الأقباط متحدون - «أزهر» ولّا «بحيرى».. ولّا الهوا رماك؟
أخر تحديث ٠٩:٤٨ | الثلاثاء ٧ ابريل ٢٠١٥ | ٢٩برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٢٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«أزهر» ولّا «بحيرى».. ولّا الهوا رماك؟

محمد الكردوسى
محمد الكردوسى

 لا أظن أن هناك أية علاقة بين دعوة الرئيس السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى، وتلك الخناقة التافهة بين «الإسلامين»: الأزهر.. والبحيرى، أما إذا كانت هناك علاقة فالكارثة أعظم، لأن الخناقة «قلبت مسخرة»!. أقول «إسلامين» لأن الأمور جرت كما لو أن السجال بين طرفى نقيض: بين شخص أهدر فضيلة الاجتهاد وأوغل فى الاعتقاد بأنه «مكلف»، أرسلته العناية الإلهية ليكون «نبياً» للاستنارة والتجديد، ومؤسسة عريقة، طاعنة فى السن، تصلّبت وترهّلت، وأوغلت بدورها فى الاعتقاد بأنها فوق مستوى أى اجتهاد، فضلاً عن أنها تعاند وتأبى أن تعترف بأنها قد اختُرقت، وعليها أن تطهّر نفسها بنفسها قبل أن تجتاحها عواصف النقد!.

 
أقول «إسلامين»، وأنا أكاد أجزم بأن لدينا فى الحقيقة أكثر من «إسلام». لدينا إسلام «وسطى»، ولا تقل لى إن الأزهر بحالته الراهنة يمثله، رغم أنه لا يزال يمثل «مرجعيته». ولدينا إسلام عصابة الإخوان ومشتقاتها، وهو الأشد خطراً على الإسلام كـ«نص» ورسالة من ناحية، وعلى فكرة الدولة الوطنية باعتبارها نقطة البدء والانتهاء فى كل اجتهاد أو مرجعية، والحاضنة لكل الرؤى مهما تنوعت واختلفت، من ناحية أخرى. ولدينا أيضاً إسلام أهل التصوف، وهو الأقل اشتباكاً مع الواقع، والأكثر سلاماً وتجرداً وتقرباً إلى الله، واحتفاءً برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وبآل بيته، وبكل من خفّ وشفّ وأفناه السعى إلى إدراك الحقيقة. هل يُعد هذا التنوع تجلياً لعبقرية مصر.. أم خطراً عليها؟ أظن أن الوقت حان لنسأل أنفسنا سؤالاً كهذا!.
 
أقول أيضاً إن الخناقة «تافهة» بالقياس إلى نتائجها وسياقها. النتائج: مزيد من البلبلة والابتذال والاستقطاب المجتمعى وإهدار قيمة الاختلاف. جمهور يتابع وخلف كل طرف ميليشيا تتربص بالطرف الآخر: «إسلام» فى نظر خصومه «عيل قليل أدب»، و«الأزهر» فى نظر خصومه «مؤسسة عفنة، متخلفة». باختصار: «الجنازة حارة والميت هو الخطاب الدينى نفسه»!. أما عن السياق فحدّث ولا حرج: الجيش المصرى «ممزوع» بين ثلاث جبهات (سيناء وليبيا واليمن) وما زال ينزف ويفقد كل يوم شهداء جدداً.. لعلنا نضع فى عيوننا «حصوة ملح»، وندّخر جهودنا لبناء دولة نظيفة وعادلة ومحترمة. والمواطن ساكت وصابر على حياته التعسة وتدنى أحواله المعيشية، ومكتفٍ بأن لديه حداً أدنى من الأمان والاستقرار.. يجعله ينظر إلى أشقائه النازحين، والقابعين فى خيامهم على تخوم دول الخراب العربى، ثم يسجد لله شكراً على نعمة الـ«أربع حيطان». وأدخنة المؤامرة على مصر توشك أن تخنقها، وآخر دعوانا كمصريين: اللهم اكفنا شر مؤامرات «الداخل» (فلول الإخوان ومرتزقة 25 يناير والثورجية)، أما مؤامرات «الخارج».. فالسيسى كفيل بها!.
 
نحن لسنا إزاء معركة تافهة فحسب، بل ومجانية: لا «إسلام بحيرى» سيصبح كادراً تنويرياً مؤثراً أو معترَفاً به، ولا الأزهر ستنصلح أحواله، ويطهِّر نفسه بنفسه. سنظل هكذا: لا نعرف كيف ندير معركة حتى إذا كانت «ذبح كلب»، ولا نعرف كيف نرتب أولوياتنا، حتى إذا كانت خياراً بين الحياة والموت، وإذا كان لهذا السجال المخجل فائدة أو دلالة.. فهى أننا ننحدر إلى ما دون القاع، وكنا نظن أن مَن فى القاع لا يسقطون. إنها مع الأسف كرامات «الدولة العميقة» ومضاعفاتها: إذا انحدرتْ فلا مُمسك لها.
 
مع أى «الإسلامين» أنت: إسلام الأزهر أم إسلام البحيرى؟.. هذا سؤال تخلف وجهل وغفلة، لأن الذى ملأ المسافة بينهما «إسلام داعش وبيت المقدس»، ولأن الذين أخذوا على «البحيرى» شراسته وتجرؤه وضحالته العلمية ينكرون عليه أن شجاعته -حتى إذا اعتُبرت تهوراً- ربما تصبح ذات يوم حجراً فى مياه راكدة. والذين أخذوا على «الأزهر» ترهله وتقاعسه عن دوره، ومواقفه المرتعشة فى مواجهة فكر الميليشيات الإرهابية.. ينكرون عليه دعمه الثابت لانتفاضات المصريين وثوراتهم ضد جحافل الغزاة، ويتجاهلون كوكبة من علمائه الذين أثروا الفكر الإسلامى بمعارك ومواقف واجتهادات إصلاحية تجاوزت وظيفة الأزهر كحاضنة لوسطية الإسلام، وأصبحوا من ثم رموزاً للاستنارة.
 
مع أى «الإسلامين»: مع «غرور» البحيرى، وقد خلت الساحة من صوت رصين، عاقل، ينأى بمصر والمصريين عن إسلام إرضاع الكبير وزواج الطفلة «المربربة» وآداب الجلوس فى الحمام.. أم مع «غرور» الأزهر وقد «تأخون» وأتخمته السياسة منذ اندلاع ثورة 30 يونيو، فلم يعد جزءاً من صناعة القرار فحسب.. بل كياناً مقدساً، أو بالأحرى «دولة فوق الدولة»؟!. أنا فى الحقيقة لا مع هذا ولا مع ذاك، وأمام هذا العبث والعشوائية والتربص والاستقطاب الفاضح.. لا أملك سوى أن أستجير بكتاب الله، أسمعه وأقرأه، وأستوحيه كتابة وقولاً، وأستغنى باكتماله عن نقائص البشر وصغائرهم، وعن كل كتب التراث.. ما نفع منها وما أضر. لا أملك سوى أن أستجير بـ«إسلام أمى»، تلك الجاهلة، المنزهة، التى علمتنى «يعنى إيه ربنا».. مع أنها ماتت فى السادسة والثمانين وهى صائمة، وكانت تصلى كل الفروض بأربع سور غير «الفاتحة»، ولم تكن تعرف كيف تنطق كلمة «كفواً» فى سورة «الإخلاص»، ولا كلمة «شانئك» فى سورة «الكوثر».
نقلا عن الوطن

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع