بقلم /ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم الأحد الموافق 12 أبريل بتذكار عيد القيامة المجيد ؛ ولهذا العيد خصوصية هامة عند الأقباط فهو العيد الوحيد الذي يستمر الاحتفال به مستمرا لمدة خمسون يوما متصلة ؛ وخلال هذه الفترة تمنع الأصوام نهائيا ؛ كما تمنع جميع الألحان والطقوس الجنائزية ؛ فإذا تصادف وفاة أحد المؤمنين خلال هذه الفترة ؛ فإنه يزف بألحان الفرح الخاصة بعيد القيامة ؛ فلايليق الحزن والحداد والكنيسة تحتفل بتذكار قيامة السيد المسيح ؛ وعيد القيامة يسبقه أسبوع يعرف في الطقس القبطي بأسبوع الآلام ؛ وفي اللغة الانجليزية يعرف بالأسبوع المقدس Holy Weak . تقام فيه الصلوات والأصوام الطويلة حتي المساء ؛ ولقد ذكر المؤرخ المعروف تقي الدين المقريزي عيد القيامة تحت أسم "عيد الفصح " في موسوعته فقال عنه (هذا العيد عندهم ؛هو العيد الكبير .ويزعمون أن السيد المسيح عليه السلام ؛لما تمالأ اليهود عليه ؛واجتمعوا علي تضليله وقتله ؛ وقبضوا عليه ؛واحضروه إلي خشبة ليصلب عليها ؛فصلب علي خشبة عليها لصان ....... قالوا : واقتسم الجند ثيابه .وغشي الأرض ظلمة من الساعة السادسة من النهار إلي الساعة التاسعة من يوم الجمعة ؛خامس عشر هلال نيسان للعبرانيين .وتاسع عشر برمهات .وخامس عشر آذار سنة ...... ودفن آخر النهار بقبر ؛وأطبق عليه حجر عظيم ؛وختم عليه رؤساء اليهود وأقاموا عليه الحرس باكر يوم السبت ؛كيلا يسرق .فزعموا أن المقبور قام من القبر ليلة الأحد سحرا ؛ ومضي بطرس ويوحنا التلميذان إلي القبر ؛وإذ الثياب التي كانت علي المقبور بغير ميت ؛ وعلي القبر ملاك الله ؛بثياب بيض ؛فأخبرهما بقيام المقبور من القبر .قالوا : وفي عشية يوم الأحد هذا ؛ دخل المسيح علي تلاميذه وسلم عليهم ؛وأكل معهم ؛وأوصاهم ؛ وأمرهم بأمور قد تضمنها إنجيلهم . وهذا العيد عندهم بعد عيد الصلبوت "ما يقابل الجمعة الكبيرة حاليا " بثلاثة أيام). كما كتب في نفس الموسوعة عن خميس العهد ؛فقال عنه ( ويعمل قبل الفصح بثلاثة أيام ؛وسنتهم فيه أن يملئوا إناء من ماء ويزمزون عليه ؛ ثم يغسل للتبرك به أرجل سائر النصاري .ويزعمون أن المسيح فعل هذا بتلامذته في مثل هذا اليوم ؛كي يعلمهم التواضع ؛ ثم اخذ عليهم العهد إلا يتفرقوا ؛ وان يتواضع بعضهم لبعض ..... وعوام أهل مصر في وقتنا يقولون "خميس العهد " من أجل ان النصاري تطبخ فيه العدس المصفي . ويقول اهل الشام "خميس الأرز " ويقول أهل الأندلس "خميس أبريل " . وكان في الدولة الفاطمية تضرب في خميس العدس هذا خمسائة دينار ؛فتعمل خراريب ؛تفرق في أهل الدولة برسوم مفردة . وأدركنا "خميس العدس" هذا في القاهرة ؛ومصر ؛ وأعمالها من جملة المواسم العظيمة . فيباع في أسواق القاهرة من البيض المصبوغ عدة ألوان ؛ ما يتجاوز حد الكثرة ؛ فيقامر به العبيد ؛والصبيان ؛ والغوغاء . وينتدب لذلك من يردعهم من جهة المحتسب من يردعهم في بعض الأحيان . ويهادي النصاري بعضهم بعضا ؛ويهدون إلي المسلمين أنواع السمك المنوع ؛ مع العدس المصفي . والبيض ) . أما عن سبت النور فلقد كتب يقول ( وهو قبل الفصح بيوم ..... يزعمون أن النور يظهر علي قبر المسيح في هذا اليوم ؛بكنيسة القيامة من القدس . فتشعل مصابيح الكنيسة كلها ) . كما ذكره الرحالة الفرنسي فانسليب ( 1635- 1679 ) في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 " فقال عنه ( يحتفلون أيضا بإكرام كبير ؛بثمانية الآلام كلها ؛من آلام سيدنا ؛ وهو زمن ندعوه نحن الأسبوع المقدس ؛وبعدها يحتفلون بثمانية القيامة ).
ومن أشهر الحوادث التاريخية المرتبطية بعيد القيامة هو تسليم حصن بابليون لعمرو بن العاص في 9 |أبريل 641م ؛كما ذكر ذلك يوحنا النقيوسي في كتابه "تاريخ مصر والعالم القديم "في الفصل 115 حيث قال (وبهذا تسلم العرب حصن بابلبون في اليوم الثاني من عيد القيامة ).
أيضا من الحوادث التاريخية الهامة التي حدثت خلال فترة أسبوع الآلام وعيد القيامة ؛ تم عمل الميرون المقدس في عصر البابا ثيؤدوسيوس الثاني البطريرك ال 79 من بطاركة الكنيسة القبطية (1239- 1300 ) في كنيسة القديس مرقوريوس أبو سيفين بمصر القديمة ؛وكان ذلك خلال عام 1299م ؛حيث بدأ يوم الأثنين 18 برمودة 1015 ش ؛وأتم طبخه يوم خميس العهد الموافق 21 برمودة ؛وشارك في عمل الميرون المقدس سبعة أساقفة من الوجه القبلي هم :-
1- الأنبا بطرس أسقف الواحات 2- الأنبا مرقس أسقف الخصوص
3-الأنبا يؤانس أسقف شطب وطحا المدينة 4- الأنبا يؤانس أسقف مدينة الفيوم
5- الانبا مرقس أسقف الجيزة وأوسيم 6- الأنبا يؤانس أسقف مدينة البهنسا
7- الأنبا بطرس أسقف كرسي القيس وأهناسيا وأطفيح الشرقية
كما حضر خمسة من أساقفة الوجه البحري هم :-
1- الأنبا بطرس أسقف شننتا وسندوب 2- الأنبا يؤانس أسقف منوف العليا
3-الأنبا مرقس أسقف سنباط والبرمون 4- الانبا يؤانس أسقف لقانة ودمنهور
5- الأنبا مرقس أسقف صندفا والبنوانين
وفي عصر البابا يؤانس الثامن البطريرك ال 80 (1301- 1320 م ) قام بعمل الميرون المقدس مرة أخري في يوم الأثنين 17 برمودة 1012 ش (حوالي 1305 م ) ؛في دير القديس أبو مقار ببرية شيهيت (وادي النطرون ) وكان حاضرا معه في عمل الميرون 18 أسقفا هم :-
1- الانبا بطرس أسقف سمنود
2- الانبا مرقس أسقف بساط
3- الانبا بطرس أسقف الأشمونين
4- الانبا مرقس أسقف منية بوفيس والخصوص
5- الأنبا بطرس أسقف اهناسية
6- الأنبا يؤانس أسقف شطب
7- الانبا يؤانس أسقف الفيوم
8- الانبا مينا أسقف قوص
9- الانبا مرقس أسقف صندفة
10- الانبا مرقس أسقف قسقام
11- الانبا يؤانس أسقف أبيار
12- الانبا مرقس أسقف المحلة
13- الانبا صموئيل أسقف منوف
14- الانبا ساويرس أسقف أسيوط
15- الانبا ابرآم أسقف مليج واتريب
16- الانبا بطرس أسقف طحا
17- الانبا مرقس أسقف ابوتيج
18- الانبا بطرس أسقف أخميم
أيضا من الحوادث التاريخية المرتبطة بعيد القيامة ما جاء في سيرة البابا يؤانس السادس عشر البطريرك ال 103 ( 1676- 1718 م) والشهير بالطوخي ؛ حيث يذكر عنه تاريخ البطاركة أنه قام بزيارة دير الانبا انطونيوس بالبحر الأحمر في يوم جمعة ختام الصوم الموافق 20 برمودة 1414ش( 1698 م تقريبا ؛وكان في صحبته القس يوحنا البتول خادم بيعة السيدة بحارة الروم ؛والأرخن المبجل المعلم جرجس أبو منصور الطوخي وتلاميذ البابا ؛وأقاموا هناك لغاية أسبوع العيد العظيم (عيد القيامة المجيد ) ورجعوا إلي مصر بسلام من الرب .
ومن القصص الجميلة المرتبطة بعيد القيامة تلك القصة التي حدثت مع المعلم إبراهيم الجوهري (؟- 1796م ) أنه عندما رجع إلي بيته بعد صلاة قداس عيد القيامة وجد زوجته قد أطفأت الأنوار ؛ وعندما سالها عن السبب ؛أجابت كيف نحتفل بعيد القيامة وجارنا مسجون ظلما ؛ وزوجته وأولاده لا يجدون القوت الضروري . فسعي إلي السلطات لكي يتم الإفراج عنه ؛ ثم ذهب وأستحضر الرجل وزجته وأستضافهم عنده ؛ فأضيئت الأنوار وتم الاحتفال بعيد القيامة . والشيء الجميل المؤثر أنه عندما أحضر له عملا ؛قال للمعلم إبراهيم أن هناك من هو أولي منه بالوظيفة لأنه أكثر احتياجا ؛ ففرح المعلم إبراهيم بهذه المحبة الفعالة ؛ وسعي إلي إيجاد فرصة عمل للأثنين معا .
ونختتم المقال بهذه القصة التي حدثت في عهد إبراهيم باشا الكبير (1789- 1848 ) وكان وقتها حاكما للقدس ؛ حيث أنكر حقيقة النور المقدس الذي يظهر في كل سنة من القبر يوم سبت النور ؛ فأرسل في طلب بطريرك الأقباط البابا بطرس السابع (1809- 1852 ) البابا 109 ؛ فذهب إلي القدس وهو لا يعلم سبب استدعائه ؛فلما حضر سأله الباشا أتعلم يابابا لماذا أستقدمتك؟ فأجاب البابا لا ؛ فقال له الباشا لكي يفيض النور علي يدك .؛ فرد البابا عليه وقال : أن النور سيفيض علي يدك أنت يا أفندينا . وأمر أن يحتشد العسكر علي باب القبر ؛ثم دخل بطريرك الروم الارثوذكس مع البابا بطرس إلي داخل القبر المقدس ؛ وباشرا الصلاة ؛ وعندئذ خرج النور من القبر ووصل إلي خارج الكنيسة حتي شق النور أحد الأعمدة عند الباب الغربي للكنيسة ؛فأرتعب إبراهيم باشا وأخذ يردد باللغة التركية ( أمان بابا ) أي (أمنت يابابا) ومازال العمود المشقوق بالنور موجودا حتي يومنا هذا عند الباب الغربي خارج كنيسة القيامة ؛ وبه الشق وآثار النور المشتعل بالنار محفورة ومغطاة بلون أسود هو لون الحريق بالنار .