبب في كل كوارثنا من السيد المفكر الاستراتيجي، الذي ليس لديه ما يقوله من ستينيات القرن المنصرم، إلى مقاولي الثقافة الجدد في وزارة الإسترزاق على قفا المواطنين باسم الثقافة، ولا وزارة ولا ثقافة.

إنها بإختصار مهزلة صنعها الكبار في السن؛ ليتورَّط فيها الصغار في السن والنفوس معًا، هل تعرف أن لجنة الحكماء في التشجيعية حجبت الجائزة عن أعمال لم تنل عناية حضراتهم لمجرد إنهم لا يعرفون كُتابها، ولم يُقدّم مؤلفوها، للجنة العبقرية التي تظن نفسها الممسكة بخناق الإبداع في بلدي، فروض الطاعة والولاء، أعرف أنني حاد، ولكن في مستقبل البلد لا مساومة، وإلى السادة القابعين في الجبلاية: أوشك أن يغطيكم التراب من فرط مواتكم، استيقظوا أو موتوا!!