الأقباط متحدون - الفارق بين جاد وإرشاد
أخر تحديث ٠٢:٠١ | الاثنين ٢٠ ابريل ٢٠١٥ | ١٢برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٣٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الفارق بين جاد وإرشاد

بقلم منير بشاى
جاد وإرشاد شابان لم يتجاوزا العشرينات من العمر يجمعهما الاتفاق على رفض داعش والرغبة فى عمل شىء لتعريف الناس بتلك الجماعة الارهابية.  لكن بين جاد وإرشاد فوارق كثيرة.  وهى امور تتعلق بخلفيتهما الاثنية والدينية، والمكان الذى يعيشان فيه، ومدى تقبل البيئة المحيطة لكل منهما، والحالة المأسوية التى يعانى منها احدهما فى مقابل التكريم الكبير الذى يتمتع به الآخر.  وفى قصتى جاد وارشاد عبر لمن يعتبر.  دعنا نستعرض بعض ملامحها.
 
جاد قبطى من قرية الناصرية مركز بنى مزار محافظة المنيا.  وهو شاب حديث التخرج يبلغ من العمر 22 عاما ويعمل مدرسا للغة الانجليزية بالمدارس الاعدادية.
 
وجد جاد نفسه بين يوم وليلة هدفا للتحقيق من النيابة التى امرت بحبسه بعد اتهامه بعمل مقطع من فيديو طوله 20 ثانية لأربعة طلاب مسيحيين اعمار ثلاثة منهم 15 عاما والرابع 16 عاما.  فى التسجيل كانوا يسخرون من سلوكيات جماعة داعش الذين يتظاهرون بالتدين ولكنهم لا يتورعون عن قتل وذبح وحرق ضحاياهم.  ولكن الشريط تم اعتباره اساءة للاسلام والسخرية من صلاة المسلمين.

 هذا مع ان السياق واضح وهو نقد داعش وكشف ريائهم وواضح ان الهدف لم يكن توزيع الشريط او نشره بين الناس، بل ان من نشره هم مسلوا القرية.  وكان التسجيل على كارت ميمورى لتليفون المدرس القبطى جاد وقد فقدها ثم وجدها احد افراد القرية فقام بنشرها وقامت القيامة.
 
نتيجة لذلك قام مسلمو القرية بالعقاب الجماعى لسكان قرية الناصرية من الاقباط بحرق منازلهم عن طريق القاء زجاجات المولوتوف عليها بينما السكان الاقباط كانوا ما يزالوا داخلها.  يحدث هذا امام صمت قوات الامن ورغم نداءات الاستغاثة من الاقباط.
 
والآن يعيش سكان القرية من الاقباط فى رعب، وحتى التلاميذ لا يأمنوا الذهاب للمدارس.  وعندما ذهب بعضهم للمدرسة تم تهديدهم بالقتل فأمرت مديرية التعليم بصرف الطلاب المسيحيين للعودة الى منازلهم.  ويواجه هؤلاء التلاميذ موقفا حرجا خاصة فى هذه الأيام حيث يقترب نهاية العام الدراسى والتحضير للامتحانات النهائية.
 
وكما يحدث دائما وحتى قبل ان ينظر القضاء فى الأمر ويصدر حكمه قام الغوغاء باصدار مطالبهم ضد الأسر الخمسة التى ينتمى لها هؤلاء التلاميذ وهى تهجيرهم من القرية كشرط لعودة الهدوء بالقرية.
 
وفى 17 ابريل تم عقد جلسة عرفية بقرية الناصرية بحضور القيادات الأمنية والتنفيذية والدينية وقضت الجلسة بتهجير المدرس القبطى خارج القرية بعد صدور حكم القضاء، وحتى لو كان الحكم بالبراءة.
 
المصير النهائى لجاد غير معروف.  والفديو الذى لم يزد عن 20 ثانية والذى كان القصد منه انتقاد داعش تحوّل الى دليل ضده على ازدراء الاسلام.  والحكم فى مثل هذه القضايا يتوقف على القاضى الذى يمكن ان يخرج عن نص القانون ويطبق احكام الشريعة التى تختلف فيما بينها طبقا لرأى الفقهاء والتى تتراوح بين البراءة او السجن وقد تصل الى الاعدام.  ولكن قبل صدور حكم القضاء فالعقوبة قد صدرت ضد جاد بمقتضى الجلسة العرفية وهو التهجير من مسقط رأسه الى الابد.
 
أما إرشاد فهو شاب مسلم من اصل باكستانى مولود فى لندن بانجلترا ويعيش فيها.  يعمل ارشاد كوميدى ناشىء ويبلغ من العمر 29 عاما.  ويحصل ارشاد على حفاوة رجال الشرطة البريطانية اذ يعتبر عضوا هاما من جهاز مقاومة داعش ويوظفوه لتعريف تلاميذ المدارس بخطورة داعش والدعوة الى رفض التطرف الدينى بصفة عامة.
 
ما يعمله ارشاد هو علاج الحساسيات الموجودة التى اوجدت شرخا فى المجتمع الانجليزى فى تعامله مع الاقلية المسلمة مستخدما سلاح الفكاهة.  فى احد اجتماعاته باحدى المدارس طلب ارشاد من التلاميذ المسلمين ان يرفعوا ايديهم فرفع نحو ثلث الحضور ايديهم.  فقال ضاحكا: "الآن نحن نستطيع ان نستولى على البلد- الشريعة الاسلامية فى الطريق!" ثم اضاف بسرعة انه كان يمزح.  

وكان ارشاد يسخر من المخاوف التى تساور بعض الانجليز من المسلمين بانها مبالغ فيها ومنها انهم ينوون تطبيق الشريعة الاسلامية على الجميع.  ومرة طلبت تلميذة ان تعانقه فبعد العناق قال لها مداعبا "انت سرقتى حافظة نقودى" فى اشارة ساخرة الى ما هو متداول بين الناس من ان المسلمين اقل امانة من غيرهم.  ولكن السخرية لم يترجمها احد على انها ازدراء بهذا او ذاك بل وسيلة لعلاج الازدراء.
 
ارشاد يقوم بخدمة عظيمة لجاليته اذ يصحح الكثير من المفاهيم التى تنسب لهم عن طريق الضحك عليها والسخرية منها.  ولكن ارشاد وجد نفسه يقوم بخدمة رائعة لانجلترا البلد الذى ينتمى له.  والمعروف ان داعش تجذب الشباب المسلم من الذكور والاناث من الانجليز ويقدر عدد الذين غادروا انجلترا الى تركيا ومنها الى الاراضى التى تسيطر عليها داعش فى سوريا والعراق بحوالى 600 فردا.
 
عاملا هاما لنجاح ارشاد فى الوصول الى عقول وقلوب التلاميذ ان رسالته شخصية ومخلصة وواضحة فهو يتكلم عن مشكلات عانى منها هو شخصيا وايضا يعانى منها الكثيرون من جمهوره مستخدما الفكاهة بدلا من الاحتجاج الغاضب العنيف كما كان يحدث قبلا.
 
قصة ارشاد بدأت عندما شاهد رجال الشرطة الانجليزية شرائط اليوتوب التى سجلها ارشاد عن مواقف مجتمعية تناولها بالسخرية الضاحكة والتى كانت تنتهى دائما برسالة ايجابية.  وقد رأى جهاز الشرطة ان يضم ارشاد الى صفوفه ليكون داعية للسلام والتصالح بين المجتمع والجالية المسلمة.
 
شىء خطر بذهنى... ماذا يحدث لو عملنا ابدال بين جاد وارشاد؟  ماذا لو كان جاد الشاب القبطى يعيش ويعمل ما عمله فى لندن؟ وماذا لو كان إرشاد الشاب الباكستانى يعيش ويعمل ما عمله فى بنى مزار بالمنيا؟ هل كنا سنرى كلا منهما يختبر نفس النتيجة التى يعيشها اليوم؟ 
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter