"هويدا حافظ" ورحلتها مع السرطان: تعلمت أن انتظار الموت ليس هو الحل، فقررت أن أعيش حياتى مستفيدة من كل دقيقة تمر بي.
· استطاع المرض أن يكشف لي بعض الشخصيات الخبيثة لأكتشف وجود أفراد أشد خُبثاً من المرض.
· شعرت بلحظة يأس بسيطة لم أقف عندها كثيرًا، فقد تماسكت من أجل أبنائي؛ حمايةً لهم من الشعور بالخوف.
· أعظم المشاكل التي يعاني منها العلاج في "مصر" سوء الإدارة...ومؤسساتنا العلاجية تعاني من فقر شديد في مبدأ الثواب والعقاب.
حوار: سحر غريب - خاص الأقباط متحدون
لم يُكبّلها المرض ويرقدها في سريرها، بل علي العكس تمامًا، فقد شعرت بأن الحظ والنجاح بدأ يدق علي بابها، وكأنه تعويض من خالقها عن معاناتها مع المرض الخبيث.
إنها "هويدا حافظ" الكاتبة والأديبة التي شاركت القراء تجربتها مع المرض الذي لا يرحم في كتابها "الرحلة 811 رحلتي مع السرطان"، وذلك حتى يكون الكتاب عونًا نفسيًا لمن داهمهم المرض، ويساعدهم علي مقاومته، كما يدعوهم الكتاب إلى عدم اليأس من قدرة الله على الشفاء؛ وهو الأمر الذي حدث مع الكاتبة الصحفية "هويدا حافظ" التي لم تيأس أو تستسلم للمرض، رغم رحلته الطويلة المؤلمة؟
هاجمها المرض مرة وهزمته، لم يتركها، أعاد هجومه مرة أخري واستطاعت هزيمته، هي امرأة حملت هماً ثقيلاً، ولكنها حافظت علي حالة الرضا والسعادة داخل قلبها، بل إنها نشرت حالة من التفاؤل بين مرضي السرطان، فالسرطان ليس نهاية طريق بل هو بداية جديدة استطاعت الإستفادة منها.
وللتعرف أكثر عن رحلة "هويدا حافظ" مع المرض، وكيف استطاعت التغلب على الأزمة والإستفادة منها، أجرينا معها الحوار التالي:
* علمنا أن والدتك كانت مريضة بمرض السرطان...فهل اختلف رد فعلك تجاه المرض كأهل للمريض، عن رد فعلك تجاهه كمريضة؟
عندما أصيبت والدتى بالمرض وهي في عُمر (61) عامًا، والذي تسبب في اجراء عملية فورية لإستئصال الثدي لها، لم تتحمل أمي توغل السرطان في خلايا الجسد فماتت بعد أربع سنوات من المُعاناة؛ لتنتهي معاناتها، وتبدأ معاناتنا من فراق أمنا الحنون، مع آلام التخوف من المستقبل بعد علمنا بأن المرض الخبيث حط رحاله في هذه العائلة.
وأثناء مرض أمي توقفت الحياة، فشعورنا بالشفقة والحسرة أمام ألمها الصامت، كان لا يُحتمل، لدرجة أنني عقدت العزم أنا وأختي ألا نتلقيا العلاج في حالة أصابتنا بالمرض، وألا نقاومه، بل نستسلم له، مادام الموت هو النهاية الحتمية لعذابات المرض، ولم نكد نخرج من تبعات موت والدتي حتي مات والدي، مخلفًا فراغًا كبيرًا، وتزامن في هذا الوقت شعوري بأول ألم يغزو صدري، لأكتشف إصابتي بنفس ما أصاب والدتي، وقررت نقض اتفاقي مع أختي بعدم العلاج، وبدأت رحلة العلاج.
عند إصابتي بالسرطان، أحسست أن هذا تمييز من ربنا لا يستدعى الإنهيار؛ فقد بدأ بالفعل تأريخ جديد لحياتي، فقد تعلمت أن انتظار الموت ليس هو الحل، والسرطان ما هو إلا أحد مُسببات المرض، فقررت أن أعيش حياتي مستفيدة من كل دقيقة تمر بي فليس مُهمًا سنوات العُمر وعددها، الأهم هو مدي الإستفادة منها، وقد ميزني الله بقلم وورقة، ومجموعة من الأحاسيس قررت الإستفادة منها.
* كيف تعاملت الأسرة مع مرضك وألمك؟
لقد شعرت بمدي الترابط الأسري الذي أحظي به بين أشقائي، فقد تربينا علي معاني الحب والإيثار والعطاء، كما وجدت مساندة من رئيستي في العمل- مدام "ليلي"- وهي مسيحية، والتي كانت تسميني بابنتي التي تلبس المصحف، لتؤكد دون شعارات جوفاء، بأن العلاقات الإنسانية الصادقة لا تتوقف عند اختلاف الأديان، والتي تعتبر نموذج طيب للكثير من العلاقات الطيبة التي تجمعني بالأصدقاء المسيحيين، فأنا خريجة مدارس راهبات، وفي المقابل استطاع المرض أن يكشف لي بعض الشخصيات الخبيثة لأكتشف وجود أفراد أشد خُبثاً من المرض، وقد وجهت لهم شكرًا بين صفحات الكتاب، شكرًا للذين رموا الأشواك في طريقي وأنا حافية القدمين، شكراً لأنكم تسببتم في تخفيف حمولتي.
* عاد المرض ليهاجم الثدي بعد علاجه في المرة الأولي...كيف تقبلتي خبر اصابتك بهذا المرض الخطير أول مرة، وكيف تقبلتي خبر الإصابة مرة أخري؟
ثاني مرة شعرت بلحظة يأس بسيطة لم أقف عندها كثيرًا، فقد تماسكت من أجل أبنائي؛ حمايةً لهم من الشعور بالخوف.
* ما هو شعورك كأنثي استأصلت جزءًا من أنوثتها؟
الحمد لله، لم يداهمني بالمرة إحساس بالنقص بعد الإستئصال، فقد أخذوا قطعة من جسدي ولكن روحي باقية، فالمرأة ليست جسدًا، فالجسد يتحول ويتغير بالشيخوخة والمرض، ولكن الفكر والروح ثابتين.
* هل صادفتك تجارب مؤلمة لمرضي آخرين أثناء رحلة العلاج، أو بعد الشفاء؟
أقسي تجربة صادفتها هي تجربة أمي مع المرض.
* هل تعاملتِ مع طبيب نفسي لعلاج الشروخ النفسية التي يسببها مرض السرطان وعلاجاته الكيماوية والإشعاعية؟
لم أتعامل مع طبيب نفسي، فقد تجاوزت المرض سريعًا، واتجهت بكليتي إلي مستقبلي الأدبي في مجال الكتابة، فأنا أشعر بتصالح مع نفسي، وكثيرًا ما أنسي كوني فقدت جزءًا من أنوثتي.
* ما هو رأيك في مستشفيات علاج الأورام في "مصر"؟
لقد تعالجت في "مصر"، ولم أسافر للخارج طلبًا للعلاج، ففي "مصر" يوجد أفضل الأطباء مع ضعف في الإمكانيات والتخبط، ولا ننسي أن أطباء مصريين أثبتوا نجاحهم في الخارج، سواء علي المستوي العربي أو العالمي، أطباء "مصر" لسة بخير.
أما أعظم المشاكل التي يعاني منها العلاج في "مصر" فهو سوء الإدارة، فالإدارة الجيدة كفيلة بتحويل الفشل إلي نجاح، كما أن مؤسساتنا العلاجية تعاني من فقر شديد في مبدأ الثواب والعقاب.
* لماذا اخترتِ مشاركة تجربتك مع الآخرين؟
لقد اخترت مشاركة الآخرين مع تجربتي؛ حتى تكون عونًا لمن داهمهم المرض، ويُمكّنهم من مقاومته، كما يدعوهم إلى عدم اليأس من قدرة الله على الشفاء؛ الأمر الذي حدث معي، فأنا لم أيأس ولم أستسلم، كما إنني لم أكتفي بالكتاب فقط، بل حصلت علي تدريب كناشط إقليمي في مجال المساندة النفسية للمرضى، وأقوم بإعطاء محاضرات عن تجربتي، في محاولة مني لإضاءة شمعة في قلوب اليائسين.
* اسم الكتاب هو "الرحلة 811 " لماذا اخترتي هذا العنوان ليعبر عن مُحتوي الكتاب؟
811 هو رقم رحلة الطائرة التي استقليتها للتوجه إلي "أمريكا" لكي أشارك في سباق للجري من أجل الشفاء، والذي أقامته واحدة من أكبر مؤسسات الثدي في العالم (سوزان جي كومن)، ولقد تشرفتُ بتمثيل مصر فيها، وللمصادفة الغريبة فإن رقم (811) كان رقم غرفتي التي كنت أتلقي فيها العلاج أثناء اصابتي بالمرض، فاصبح الرقم (811) مصاحبًا للأمل والحياة، بعد أن كان مصاحبًا للألم والمُعاناة.
* هل كتبتِ كتبًا أخري؟
لدي (31) كتاب للطفل، وكل كتاب يحمل عنوان مختلف، وهي عن حقوق الإنسان للأطفال، والمعاهدات الدولية، والقوانين المصرية.
كما صدر لي أيضًا قصة "حقك علينا" من هيئة الإستعلامات المصرية، وهي عن الحقوق وما يقابلها من واجبات، و"معروف وشجرة الحروف" عن الشجرة التي تعلم الطفل الأخلاقيات بالحروف الأبجدية، وصدر لي هذا الأسبوع سلسلة "حاجات بتتكلم"، وهم عبارة عن (12) قصة للأطفال، صادرة من هيئة الإستعلامات.
كما إنها طُبعت علي بوسترز؛ ليقرأها الأطفال في أماكن التجمعات. كما أقوم الآن بحكيها بصوتي علي سي دي يُوزع معها، كما صدر لي قصتان هذا الأسبوع أيضًا تحت عنوان "شادي والـ 42 لأ وسر الحجر المخطوف"، وهي مغامرات في أرض الفراعنة لإعادة تصحيح بعض المعلومات التاريخية المغلوطة، وتحبيب الأطفال في تاريخنا. وسيصدر لي الأسبوع القادم قصة "طول عمرنا مع بعضنا" عن العلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين، وكيف أن نقطة الدم تجمعنا، وكل هذا صادر من هيئة الإستعلامات، في إطار مهرجان "القراءة للجميع".