من حق الأحزاب المطالبة بنظام انتخابى يتوافق مع رغباتها، لكن ليس من حقها أن تفرض على المجتمع نظاماً يتعارض مع رغباته، فالأحزاب جزء من المجتمع ولا تعبر عنه كله قدر ما تعبر عن قطاعات منه.
القوائم النسبية هى الأفضل للأحزاب، فمن خلالها تستطيع بعضها أن تتجمع فى قائمة واحدة لتفعل معاً ما لا تستطيع منفردة، أو أن تتمكن من تغطية مساحة من الترشيحات لا يمكن أن يقوم بها كل حزب على حدة، من هنا تسعى الأحزاب إلى فكرة القوائم وتلجأ لها.
اللافت أن هذا النظام لا يتوافق مع ثقافة المجتمع المصرى فى نزوعه وتفضيله للنظام الفردى، فالناخب المصرى يحب الالتصاق بنائبه والتعامل معه مباشرة ومتابعته عن قرب، وهو يحب أن يختار مرشحه لا أن يفرضه عليه حزب ما.
والشاهد أن الأحزاب لم تتمكن حتى الآن من إقناع المجتمع بدورها، ولم تتمكن من استيعاب الواقع وتطويره لصالحها، وهى حتى الآن غير قادرة على جذب الناخبين لأفكارها وتجييشهم فى صفوفها لصالح برامجها وأفكارها، ولا مجال للحديث عن أسباب ذلك فهى قضية مختلفة تماماً.
البادى إذن أن الواقع ما زال مختلفاً عن رغبات الأحزاب واحتياجاتها، فعائلة القوائم الانتخابية ترد دائماً فى تفكير الأحزاب، ومما لا شك فيه أنها عائلة تعمق من جذور الأحزاب فى المجتمع، لكنها تتطلب بيئة تؤمن بهذه الشجرة وتتفاعل معها، وليست بيئة نفرض عليها أن تقبل ما تأباه وترفضه، فالمفارقة أن القوائم النسبية هى الأفضل للأحزاب، لكن الواقع مختلف عنها وما زال أقوى منها حتى الآن.
وقد يرى البعض أن القوائم توفر البيئة المطلوبة لتقوية الأحزاب وتساعدها على النهوض، لكنه تشبيه وللأسف فاسد، كونه يعتبر إمكانات تغيير الواقع بفرض التصورات عليه، وكأن الواقع قابل للتطور والتغيير بالأوامر وليس بالتوافق والتفاعل والقبول، وهو منطق شبيه بفساد فكرة التمييز الإيجابى التى تتصور إمكانية تحقيق تغيير ثقافى فى المجتمع بإملاء ما هو مطلوب تحقيقه بقوة القانون، وفى الحقيقة فإن التطوير وحماية المهمشين الأقل قدرة يأتى بالتحفيز وليس بالتمييز الذى وللأسف يلجأ له البعض لإخفاء ضعفه وعدم قدرته على تغيير الواقع.
الواقع لا يتغير بالرغبة ولكن بممارسات متراكمة، وبتحركات حزبية متفاعلة مع المجتمع بكل عناصره من أجل الانخراط معه واستيعابه، وهى ممارسات لم تحدث حتى الآن بصورة متواصلة وعبر تجارب طويلة تجعل الأحزاب قادرة على التعبير عن واقع محدد وأن تعكسه فى برامجها وتقود قوى اجتماعية ذات مصلحة فى هذا التطور، فتسهم فى تحقيقه عبر آليات حزبية ناضجة وصحيحة.
لم يعد أمام الأحزاب سوى القبول بثقافة المجتمع عميقة الجذور والمتمثلة فى الانتخابات الفردية، بعد أن عجزت الأحزاب حتى الآن عن التأثير فى هذه الثقافة وتطويرها، ولأن الدستور فرض علينا هذا العبث المسمى بالتمييز الإيجابى فلم يعد أمامنا سوى القبول بقائمة مشوهة فاشية تسمى بالمطلقة لضمان تمثيل هؤلاء المميزين.
ويتبقى أن ضمان تمثيل القوى الجديدة والشبابية فى المجتمع ومحاصرة المال السياسى ونفوذ الأحزاب والقوى التقليدية يتطلب تحقيق كل ذلك الأخذ بنظام الدوائر محدودة المساحة، فالدوائر ذات المساحات الكبيرة تمنح المال السياسى والقوى التقليدية فرصة التفوق المريح على باقى المجتمع ولكم فى انتخابات 2011 القدوة.
على الأحزاب أن تتفاعل مع الواقع لا أن تتعالى عليه وتفرض رغباتها على واقع يأبى هذه الرغبات.
نقلا عن الوطن