بقلم : د.خالد منتصر | الثلاثاء ٢١ ابريل ٢٠١٥ -
١٦:
١٢ م +02:00 EET
د.خالد منتصر
فى خضم مناقشات ومناظرات ما يطلق عليه تجديد الخطاب الدينى تتردد دائماً فى وجه من يحاول أن يناقش رجال الدين عبارة «الدين علم زيه زى الطب والفيزيا والكيميا وزى ما بتروح للدكتور المتخصص تكشف على ابنك لازم تاخد دينك وتعرفه من الشيخ وبس» وأحياناً يخصص أكثر فيقول «ويا ريت المتخصص ده يكون خريج الأزهر»، وهنا تثار أكبر علامات الاستفهام التى ظلت قروناً وقروناً لا تمس حتى أصبحت من البديهيات والمسلمات والتابوهات التى من الممنوع والمحظور الاقتراب منها والتصوير واللمس أو حتى مجرد التفكير، هل الدين أو ما نسميه علوم الدين هى علم حقاً وتنتمى إلى عالم ومجال العلوم وتتبع آلياته وتخضع لطريقة نقده وإثباتاته وبراهينه؟
وهل ينتقص من قدر الدين أنه ليس علماً وبالعكس هل يرفع من شأنه وتزداد قداسته بكونه علماً أم أن للدين مجاله وللعلم مجاله المختلف، وأن هذا الاختلاف لا يعنى بالضرورة أن هذا أفضل من ذاك؟ نحتاج أولاً للإجابة عن هذا السؤال وحل تلك الإشكالية أن نعرف أولاً ما هو تعريف العلم؟ وهل مقارنة علم الحديث وعلم الرجال والجرح والتعديل بعلم الطب أو الفيزياء مقارنة صحيحة وفى محلها أم أن الأمر فيه توصيف خاطئ ومغالطة منطقية؟ وهل حتمية لجوء المريض إلى الطبيب المتخصص لعلاجه ووصف الدواء له هى نفس حتمية ذهاب المواطن إلى الشيخ أو الداعية أو الكاهن لمعرفة دينه ووصف الفتوى المناسبة له؟ وهل لابد أن يضع كل منا رأيه وعقله جانباً معطلاً لا يجادل شيخه ولا يحاول طرق أبواب جديدة لفهم الدين طبقاً لمتغيرات الزمن مثلما نعطله أثناء إجراء الجراحة التى لا يعرف تفاصيلها وتقنياتها إلا الجراح فقط؟ كل هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها وطرح النقاش حولها لأنه لن تحدث أى ثورة دينية أو فكرية أو حضارية عموماً إلا إذا ضبطنا المصطلحات التى نتحدث عنها، وإلا عشنا فى حوار الطرشان والعميان الذى نعيش فيه بامتياز منذ الفتنة الكبرى!.
الكثير منا مازال يخلط بين العلم بمعنى الـ science والمعرفة بمعنى الـ knowledge والفرق بينهما كبير، فتكديس المعلومات ليس هو العلم، ومعرفة كل معلومات الكلمات المتقاطعة وكتب المسابقات ليس هو العلم، ولكن العلم خاصة العلم التجريبى الذى يندرج تحته الطب والفيزياء والكيمياء... إلخ والذى دائماً يقارنه شيوخنا بعلوم الدين للتدليل على وجوب احتكاره، هذا العلم تعريفه ببساطة هو ما لخصه فيلسوف العلم «كارل بوبر» بقوله «العلم هو ما يقبل التكذيب»، يعنى العلم هو ما يقبل التفنيد والتحقق منه وفرزه ودحضه وتخطيئه، يعنى عندما أقول عبارة مثل «دمياط بقعة عزيزة محببة إلى نفسى»، هذه عبارة غير علمية أو لا تنتمى إلى العلم بصلة فكيف سأثبت أو أكذب أو أفند هذا الحب أو أقيس هذا الغرام! أما عندما أقول لك «دمياط أرض فيها بترول»، حينها سنذهب أنا وأنت بالمجسات وآلات الحفر ونقف أمام هذا التحدى العلمى، إما أن أكون أنا على صواب أو على خطأ بالإثبات والأدلة، هنا أمكنك تكذيبى وتفنيد رأيى، وكذلك عندما تخبرنى بأن من يقول سبحان الله ثلاثين مرة هو أفضل ممن يرددها مرة واحدة سأقول لك لا أستطيع تكذيبك ولذلك ليس ما تقوله كلاماً علمياً لكن مادامت هذه قناعة تريحك نفسياً فلتكن وعلى الرحب والسعة، ولكن أرجوك لا تطلق على هذه العبارة كلمة science، العلم ملاحظة واستنتاج وتجربة وتأكد من النتائج وقياساتها ثم وضع نظرية تثبتها الحقائق كل يوم، وإن لم تثبتها فيجب تعديلها أو تغييرها أو تركها نهائياً لتفسير آخر ومحاولات أخرى... وهكذا.
بالطبع سينفعل البعض معترضاً بالقول «يعنى بعد كل المجهود الرهيب اللى عمله العلماء القدامى وعلى رأسهم البخارى جاى تقول إن ده مش علم، أمال ده نسميه إيه؟!»، الإجابة غداً إن شاء الله.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع