بقلم : حسن حنفي | الخميس ٢ ابريل ٢٠١٥ -
٠٠:
٠٥ م +02:00 EET
حسن حنفي
كثر فى لغة الإعلام فى الآونة الأخيرة، عما يحدث فى اليمن، لفظا «العرب» و«الفرس» بعد اجتياح الحوثيين معظم أنحاء اليمن، مع تساؤل الجميع: كيف تم ذلك بهذه السرعة، وكيف تعددت ولاءات الجيش اليمنى بين الرئيس المخلوع والرئيس المستقيل والمتراجع فيما بعد عن الاستقالة؟ وكيف ازدوج ولاء البعض بما فى ذلك الجيش بين الظاهر والباطن، الظاهر للدولة القديمة قبل الثورة، والباطن للحوثيين، فريق من الثوار المذهبيين بعد الثورة؟ وبدأ التمايز بين «نحن» و«هم»، نحن الشوافع وهم الزيدية أو العكس، نحن الزيدية وهم الشوافع فى الباطن، ونحن السنة وهم الشيعة فى الظاهر، نحن العرب وهم الفرس، أو نحن الفرس وهم العرب. ويتداخل المذهب والعرق، وقد يكون نحن وهم داخل المذهب الواحد بالتكفير والحكم بالخروج مثل الإسلام العربى والإسلام التركى.
وقد نشأت مشكلة القوميات فى الأيام الأخيرة للدولة العثمانية مما كان حجة للغرب للتدخل بدعوى إنقاذ الأقليات مثل الأرمن من المذابح. وسقطت الدولة العثمانية، وقسمت أملاك الرجل المريض بين القوى الغربية، فرنسا وإنجلترا. وقسمت إلى دول وطنية على النموذج الغربى فى القرن التاسع عشر. ووضعت حدود مصطنعة بينها وبين بعضها البعض نزاعات حدودية باسم توحيد الأقليات. وبعد حركات التحرر الوطنى ضد المحتل الأجنبى واستقلال الدول سيطر عليها الاستبداد والفساد. وبعد الثورات العربية الأخيرة، وعودة الثورة المضاد ظهر الأساس العرقى والمذهبى للدول. وقامت الطوائف لاسترداد كيانها السياسى. وظهر أن على العرب أن يختاروا بين الاستبداد والفساد فى الدولة من ناحية، أو الفوضى العرقية والمذهبية من ناحية أخرى.
وظهر أكبر تجمعين عرقيين «العرب والفرس» وكل منهما قد قام بثورته على بُعد عقود من الزمان. واستدعى التاريخ التشيع الصفوى القائم على العرق والمناهض للإسلام التركى السنى. وبدلا من وصول الأتراك حتى أبواب فيينا، أداروا ظهورهم إلى الخلف للدفاع عن الإمبراطورية العثمانية، وبعدها قام العرب بثورتهم الكبرى ضد الأتراك طلبا للاستقلال. وتكونت ثلاثة أقطاب سياسية، إيران وتركيا والعرب. وكل منها يقول إنه يمثل الإسلام. ومهما ظهر بين الأقطاب الثلاثة من تسامح سياسى إلا أن الصراع السياسى ظل قائما بينها. تقبل الفرس الإسلام دون العرب. العرب حملة له دون أن يكونوا حكاما فيه. والفرس تبنوا رسالته دون أن يكونوا محكومين بحملته. والآن يستعيد الفرس حكمهم لأنفسهم وللعرب. فبعد أن مهد لهم الأمريكيون مشروعهم بتدمير العراق لإعطاء مكان أوسع للشيعة فيه، تفجرت سوريا. وامتدت أصابع إيران لإحداث التواصل بين شيعة سوريا وشيعة العراق وشيعة لبنان أى تشيع الشمال، شمال شبه الجزيرة العربية التى منها انطلق العرب شرقا إلى فارس. والآن يتدخلون فى اليمن من أجل باب المندب وحصار شبه الجزيرة من الجنوب. ولم يبق لهم إلا الشرق، ودول الخليج، المقسم بين العروبة والتشيع. حمل التشيع لواء المعارضة لنظم الحكم الاستبدادية. فاضطرت المعارضة للدفاع عن العروبة التى يمثلها النظام الحاكم مضحية بالاستبداد فى سبيل بقاء العروبة. فمعركة الاستبداد يمكن تأجيلها أما معركة العروبة فأكثر إلحاحاً لأنها العاجلة وليست الآجلة.
لذلك جاء الإسلام موحدا بين الأقوام «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح»، موحدا بين الأقوام والعشائر والقبائل فى أمة واحدة «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون».
وقد اضطرت تركيا التى كانت تمثل أهل السنة إلى مساندة داعش بالرغم من كل أفعالها حفاظا على أهل السنة، والخروج من الحصار الذى تفرضه إيران على العرب باسم الدين أو الثورة. فوضعت مصر فى حصار التشيع، شمالا وشرقا وجنوبا، بدلا من أن تقوم استراتيجية مصر على تحالف ثلاثى بينها وبين تركيا وإيران ضد الاستعمار الأمريكى الذى مازال يتربص بالوطن العربى، يريد أن يفعل به كما فعل بالعراق؛ التفتيت والتجزئة. وحل الإرهاب محل إسرائيل كعدو. وضاعت قضية فلسطين. وتفتت الدولة الوطنية لحساب استبدادات جديدة، دينية أو عسكرية أو عرقية. وظهر أن الدولة الوطنية كانت مجرد قشر خال من مفهوم المواطنة، والمساواة فى الحقوق والواجبات، والدولة المدنية. وبدلا من أن تتصارع الهويات الدينية والعرقية فى مصر وإيران وتركيا فإنها تتآلف فيما بينها لتكوين تجمع جديد يفوق المائتى مليون نسمة يملأ ما تعتبره أمريكا فراغا فى الشرق الأوسط. تريد ملأه بتحالفات بين هذه الدويلات الصغرى بحيث تكون إسرائيل أكبرها وأمريكا المشرف العام عليها. لذلك يمكن التنازل عن التناقضات الصغرى من أجل التناقضات الكبرى. مثلا الخليج العربى أو الخليج الفارسى هو الخليج العربى الفارسى أو الخليج فقط. وملكية الجزر الثلاث فى مدخل الخليج يمكن أن تكون مشتركة عربية فارسية أو يمكن أن تكون خارج مقولة الملكية وفى مقولة الوجود. يعيش عليها من يشاء من العرب أو الفرس كما فعل عبد الناصر فى وادى حلفا بين مصر والسودان. وهو ما يمكن عمله أيضا فى حلايب وشلاتين، وما يمكن أن تقوم به سوريا فى لواء الإسكندرونة الذى يعيش فيه العرب والأتراك. وهكذا يتم حل التناقضات الصغرى من أجل الإبقاء على الثلاثى الأكبر: مصر، تركيا، إيران. ويمكن التغاضى عن وجود الإخوان فى تركيا فى سبيل التعامل مع تركيا نفسها وكسبها. إن ما يملأ الفراغ فى الشرق الأوسط هو مثلث مصر، تركيا، إيران وليس إسرائيل- أمريكا، من الداخل وليس من الخارج. تستطيع مصر أن تقوم بدور صلاح الدين بإعادة بناء مصر أولا قبل الانطلاق لتحرير القدس.
على هذا النحو لا نكون عربا وفرسا وتركا كما كنا فى الجاهلية بل نكون مسلمين، إخوة، أمة واحدة. السلطة بيننا شورى، والدخل يقسم بيننا عدلا ومساواة، لا غنى ولا فقير. والاعتماد على الذات وليس على الغير. لدينا المياه والأيدى العاملة لتكفينا من الزرع. ولدينا الثروة، النفط، من أجل الاستثمار. ولدينا العقول التى هاجرت وعملت بالخارج. وما أسهل أن تعود كى تنعم بالحرية والإنتاج. وما حلمنا به يمكن أن يتحقق. وما وضعناه فى خططنا التنموية يمكن أن يكون على الأرض. ولا نكون عربا وفرسا متحاربين متضادين متنافرين بل مسلمين متآلفين، متعاونين. ولا يضيرنا أن نكون مسلمين، فقد كانت تلك تسمية الجزائريين أثناء حرب الاستقلال، تسمية الفرنسيين لهم. ومن ثم تكوين دائرة الالتفاف، المشروع الإسلامى الإيرانى حول العالم الإسلامى من إيران مثل المشروع الإسلامى الأول الذى انطلق من شبه الجزيرة العربية، والتاريخ يعيد نفسه. مرة من شبه الجزيرة العربية شرقا إلى فارس ثم أواسط آسيا، ومرة من فارس إلى شبه الجزيرة العربية غربا ثم أفريقيا. ويجمعهما إسلام واحد وقيمة واحدة وإن تعددت اللغات من أجل تعدد الحضارات. ومن أجل لقاء الاثنين فى مكة ووضع مشروع إسلامى واحد يلتقى فيه الشرق والغرب، العرب والفرس.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع