بقلم : إبراهيم البحراوي | الثلاثاء ٧ ابريل ٢٠١٥ -
٥٧:
٠٢ م +02:00 EET
إبراهيم البحراوي
لابد من الاعتراف بأن فصل المواجهة بين أوباما ونتنياهو حول القضية الفلسطينية من جانب وحول الملف النووى الإيرانى من جانب آخر ليس وليد اليوم. الإشارة إلى هذا ضرورة حتى لا يقع بعض المراقبين فى خطأ، مفاده أن المواجهة هى بين التيار اليمينى المتشدد فى إسرائيل بقيادة ليكود وبين الرئيس الأمريكى، وذلك أن الفصل الأول من هذه المواجهة حدث منذ حوالى ستين عاماً، وبالتحديد عام 1956، ولم يكن اليمين الإسرائيلى قد وصل إلى الحكم آنذاك، بل كانت الحكومة برئاسة دافيد بن جوريون، زعيم تيار الصهيونية العمالية اليسارية.
جرى ذلك الفصل عندما تمددت أطماع التوسع الصهيونى فى رأس بن جوريون اليسارى، فاستصدر قانوناً من الكنيست يقضى بضم شبه جزيرة سيناء المصرية إلى دولة إسرائيل باعتبارها من وجهة نظره جزءاً من أرض إسرائيل التاريخية، كانت سيناء قد وقعت فى قبضة الجيش الإسرائيلى، بعد أن مكنته من ذلك كل من بريطانيا وفرنسا اللتين قادتا حملة العدوان الثلاثى على مصر بعد تأميم قناة السويس.
آنذاك كان سيد البيت الأبيض هو الجنرال أيزنهاور، القائد العام لقوات الحلفاء، التى تمكنت من تحرير فرنسا من قبضة الاحتلال الألمانى النازى واجتياح ألمانيا وإنزال الهزيمة النهائية بها.
لقد كلف أيزنهاور وزير خارجيته فوستر دالاس بأن يطلب من بن جوريون العدول عن قرار ضم سيناء، وأن يستعد للانسحاب منها، غير أن جنون الأطماع التوسعية الصهيونية دفع بن جوريون إلى إبداء التحدى والرفض، وهو ما أدى إلى تحول لغة الإدارة الأمريكية إلى طابع خشن لم تتعوده إسرائيل، وفى النهاية أدرك بن جوريون أمرين: الأول أن قيادة العالم الغربى والكتلة الرأسمالية قد تحولت من باريس ولندن إلى واشنطن، والثانى أن إسرائيل مجرد كيان تابع للقيادة الغربية الجديدة، وأن عليها أن تمتثل لتعليمات سيد البيت الأبيض.
بعد هذه الواقعة بدأ بن جوريون التفكير فى ضرورة البحث داخل الساحة السياسية الأمريكية عن طريقة تمكن إسرائيل من مواجهة البيت الأبيض فى حالة اختلاف الرؤى والأهداف، ووقع على فكرة تكوين ظهير لإسرائيل فى مجلس الكونجرس من أعضاء يمكن دعمهم فى معاركهم الانتخابية.
هنا يجب أن ينتبه الساسة العرب إلى أن المواجهة الحالية بين نتنياهو وأوباما هى فصل جديد للمواجهة بين رؤية البيت الأبيض وبين أطماع التوسع والنفوذ الصهيونية، لقد بدأت المواجهة الحالية حول رؤية حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية اللتين تعيشان فى جوار سلمى، والتى تحمس لها أوباما فى بداية ولايته الأولى، وذلك أن نتنياهو هو ربيب مدرسة ليكود والصهيونية التنقيحية التى رفعت شعار «بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة وهى الدولة الإسرائيلية».
جاء هذا الشعار ليسد أفق حل الدولتين، وقد قاد نتنياهو اللجنة المركزية لليكود إلى تضييق الخناق على شارون، زعيم الحزب، عندما مال إلى قبول رؤية حل الدولتين، وأجبره على الانسحاب من ليكود وتكوين حزب جديد هو حزب كاديما بعد قراره بسحب القوات الإسرائيلية والمستوطنين من غزة.
لقد وجد نتنياهو أن استمرار الرفض الرسمى لحل الدولتين يمثل طريقاً للمواجهة المباشرة مع أوباما ولذلك قام بما أعتبره أنا مناورة كبرى عندما أعلن عام 2009 فى خطابه بجامعة بارايلان أنه يقبل بحل الدولتين والتفاوض عليه. لقد تكشفت صفحات المناورة فى سلسلة العقبات التى زرعها لتعويق المفاوضات التى جرت تحت رعاية الإدارة الأمريكية، ولم يكن فى يد أوباما ما يفعله طالما أن نتنياهو يفاوض تحت شعار حل الدولتين.
أخيراً وأثناء حملة انتخابات الكنيست التى جرت فى 17 مارس 2015 وجد نتنياهو نفسه مضطراً للتراجع العلنى عن موافقته على حل الدولتين ليجذب أصوات الناخبين اليمينيين المتجهة للأحزاب اليمينية الصغيرة التى تعلن شعارات رفض حل الدولتين، بالتالى أصدر تصريحه الشهير الذى قال فيه إنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية طالما بقى رئيساً للوزراء.
هنا شعر أوباما بأنه تلقى صفعة فبدأ يعلن أنه لم يعد واثقاً فى تحقيق حل الدولتين فى ضوء تصريح نتنياهو رغم أن الأخير حاول، بعد أن كسب الانتخابات، أن يتراجع عن تصريحه الذى يعبر عن موقفه الحقيقى.
لقد بدأت تتبلور خطة فرنسية بدعم أمريكى تتكون من ثلاث خطوات: الأولى استصدار قرار من مجلس الأمن ينص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، أما الخطوة الثانية فهى عقد مؤتمر دولى لإقرار السلام، والثالثة إقدام فرنسا ودول أوروبا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. إن هذه الخطة الفرنسية لا يمكن أن تمر أصلاً فى مجلس الأمن دون دعم أمريكى لوح به البيت الأبيض رداً على تحدى نتنياهو.
أخيراً فتح باب الفرج أمام نتنياهو بالإعلان عن التفاهمات التى تمت فى لوزان بين إيران ومجموعة دول مجلس الأمن الخمس الكبرى زائد ألمانيا، لقد وجد نتنياهو طريقة لتحويل الانتباه عن مسألة حل الدولتين، فأعلن أن اتفاق لوزان يشكل خطراً كبيراً على المنطقة والعالم وعلى وجود إسرائيل، ثم وضع عصا غليظة فى عجلة الاتفاق النووى عندما طالب أوباما بضرورة أن يتضمن أى اتفاق نهائى مع إيران اعترافاً إيرانياً واضحاً لا لبس فيه بحق إسرائيل فى الوجود، طبعاً سيقف أنصار إسرائيل فى الكونجرس مع مطلب نتنياهو هذا، وغالباً سيحاول أوباما الضغط على إيران لتعلن اعترافها بإسرائيل، وستجد إيران- المستعدة فعلاً للاعتراف بإسرائيل لتخرج من الحصار المفروض عليها- حرجاً شديداً فى الإقدام العلنى على هذا الاعتراف، خصوصاً أن مخططات توسعها فى الدول العربية تعتمد على شعار تحرير القدس، وهكذا تدخل المسألة فى دهاليز التسويات السرية ليكسب نتنياهو سنتين ينتهى فيهما حكم أوباما بينما الضفة الغربية والقدس فى فم نتنياهو.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع