الأقباط متحدون - شِمُو
أخر تحديث ٠٤:٠٢ | الخميس ١٦ ابريل ٢٠١٥ | ٨برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٣٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

شِمُو

بقلم: ليديا يؤانس
إنها ليست دعوة للشّمْ!
إنها في الواقع دعوة للمصريين لكي يشمُو!
حيرتينا يعني نِشمْ ..  ولا  ..  ما نشِمِشْ!
إللي بيشمو أنواع كثيرة ولكن أسوأ الناس إللي معدومة عندهم حاسة الشم الإنساني!

بدأ المهرجان المصري،  هذا ليس تعصباً ولكنه بالفعل مصرياً،   ويقوم به المصريين في مناطق مختلفة علي أرض المحروسة،  كل يقوم بدورة لإحياء هذا المهرجان.

الطبيعة هي التي تقوم بالإعداد للمهرجان،  تدعو كل شخص للحضور والمشاركة والإستمتاع والفرح،  أنه بداية الربيع أجمل فصول السنة،  رحل الشتاء بقسوته وأمطارة وثلوجه وزعابيبه،  خرجت الكائنات من طور البيات الشتوي،  لتشم عبق الزهور،  ورائحة مياه البحار والأنهار الملفوحة بنسمات الهواء العليل،   تفتحت الزهور والنباتات لتعطي ثمارها،  لونت الكون بأشكالها المُختلفة المُبهجة المُلونة، الشمس تغازل كل حي بأشعتها الذهبية الدافئة،  كل الكائنات تسعي لأخذ لفحة من أكسير الشمس الشافي المُبهج،  الطيور تغرد وتتراقص في الهواء علي أغصان الأشجار مثل راقصي البالية.

مكان المهرجان ليس مكاناً واحداً،   ولكن أماكن مختلفة كل منها يعتبر مهرجان في حد ذاته،  قد يكون المكان حدائق أو جداول مياه أو شواطئ،  وقد يكون المكان مركب أوسفينة تحمل المدعويين للإحتفال علي سطح المياه.

المدعويين لهذا المهرجان، هو  كل من يتمتع بحس عالي للإبتهاج والفرح والمحبة الإنسانية،  المدعويين من كل المستويات الفقير قبل الغني والصغير قبل الكبير،  المهرجان مجاني، ليست هناك تذاكر للإشتراك ولكن كل مدعو  أو مجموعة متجانسة مع بعضها يخططون كيف يحتفلون طوال هذا اليوم البديع،  وماذا يأكلون؟  

اسم المهرجان "شِمُو"
أنه ليس دعوة للإدمان!   ولكنه دعوة لشم عبير الزهور والنباتات الشذية،  دعوة لشم رائحة الطبيعة الخلابة.

"شِمُو"   كلمة فرعونية مصرية قديمة  معناها شم جاءت من استخدام الأنف لشم الروائح،  وقد تعرض الأسم للتحريف علي مر العصور فأضيفت إليه كلمة "النسيم"  نسبة إلي الإستمتاع بالنسيم العليل،   حيث أن فصل الربيع يتميز بإعتدال الجو فأصبح اسم هذا المهرجان أو العيد يطلق عليه "شم النسيم."

هذا العيد يرجع تاريخة إلي ما يقرب من خمسة آلاف سنة،  أي نحو 2700 قبل الميلاد (أي قبل ميلاد المسيح)،  ويقال أن هذا العيد كان معروفاً في مدينة هليوبوليس "أون"
من الأشياء الطريفة أن الفراعنة كانوا يُقيمون إحتفالاً  رسمياً كبيراً،   فيما يعرف بالإنقلاب الربيعي،  حيث أنه في ذلك اليوم يتساوي فيه الليل مع النهار،  فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبل الغروب ليشاهدوا قرص الشمس وهو يغيب مُقترباً تدريجياً من قمة الهرم فيبدو للمُشاهدين وكأن الشمس تجلس فوق قمة الهرم،    وفي نفس اللحظة تخترق أشعة الشمس قمة الهرم،    فتظهر واجهة الهرم أمام المشاهدين،   وكأنها قد إنقسمت إلي قسمين.  

هذا العيد عند قدماء المصريين كان يرمز إلي بعث الحياة،  وكانوا يعتقدون أن بداية الربيع هو بدء الزمان أو بدأ خلق العالم.

"شِمُو" أو "شم النسيم" هو إحتفال يقام سنوياً في بداية فصل الربيع،   أنه ليس عيداً مسيحياً بالدرجة الأولي كما يعتقد البعض،    فالأعياد المسيحية هي التي ترتبط إرتباطاً مُباشراً بالسيد المسيح،  وإن كان المسيحيين المصريين أي الأقباط يحتفلون بهذا العيد في يوم الأثنين،  التالي لأحد عيد القيامة،   أنه عيد يرمز إلي أنه بعد القيامة سندخُل الفردوس،  أي أنه بسبب قيامة المسيح أصبح باب الفردوس مفتوحاً أماما المؤمنين،   وهذا ما قاله المسيح للص الذى آمن اليوم تكون معي في الفردوس،    في شم النسيم الناس يذهبون إلي الحدائق رمزاً إلي دخولهم الفردوس بسبب القيامة.

من أهم مظاهر الإحتفال بشم النسيم تناول نوعيات معينة من المأكولات كما كان يفعل الفراعنة حيث إرتبطت عندهم هذه المأكولات بالخصب والخلق والحياة،  ومازال المصريين (مسيحيين وغير مسيحيين) حتي الآن يتناولون نفس الأطعمة لما لها من رموز بالنسبة للشعائر المقدسة لدي القدماء وأيضاً المسيحيين.

إهتم القدماء بأكل البيض في شم النسيم فكانوا ينقشون علي البيض أُمنياتُهم ودعواتهم للعام الجديد،   كانوا يضعون البيض في سلال من سعف النخيل ويعلقونها في شرفات المنازل أو أغصان الشجر،   لكي تحظي بالبركات الإلهية والإستجابة السريعة لطلباتهم عندما يُشرق الله بنوره علي الكون.
أما المصريين الآن فيقومون بتلوين وزخرفة البيض بطرق بديعة تُدخل البهجة للنفوس،   وتفتح الشهية للأكل وخاصة الأطفال الصغار،  أما بالنسبة للمسيحيين البيضة شئ مغلق يخرج منه  كائن حي بدون تدخل بشري،   فالبيضة ترمز للقيامة،  حيث أن المسيح قام من بين الأموات بقوة نفسه حيث أنه الإله القادر علي كل شئ،  قام لكي يعطي حياة جديدة للعالم.

أكل الفسيخ والسمك المُملح من معالم هذا العيد،   وقد ظهر الإحتفال به في عهد الأسرة الفرعونية الخامسة مع بدء الإهتمام بتقديس نهر النيل،  بالنسبة للأقباط فهم يتناولون الفسيخ والسمك المُملح في شم النسيم،   حيث أن التاريخ الفعلي لهذا العيد يأتي في فترة الصوم المقدس الذي يسبق الإحتفال بعيد القيامة،  وفي فترة الصوم  يصومون عن كل المأكولات الحيوانية بما فيهم الأسماك،   ولذا بعد الإفطار من الصوم يتناولون الفسيخ والأسماك،  السمك بالنسبة للمسيحيين يرمز للعصر المسيحي الأول علي إعتبار أن الرسل كانوا صيادين سمك.
أيضاً بعد القيامة خرج التلاميذ لصيد السمك،   فظهر لهم يسوع وقال ألعل عندكم أداماً أجابوه لا .. فقال لهم ألقوا الشباك فصادوا سمكاً كثيراً،  ولما خرجوا من السفينة وجدوا جمراً موضوعاً وسمكاً موضوع عليه وخبزاَ وقال لهم يسوع هلموا تغدوا (راجع يوحنا 21).

الخس من المأكولات المفضلة في هذا العيد وكان يسمي بالهيروغليفية "عب"  وكان القدماء يعتبرونه من النباتات المقدسة فنقشوا صورته تحت قدمي إله التناسل عندهم،  هذا جعل علماء السويد في العصر الحديث يبحثون ويدرسون فوائد الخس،  فثبت لهم أن هناك علاقة وثيقة بين الخس والخصوبة لإحتوائه علي فيتامين (ه) بالإضافة إلي بعض هرمونات التناسل،  وأكتشفوا أيضاً أن زيت الخس يزيد من القوة الجنسية.

حرص القدماء والمصريين الآن علي تناول البصل في هذه المناسبة،  حيث إرتبط عندهم بإرادة الحياة والتغلب علي المرض وقهر الموت،   فكانوا يضعونه حول رقابهم،   وتحت الوسائد،   ويعلقونه في شرفات المنازل. 

أيضاً يأكلون نبات الحمص الأخضر وهو ما يعرف عند المصريين بإسم "الملانة" وكان القدماء يعتقدون أن نضوج ثمرة الحمص وإمتلائها إشارة إلي قدوم الربيع.

أحبائي .. الله ليس كئيباً بل هو الفرح ذاته، أنه يريد أن كل الناس تفرح وتسعد بما يقدمه لهم من خيرات،  أنه  يريد من البشر أن يُمجدوه ويُسبحوه علي كل شئ جميل ومبهج في حياتهم من خلال الأعياد.
فطوبي لمن يحتفلون ويبتهجون بعيد شم النسيم،   ذوي العقول المستنيرة،   ذوي الحس الإنساني الراقي،   ذوي القلوب المُحبة لله وللناس.
وياحسرة علي الناس إللي معدومة عندهم حاسة الشم الإنساني،   ذوي العقول المُظلمة،   الذين يُكفرون كل شئ جميل خلقه الله،     الذين يبُثون أفكارهُم العفنه،   ويزرعون الكُره والبُغضه بين الناس بسبب فتاواهم المريضة!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter