بقلم: أيمن عبد الرسول
الحديث عن العلمانية في مصر حديث ذو شجون، ومخاطر أيضًا، لأننا في التحليل الأخير لكثير من المهتمين بالحالة الدينية شعب متدين بأقباطه ومسلميه، وبهائييه ويهوده وملحديه، ويالدهشة!!
ولأن العلمانية غالبًا ما تُقدم بوصفها فكرة ضد الدين، أي دين يقف منها المصري المتدين موقف القلق في أفضل الأحوال، والتكفير في أقصاها مرارة وندية، وبين التوجس النسبي لدى مَنْ يحسن الظن بالعلمانية، والموقف الحدِّي عند مَنْ يكفِّرون معتنقها تبقى العلمانية، وموقف مَنْ يرونها منهجًا للتفكير في النسبي بما هو نسبي، تبقى منهجًا ملتبسًا لدى الغالبية العظمى من المتدينين، ونرى أن الدفاع عن العلمانية فريضة فلسفية؛ لأنها في الأصل ضد رجال الدين لا الدين نفسه، ورجال الدين هم الذين يحرصون على وضعها على قائمة الاغتيال المعنوي، وأحيانًا المادي بصفتها "ألد الخصام"!!
لماذا الدفاع عن العلمانية؟
أولاً: في المجال السياسي ترفض العلمنة أي تمييز بين أبناء الوطن على أساس ديني أو عرقي أو جنسي، ولذلك تقف في وجه الدعوات التفريقية والمناهضة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن مرجعيته التي غالبًا لم يكن له اليد في اختيارها، ومع ذلك تُصر الديانات والقوميات والمِلل والنحل على التمييز ولو بالسلب ضد الآخرين من ذوي الخلفيات المتعارضة، فهل من حل سوى العلمنة؟!
ثانيًا: في المحيط الثقافي يستغل أعداء العلمانية، منهجها في محاربتها، فإذا ازدرى أحدهم دين الأخر.. رفع رايات حرية التعبير ذات المرجعية العلمانية، وطالب بالحرية العلمانية رغم أنه أصلاً ضدها ولا يقبلها، الأمر الذي يجعل العلمنة السياج الحامي لحرية التعبير من اعتداءات مَنْ يجعلونها درجة على سلم الديمقراطية الذي يهدمونه بمجرد الوصول إلى الحكم، وإذا فهم رجال الدين هذه الحقيقة الواضحة فهم لا شك سيطالبون بالعلمنة إذا كان دينهم يؤمن بالتعددية والتجاورية، إلا أن الدين في الحقيقة -أي دين- بطبيعته إقصائي انتقائي، ولا يشذ على هذه القاعدة إلا الدين البهائي، وذلك لاعتبارات خاصة بحداثته ومبناه القائم على التعددية!
ثالثًا: تطور العقل البشري مر تاريخيًا بمراحل الطفولة الذهنية، وهي مرحلة الطوطم/ "عبادة الظواهر أو الحيوانات"، والتابو "تقديس الأسلاف"، ثم جاءت بعدها مرحلة الإغاثة السماوية لإنسان الأرض الضال في سياق ديني متصل منفصل؛ أنتج لنا الأديان ذات المحتوى اللاهوتي، والتي من المفترض أن تكون ذات تطور تنظيمي وتشريعي مناسب، ووقت صدور طبعتها الخاصة، وفي الوقت نفسه وإن كان الشرق منتجًا أو متلقيًا للدين، كان الغرب منتجًا للفلسفة، ونظرة سريعة بمقاييس التقدم والتخلف تكشف لماذا تقدم الغرب، وتأخر الشرق على المستوى الذهني!
رابعًا: لو انتقلنا من العام إلى الخاص في بلدنا الغالية مصر، سنكتشف أن العلمانية هي الحل في كل أزماتنا السياسية والقانونية والاجتماعية، وسأقول لكم كيف:
العلمانية هي الحل في مشكلة الطائفية في مصر وبمعالجة بسيطة، فالتوترات الطائفية حلها الوحيد إلغاء المادة الثانية من الدستور، والتي يتعمد الإسلامجية الاحتجاج بها وقت المحن بقولهم: "نحن في دولة إسلامية"، ورغم أن المادة الثانية تبدو غير فاعلة في حياتنا السياسية، فإن إبقاء النظام عليها يهدف إلى المزايدة على الإسلامجية، وفي الوقت نفسه سد الباب أمام مطالب الأقليات الدينية في مصر وقت التدخل الأجنبي في رعاية الأقليات التي تتخلى الحكومة عن دعم مطالبها السياسية، والمشكلة أن بعض الأقليات تتقوقع حول نفسها وتقف سلبًا ضد العلمنة، رغم أنها فعلاً ستفيدهم في تناول قضاياهم تحت مظلة المساواة والحرية!!
بين الحين والأخر تتداخل المسائل الدينية في المسائل السياسية، ويحتكم أهل الدين لما لديهم، وأهل السياسة للسياسة، في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وتبقى العلمنة هي الحل في حرية أن ينتمي رأيك للديني أو السياسي، العلمانية ببساطة هي إعطاء ما لله لله –تعبيرًا عن الديني- وما للدولة للدولة بلا تحفظ ولا مزايدة، على أن يكون المتدين مخلصًا مع ربه سرًا، فلا حاجة للمزايدة بالإيمان التي نمارسها برفع رايات تميزنا الديني على رؤوسنا ولا في سياراتنا، منذ أيام حكمت محكمة هولندية على مسيحي مصري مقيم هناك بعدم إظهار صليبه الذهبي الذي يرتديه في سلسلة على صدره، وهي هنا انطلقت من أصول علمانية تمامًا، كما ترفض ارتداء الحجاب، والمدهش أنه مصري، فنحن أيًا كان ديننا نصنع تميزًا باللحية مرة والحجاب مرة، ووضع المصاحف في السيارات والصلبان، فلو تعلمنا العلمنة لعرفنا أن الدين شأن شخصي لا حاجة للدولة به!
العلمانية هي الحل لكل مشكلاتنا، وسنواليكم بالأمثلة في مقالات أخرى قادمة
والإله الواحد الذي نعبده جميعًا، والوطن من وراء القصد.
Ayman@alazma.com