• كل الذي شاهدته كان فيلم أو بمعنى أخر "حلم"
• كنت واحدًا من مجموعة كانتين الكتيبة 26، ولن أدعي البطولة لكن كان النسيج واحدًا
• كتبت "الكتيبة 26" كنص سينمائي كي أهرب من أن أُصنف أديبًا وأُقارن بأدباء عظام
على بدرخان: الأفلام موجودة والسوق موجود لكن المهم الفائدة الثقافية والفكرية والمعنوية للناس من قِبل هذه الأفلام
• إن السينما المستقلة هي الوسيلة المتاحة الوحيدة للخروج من هذه الأزمة التي نحن فيها
• إن المخرج له رؤيته الخاصة وأدواته وأفضلها الممثل
كتب: جوزيف فكري– خاص الأقباط متحدون
إن الممثل هو المبدع الثاني، أما المبدع الأول فهو الكاتب والمخرج.. فالممثل مجرد أداة للتوصيل؛ لذلك نقول عنه "المبدع الثاني".. رغبتي وتطلعي في قياس قامة المبدع الأول هو الذي أوصلني إلى أن أمسك القلم وأكتب وبقي بين يدي كتاب "الكتيبة 26".
هكذا بدأ الفنان "لطفي لبيب" حواره معنا، وأضاف: أتناول في هذا الكتاب مجموعة العساكر الذين كنت واحدًا منهم.. أنا لم أتكلم عن أمجاد ولم اتكلم عن بطولات، فالبطولات فرضت نفسها، لأننا كنا مجموعة من "كانتين" الكتيبة؛ نبيع السجائر والحلويات والعيش والطعمية في أثناء فترة السلم، وأتناول عمل هؤلاء في الحرب.
أبدأ كتابي من محطة "كوبري الليمون" في "باب الحديد" -ميدان رمسيس- والتي كان يقوم منها القطار الحربي المتجة للسويس يوم 24 أو 25 سبتمبر، تجميع قوات الاحتياط كلها، ويركبون القطار ويسافرون إلى كتائبهم في "عجرود"، والسيارات تقلهم بعد ذلك.
أنهي الفيلم على نفس القطار العائد من السويس بعد توقيع اتفاقية الفصل بين القوات في الكيلو 101، وكان القطار وسط حصار.. أنا لا أعتبره حصارًا ولو للحظة؛ لأننا كنا نستطيع أن نكسر هذا الحصار في ثواني، لكن وقف إطلاق النار فرض علينا يوم 24 تقييد للسلاح.
أنا أرى أن الفترة ما بين تجميع القوات في القطار في 25 حتى فترة نزول القوات من السويس، هي فترة الحرب الحقيقية، وهي الحرب الكاملة التي حدثت في 73، أما العبور وحده لم يكن هو الحرب، وتسلق الساتر الترابي لم يكن الحرب، واحتلال النقطة الجوية لم يكن أيضًا الحرب، فالحرب استمرت ودخلنا بعد ذلك على 24 محاولة اقتحام للسويس، وبداية.. شكل من أشكال الحصار، حتى توقيع اتفاقية الفصل بين القوات الكيلو 101.
وأنا كتبت عن شخصية الشيخ "عبد الفتاح صقر" فلا يمكن أن أنسى هذا الرجل المتفتح.
وأضاف "لطفي لبيب": من ضمن الأشياء التي فُرضت علي؛ أن اكتب هذه السينما –حيث أطلق على كتابه نص سينمائي- إن كنت أشاهد سينما.. عندما آتي في يوم من الأيام لأجد بقعة مضيئة متناثرة في الصحراء، حيث يتم إشعال إطارات السيارات المضروبة تحت تنكات البنزين الخاصة بهذه السيارات، وأملأ التنكات بمياه مالحة من القناة لتقطير مياه حلوة، فكان شكل الحفاظ على المياه شيئًا نموذجيًا، ونحن اليوم يجب أن نتعلم من الأول وجديد كيفية الحفاظ على المياه، كيف كنا نعمل هذا؟ وكيف تساقطت الأمطار فجأة؟ وكيف فُتحت الملاجئ؟ والعساكر انطلقوا فهناك مَنْ حفر حفرة في الأسفلت وجمع فيها المياه، وهناك مَنْ كان يجمع المياه بطرق أخرى.
اختلف الحال بعد الحرمان من المياه التي كنا نعيش عليها.. فهذا الشكل في العموم شكل سينما، وأنا كتبت هذا الموضوع في إطار سينمائي؛ لأن كل الذي شاهدته كان فيلمًا، أو بمعنى أخر "حلمًا".
ففد كنت واحدًا من مجموعة "كانتين 26"، ولن أدعي البطولة، لكن كان النسيج واحد.. الكتيبة 26 هي الكتيبة التي كنت مجندًا فيها، وحاربت فيها، وكنت على وشك أن أستشهد فيها، وضحك "لطفي لبيب" وقال: استشهدت فعلاً مرتين ومعي شهادة أنني استشهدت، وأُعطيت لي بناء على طلبي.
وأردف.. كتبت "الكتيبة 26" كنص سينمائي كي أهرب من أن أُصنف أديبًا وأُقارن بأدباء عظام، وأنا كل ما أسعى إليه هو قياس قامة أي أحد فيهم، وأنا أدين بالفضل الأول الذي غرس في حب الكتابة لـ "خيري شلبي" و"سيد حجاب".
وعلق الفنان "لطفي لبيب" على حرب أكتوبر قائلاًُ: حرب 73 –بأمانة- لم تأخذ حقها.. فالسويس، وكيفية استهدافها يوم 24.. والروح الجماعية الجميلة التي كنا نعيشها، فلا أحد كان يبحث عن الفردية، كنا كلنا متكاتفين، كلٌ منا يقدم الأخر وينسى نفسه، ومسألة الطائفية لم تكن واردة ولو للحظة.
ويتذكر.. العميد "أحمد حمدي" وهو مع رجاله يسيرون على الكوبري في الجيش الثالث، وفجأة تنزل دانة فيطير الكوبري لأعلى ثم ينزل راقدًا مستوي؛ سبحان الله؛ وفقدنا العميد "أحمد حمدي"، لكن كل شيئ كان جاهزًا ولم نتوقف، وأُطلق على أحد الأنفاق اسم الشهيد "أحمد حمدي".
كان عندما يُصاب جندي على الجبهة يقول "حد بسرعة ييجي ياخد مكاني"، هذا الوعي -وهو مصاب- لنا الحق لأن نفخر به، كانت هناك حالة جميلة من الالتفاف حول أن نحارب وأن ننتصر.. النصر غسل حزن النكسة، فهو نصر مدوي وساحق بكل المقاييس، فعلاً.. كان هناك نبض خاص وإيقاع خاص وروح مختلفة؛ ناس ناسية نفسها وتقدم الاخرين.
في 67 كان الضابط يقول تقدم.. في 78 قال اتبعنا.. فرق شاسع بين تقدم واتبعنا.. مواقف مؤثرة جدًا تستحق أن يُسلط عليها الضوء.
كما علق الفنان "لطفي لبيب" على الأفلام التسجيلية والقصيرة وقال: إنها تعاني من مشكلة الإنتاج والتوزيع والتسويق، وطالب نقابة السينمائيين بأن تفرض على المنتجين وغرفة صناعة السينما أن تذيع الأفلام التسجيلية والقصيرة وسط الأعمال الفنية الكبيرة التي تُعرض في دور العرض، من أجل تشجيع الشباب المبدع المحتاج لأن نقف معه.
واتفق المخرج الكبير "علي بدرخان" معه وقال: إن معاناة الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة هي معاناة حقيقية، أما هذه المعاناة فليست في مصر فقط، بل في العالم كله.. فقد انحصرت المادة التسجيلية والروائية القصيرة في بعض البرامج، ولكن هناك خلط بين الفيلم التسجيلي والحوارات.
إنني أرى أن الدولة "سحبت يدها"، ومؤسسات أو شركات احتكارية هي التي تدير، فأصبحت السينما وكذلك التوزيع الخاص بها وكل ما تريده هو الكسب فقط.
وعاد الحوار للفنان "لطفي لبيب" فقال: إن قضايا مصر الوطنية يجب أن تُطرح في السينما، والحكاية تحتاج إلى آلية للتفعيل.. فجهاز السينما بدلاً من أن ينتج أفلامًا تنافس أفلام السوق، أو تحاول أن تصل إلى قمتها، يجب ألا ينسى القضايا الوطنية الخاصة بالبلد.
ميزانية وزارة الثقافة التي صنعت 5أو 6 أفلام، كان من الممكن أن تكثف في عمل فيلم واحد فيه بطولة وطنية يمجد قواتنا المسلحة.. وقد يجد المنتج الخاص أن قضايا الوحدة الوطنية في مصر لا تحقق له عائدًا، أو يكون غير قادر على توزيعها؛ فيجب أن تتبناها وزارة الثقافة أو جهاز السينما أو أفلام التليفزيون.
وطالب المخرج "علي بدرخان": بأن تكون منحة أو دعم وزارة الثقافة بشروط في نوعية الأعمال المقدم علي إنتاجها، وقال: الأفلام موجودة والسوق موجود، لكن المهم الفائدة الثقافية والفكرية والمعنوية للناس من قبل هذه الأفلام.
إن السينما المستقلة هي الوسيلة الوحيدة المتاحة للخروج من هذه الأزمة التي نحن فيها، لكن لابد من وجود رؤية مختلفة وطرح مختلف ولغة سينمائية مختلفة، ووظيفة الإنتاج أن يرصد هذه اللغة وفكرها.. أنا عندي أفكار وأريد أن أعمل سينما، لازم أتعلم اللغة السينمائية التي أعبر بها.. لابد من التجمع وطرح التجارب ومناقشة الشكل السينمائي للسينما المستقلة، والبحث عن وسائل فنية أخرى للانتقاء والتعبير، ومراعاة أن أقدم فكر ورؤية جادة بإمكانيات بسيطة، وفي إعتقادي أن المخرج له رؤية خاصة يحاول ان ينقلها من خلال العمل السينمائي، وله أدواته –وأفضلها هو الممثل– من اجل عمق ووضوح الشخصية.
وعلق الفنان "لطفي لبيب" على الأفلام الكوميدية وقال: إن الأفلام الكوميدية دائمًا موجودة، ولكن هذه الايام بتمثل 75% من دخل السينما المصرية نتيجة حالة القتامة والكآبة التي يعيشها الناس؛ فتحتاج لضحكة تغسل همومها وتجعلها تنسى معاناتها.
فالفيلم الكوميدي يحقق إيرادات.. والآن بمصر يوجد مجتمعين؛ الأول مجتمعنا الرسمي، والمجتمع الثاني هامشي لا نعرف عنه شيئًا، لكن هو يعلم عننا كل شيئ، فهو مجتمع المناطق العشوائية، وهذا المجتمع يحتاج لمَنْ يدير أحاسيسه من قبل الإنتاج السينمائي؛ فمثلاً أفلام السبكي تنتج لسوق هذا المجتمع العشوائي، فنجد في العيد "أيظن" مثلاً، فأصبح للأسف هناك انقسام بين مجتمعين.
إنني أرى الآن الاهتمام بحواشي الفن أكثر، وليس الاهتمام بالفن وتسابق الفنان على حجرته قبل تسابقه على الدور، وكيفية كتابة اسمه وترتيبه بين الأسماء؛ رغم أنه لو طلع في أي وقت الناس ستعطي له حقه.. فالحكاية بقت فردية وفقدنا الروح الجماعية.
والفنان "لطفي لبيب" يتمنى أن يجسد شخصية "السلطان الأفضل"، وقال: السلطان الأفضل هو "بدر الجماني" في العهد الفاطمي، وكان لديه ولدين، ولما كبر في السن أوصى أن يتولى إبنه الثاني الحكم، وعندما سألوه: لماذا الإبن الثاني؟ قال لهم: هو الأفضل، فصار السلطان الأفضل الذي نقل مصر من العصر الفاطمي للعهد السلطاني –المماليك- الذي هو أسوأ.
هذا الحوار الشيق الجميل للفنان "لطفي لبيب"، والمخرج "علي بدرخان" كان من خلال ندوة أُقيمت في مكتبة بدرخان، وهي إحدى النشاطات التي بادر بها مخرجنا الكبير "علي بدرخان" بجانب الأنشطة الفنية والثقافية الأخرى التي خصص لها جزءًا من فيلته مساهمة منه في انتعاش الثقافة والفن، من خلال الندوات واللقاءات الفكرية والفنية والثقافية.
وأدار الندوة مشرفو الندوات بمكتبة بدرخان: "ماجد إبراهيم"، و "إيهاب عبد الحميد".