بعد أن تستمع لكلمة الشيخ تميم، أمير قطر، فى القمة العربية الأخيرة ستكتشف أنك تستمع لشخصين لا لشخص واحد، أحدهما هو الدكتور «جيكل» الطبيب المحترم طيب الخُلق صاحب الطموحات المشروعة، والثانى هو «مستر هايد» المجرم الشرير الذى يمثل الوجه الثانى للدكتور جيكل، أما عن الأمير الطيب فهو ذلك الرجل الذى تكاد الدموع تفر من عينيه شفقة على ما تقوم به إسرائيل المحتلة ضد الشعب الفلسطينى الآمن، وهو الأمير الذى يتوق شوقاً لذلك اليوم الذى سيتم فيه إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهو أيضاً الأمير الطيب الذى يريد من كل إخوته الملوك والرؤساء العرب الوقوف بكل قوة وحسم وحزم مع الحق الفلسطينى ضد إسرائيل الغاشمة المعتدية.
ولكن الأمير تميم الطيب سرعان ما يقع تحت سطوة الأمير تميم الشرير، فهذا الأخير فتح بلده قطر على مصراعيها لإسرائيل، فأقامت فيها «المكتب التجارى الإسرائيلى» الشهير، كما أنه سمح لبلده أن يقوم بتصدير الغاز القطرى لإسرائيل المعتدية على الحق الفلسطينى، ثم بدأت قطر فى التعاون العسكرى والأمنى مع إسرائيل، وكانت قطر هى أول دولة تستعين، على المستوى الإعلامى، بخبراء إسرائيليين ساعدوها فى إنشاء قناة الجزيرة، ومن بعدها قامت تلك القناة باستضافة مسئولين إسرائيليين كضيوف متحدثين فى هذه القناة، ثم كان أن توثقت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأصبحت زيارات كبار المسئولين الإسرائيليين إلى قطر بمثابة نزهة أسبوعية!
ومن ناحيته قام أمير قطر الطيب بالمطالبة بضرورة استقلال القرار العربى بعيداً عن أى ضغوط من الممكن أن تمارَس على أمتنا، فقال فى كلمته ما نصه: «إن تحقيق التنمية لشعوبنا هو المرتكز الأساسى لاستقلال إرادتنا وقرارنا وهو الضمان لحياة كريمة لشعوبنا والمكانة اللائقة بها فى الأسرة الدولية، ومن هذا المنطلق يتعين علينا تحرير التنمية فى بلادنا من الضغوط والمؤثرات الخارجية السلبية والنظام غير العادل للعولمة».
وفجأة باغته أمير قطر الشرير الذى سمح للولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل فى شئون دولته، فسمح بإنشاء عدة قواعد عسكرية لها فى إمارته تهدد بها استقلال القرار العربى، بل قامت من خلالها بالفعل بشن هجومها الإجرامى على دولة العراق العربية الشقيقة، ومن هذه القواعد قاعدة مطار «العديد» الذى يُعرف باسم «أبونخلة» وتقع فى الجنوب الغربى من الدوحة، ومنها أيضاً قاعدة «السيلية العسكرية» التى تبعد عن الدوحة مسافة ثلاثين كيلومتراً فقط، وقد قام الأمير الشرير الرافض لاستقلال القرار العربى بإغاظة الأمير الطيب عندما سمح لأمريكا بتطوير هذه القاعدة حتى إنها قامت باستضافة قيادة الجيش الثالث الأمريكى والقيادة المركزية الأمريكية، وأصبحت هذه القواعد العسكرية هى أكبر قواعد واشنطن فى العالم خارج حدود الولايات المتحدة.
ويرى أمير قطر الطيب أن العالم «شهد خلال السنوات القليلة الماضية تنامى ظاهرة الإرهاب وامتدادها فى دول عربية عديدة وأصبحت تمثل خطراً جديداً على الأمن الإقليمى العربى والأمن الدولى على حد سواء»، وكانت كلماته هذه تكاد ترقص فى فمه قبل أن ينطقها فرحة وسعادة لأن الأمير الذى ينطقها يعرف تمام المعرفة خطر الإرهاب وضرورة مواجهته.
ويا للأسف والأسى! فإن الوجه الآخر للأمير الطيب كشّر عن أنيابه الشريرة، فقام بإيواء الإرهابيين الهاربين من مصر، ليس هذا فحسب بل قام بتمويل عملياتهم الإرهابية، وجعل من قناة الجزيرة التى يمتلكها أداة من أدوات الإخوان الإرهابيين ينفثون منها سمومهم، ويشوهون من خلالها الحقائق، ويزيفون بها الواقع! ومن خلال منابر أكبر مساجدهم سمح الأمير الشرير للقرضاوى إمام الشر فى هذا الزمن بإطلاق الفتاوى الإرهابية التى يقصد منها إسقاط الدولة المصرية والتمكين للإرهاب وجماعاته.
أمير قطر الطيب يرفض الاعتداء على شرعية النظام فى اليمن من خلال تلك الطغمة الشريرة التى تسمى نفسها الحوثيين، وقال فى كلمته: «لقد بُذلت مساع حثيثة لدعوة المعتدين على عملية التحول السلمى للحوار فى الرياض ولكن رفض الحوثيون ذلك، وهذا ليس مجرد خطأ ارتكبوه، بل هو سلوك يعبّر عن نهج مثابر فى فرض الحقائق على الأرض بقوة السلاح، لقد توجه الرئيس اليمنى الشرعى إلى دول مجلس التعاون وإلى الجامعة العربية، طالباً حماية اليمن الشقيق وشعبه ومؤسساته واستقراره، فلبى طلبه على خلفية هذه المعطيات. ومن منطلق التضامن العربى فإننا ندعو كافة الأطراف والقوى السياسية إلى تغليب مصلحة اليمن وشعبها واحترام الشرعية المتمثلة فى الرئيس هادى وحكومته المعترف بها من المجتمع الدولى بسحب الميليشيات من مؤسسات الدولة والأماكن العامة والعمل على استكمال تنفيذ العملية السياسية، وعلينا جميعاً الاصطفاف إلى جانب الشرعية فى اليمن ورفض سياسة فرض الأمر الواقع».
ولكن الأمير الشرير الذى ينافس مستر هايد فى شره يرى أن النظام السورى ليس شرعياً، ويعتبر أن ميليشيات جماعة الإخوان وجماعات داعش والقاعدة وغيرها التى توجه ضربات مسلحة موجعة للنظام الشرعى هناك هى جماعات ثورية وأن النظام انتهك حرية شعبه وحوّل الدولة إلى ركام، «وأصبح السوريون عرضة للغربة وتعرض الأطفال لأهوال مشاهد القتل والدمار، والنظام قابع فى غيه ويمارس أشد بشاعة القتل والتعذيب والأسلحة الفتاكة ضد المدنيين».
ونوه قائلاً: «لم يعد أمامنا سوى وقف الحرب ضد الشعب السورى، وتوفير سبل الأمان له، وعلينا أن نوضح بشكل حازم أن الأسد ليس جزءاً من حل الأزمة، ولكن يجب تطبيق الحل السياسى بتلبية مطالب الشعب السورى وإتاحة المجال لتشكيل حكومة انتقالية تعمل على تحديد الطرق أمام الشعب السورى واختياراته من خلال انتخابات حرة واستعادة وطنه وكرامته دون خوف أو إرهاب».
وهو بذلك يخالف كلام الأمير الطيب، فهو يدعو إلى التدخل فى شئون دولة سوريا وتغيير نظام الحكم فيها وتشكيل حكومة انتقالية، مخالفاً بذلك ما طالب به من ضرورة عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وبذلك وقع الأمير القطرى الشرير فى تناقض مع نفسه، إذ لو اعتبر أن ما يحدث فى سوريا ثورة، وأن الثورة ينبغى أن يسفر عنها إسقاط النظام، وأن إسقاط النظام يقتضى تشكيل حكومة مؤقتة، ففيم إذن كانت وقفته مع نظام الإخوان الذى أسقطه الشعب المصرى، وما وجه اعتراضه على الحكومة المؤقتة التى كانت الاستحقاق الأول للثورة المصرية على نظام الإخوان؟
أما أغرب ما جاء فى خطاب دكتور جيكل والأستاذ هايد فهو ما قاله عن إيران، إذ قال: «نحن ننظر بإيجابية تامة إلى الجهود الدولية لحل الخلافات مع إيران حول مشروعها النووى سلمياً، كان هذا نهجنا دائماً فى دعم السلام والاستقرار فى منطقة الخليج، وفى هذه المناسبة أؤكد على علاقة حسن الجوار مع إيران، التى نعتبرها جزءاً لا يتجزأ من منطقتنا ومن أمتنا الإسلامية، ونؤكد أيضاً أن علاقة حسن الجوار تقوم أيضاً على احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية».
فما قرره الأميران، الطيب والشرير، عن أن إيران جزء من المنطقة هو حقيقة جغرافية لا خلاف فيها، وما قرراه من أننا يجب أن ندعم حسن الجوار مع إيران، فهو حقيقة سياسية لا نختلف عليها، ولكن يبدو أن الأمير الطيب ووجهه الشرير نسيا أن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية هى طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى، وقد وقع هذا الاحتلال منذ عام 1971 ولا يزال مستمراً حتى الآن! كما أن إيران تتدخل فى الشئون الداخلية للعديد من الدول العربية، ولننظر ما فعلته إيران فى العراق، وما فعلته فى لبنان عندما ساعدت حزب الله على إنشاء جيش لبنانى شيعى فى جنوب لبنان، وما تفعله حالياً من دعم للحوثيين فى اليمن، الأمر الذى يجعلنا نسأل وحق لنا أن نسأل: هل كان أمير قطر هو المندوب الفارسى فى القمة العربية؟! أم ترى أنه كان المندوب الأمريكى؟!
نقلا عن الوطن