سعد الدين ابراهيم
ورغم أنه مُحق فى قراءته الثاقبة لطموح تركيا الأردوغانية، وإيران الملالى الشيعية، إلا أنه فاته تقديم تفسير للظهور الصاخب لكل منهما فى الآونة الأخيرة، وهو غياب الدور المصرى الإقليمى، نتيجة الانشغال بهموم الداخل منذ ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو2013.
وسنترك الحديث عن تركيا، لمُناسبة قادمة، ونُركز هُنا، هذا الأسبوع على إيران التى دخلت طموحاتها الإقليمية حيز التنفيذ الفعلى منذ عدة سنوات فى العِراق، ولبنان، وسوريا، ومنذ عدة شهور فى اليمن، بدعمها المُباشر وغير المُباشر لجماعة الحوثيين، ذوى النزعة الطائفية الزيدية، الأكثر قُرباً للمذهب الشيعى، الذى يحكم رجاله إيران، منذ اختطافهم للثورة الإيرانية عام 1979، من شباب مُجاهدى خلق، الذين فجّروها، منذ شاه إيران.
والطريف والغريب فى الأمر، وخاصة لغير الإيرانيين، أن هناك نزعة عميقة بين كل الإيرانيين، بالاعتزاز بأصولهم وحضارتهم الفارسية، سواء كانوا ماركسيين شيوعيين (مثل حزب تودة) أو شيعيين مُعمقين (مثل أقطاب الجمهورية الإسلامية، الملالى حالياً). وهنا يلعب الاعتباران الثقافى ـ الفارسى، والجيوبولتيكى نفس الوزن والأهمية الذى يلعبه الاعتبار الدينى المذهبى ـ الطائفى.
ماذا يعنى ما تقدم فى تفسير الدور المُتعاظم لإيران فى اليمن؟
أن الإيرانيين هم الذين اخترعوا لعبة الشطرنج الشهيرة. وفى تلك اللعبة يُحاول كل من المُتنافسين أن يهزم الآخر، من خلال عدة تحركات بقطع الشطرنج المُختلفة، تهدف فى النهاية لحِصار القطعة الأهم، التى ترمز للملك.
وهذا بالضبط ما حاول الإيرانيون عمله بالنسبة لمُنافسيهم فى الهيمنة على مُقدرات الخليج والمنطقة العربية بأكملها، طوال القرن الأخير. وكان شاه إيران، محمد رضا بهلوى، الأكثر صراحة فى التعبير عن ذلك، خلال أوائل سبعينيات القرن الماضى.
كانت البداية مع صدام حسين فى العِراق، والذى دخلت إيران معه فى صِراع مُسلح استمر قرابة العشر سنوات. ورغم أنها لم تهزمه، إلا أنها نجحت فى إشعال صِراعات داخلية ضده، استنزفت قدراً كبيراً من موارد العِراق فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. ثم نجحت فى توظيف حماقات وأطماع صدام حسين النووية والتوسعية، وخاصة بعد غزوه للكويت فى استعداء العالم كله ضده، وفى المُقدمة الولايات المُتحدة، التى لا تحمل لها إيران أى مودة، بل كل كراهية وعداوة. ومن أجل إضعاف مُنافس قريب، فلم يكن لدى إيران مانع من التفاهم الضمنى المرحلى مع عدو بعيد.
وبهزيمة صدام والتخلص من مُفاعله النووى، بغارة إسرائيلية، ثم بغزو أمريكى، ثم بحكومات عِراقية شيعية موالية لإيران، ثم فعلت نفس الشىء بتفاصيل مختلفة فى كل من سوريا ولبنان. وهكذا أصبحت إيران لاعباً رئيسياً فى ثلاثة بُلدان عربية هى العِراق وسوريا ولبنان (من خلال حزب الله، الشيعى).
ولكن ظلت السعودية، حجماً وثروة ونفوذاً، عقبة كأداء لاستكمال الهيمنة الإيرانية فيما تبقى من الشرق الأوسط. وجاء الصِراع الأهلى فى اليمن كفرصة ذهبية لإيران لتستكمل طوق الهيمنة على الجزيرة العربية، بدعمها للحوثيين بالسلاح والمال، والمتطوعين من الحرس الثورى الإيرانى، الذى أصبح بمثابة قوة انتشار سريعة لإيران، حيثما تُريد توسيع أو تعميق نفوذها فى المنطقة.
ويكتسب الحِراك الإيرانى فى اليمن أهمية خاصة بسبب إطلالها على البحر الأحمر، وتحكمها فى مضيق باب المندب، والذى يمكن من خلاله التحكم والسيطرة على الملاحة بين الشرق والغرب من ناحية، وفى نقل البترول من ناحية أخرى، فإيران تتحكم بالفعل فى مضيق هُرمز على الخليج العربى ـ الفارسى. أى أن بسط الهيمنة الإيرانية فى اليمن سيُمكّنها من أن تكون شوكة قاتلة فى جنب كل من السعودية، شرقاً، وجنوباً، وغرباً، وفى جنب مصر، جنوباً.
وهذا ما يُفسر السُرعة المُتناهية التى تحركت بها السعودية ودول الخليج العربية، وأشقاؤها، مصر والأردن والمغرب. ويُفسر أيضاً الدعم الدولى، سياسياً ومُخابراتياً، لاحتواء الحوثيين، وتقليم أظافرهم، قبل أن يتحولوا إلى عاصفة صحراوية هوجاء، مثل حركة داعش.
وحبذا لو أن نفس التحالف الذى استجاب بسُرعة لاحتواء خطر الحوثيين يفعل نفس الشىء فى مواجهة الخطر المُماثل الذى بدأ منذ عدة شهور، غرب العِراق، وشرق سوريا وشمال الجزيرة العربية. إذ لا شك أن القوى الاجتماعية الساخطة فى هذه البُلدان تستجيب بسُرعة لأى تحريض ولأى إغراء بالمال والسلاح، للتمرد والعصيان، ضد أى سُلطة قائمة.
ولكن قمع التمرد وإجهاض التهديد المُسلح بواسطة تحالف عسكرى من النوع الذى قادته السعودية، هو نصف الحل، أما النصف الآخر، وربما الأهم فهو استجابة من نوع آخر، ألا وهو إقرار العدالة الاجتماعية وإشباع الحاجات الأساسية لجميع أبناء الجزيرة العربية، وخاصة فى اليمن، فمن العار أن يكون لدى بُلدان مجلس التعاون الخليجى الستة فوائض مالية تتجاوز المائة مليار دولار، بينما يظل الرُكن اليمنى من الجزيرة العربية يشكو من الحرمان النسبى. بتعبير آخر، يحتاج اليمن إلى مشروع مارشال خليجى، ينتشله من التخلف والحرمان، ويُحصن أبناءه ضد كل دعوات الغضب والثورة. وهذا ما فعله الحُلفاء بعد هزيمتهم للنازية والفاشية الأوروبية، والحرب العالمية الثانية.
نرجو أن يكون هناك من يقرأون ويستوعبون ويُبادرون، من حُكّام الخليج. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.. وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع