هذه سطور عن اليمن.. الثورة والدولة، أو على نحوٍ أدق اللاثورة واللادولة. هى سطور فى البدايات الركيكة والنهايات الرديئة، حيث الخطر بحجم الوطن.
(1)
تمددت خريطة الإسلام السياسى فى اليمن إلى أن تبلورت مراكز قوتها فى مثلث واضح هو: الإخوان المسلمون، والقاعدة، والحوثيون.
تقول جماعة الإخوان المسلمين فى اليمن إن نشاطها بدأ فى الستينات، وإن بعض مؤسسى الجماعة فى اليمن كانوا على صلة قديمة مع «حسن البنا» فى مصر.
كان أول وجود رسمى للجماعة عام 1990 بإعلان جناحها السياسى «التجمع اليمنى للإصلاح»، الذى أسسه الشيخ «عبدالله حسين الأحمر»، وظل الشيخ «عبدالله الأحمر» رئيساً لحزب الإخوان حتى رحيله عام 2007، فتولى من بعده «محمد عبدالله اليدومى» قيادة الحزب. وطيلة هذه السنوات كان رجل الدين اليمنى الشيخ «عبدالمجيد الزندانى» بمثابة المرجعية الدينية للحزب وأقرب إلى ما يُعرف بـ«مفتى الإخوان» فى اليمن.
ويعد رجل الأعمال «حميد الأحمر» -نجل مؤسس الحزب الشيخ «عبدالله الأحمر»- من الممولين الأساسيين للحزب، واتهمه أنصار الرئيس السابق «على عبدالله صالح» باستخدام شبكة الهاتف التى يملكها «سبأ فون» فى الاتصال الآمن فى أثناء محاولة اغتيال «صالح» عام 2011.
ساعد الرئيس السابق «على عبدالله صالح» فى تأسيس حزب الإخوان، وكان هدفه من ذلك أن يكون الحزب مناهضاً ومعادلاً للحزب الاشتراكى شريك «صالح» فى الحكم.
فقد أراد «صالح» أن ينفرد بالسلطة عبر توازن بين حزب الإخوان ذى المكون الشمالى، والحزب الاشتراكى ذى المكون الجنوبى.
وقد تعاون الإخوان مع «صالح» طيلة السنوات الممتدة من عام 1990 وحتى عام 2006 تعاوناً تامًّا، وعبر السبعة عشر عاماً كان الإخوان وحزب «صالح»، «المؤتمر الشعبى»، هما السلطة السياسية فى البلاد، وفى عام 1999، أعلن الإخوان ترشيح «على عبدالله صالح» للرئاسة قبل أن يعلن حزب «صالح» نفسه الترشيح. وكان الجنرال القوى «على محسن الأحمر» هو راعى هذه الصيغة فى التحالف والحكم.
ويرى ناقدو «على محسن الأحمر» أنه هو من أطلق يد الإخوان فى الزحف على مراكز السلطة والنفوذ فى اليمن، وأنه وراء ما يمكن تسميته «الأخونة»؛ حيث ينسب خصومه إليه أنه ساعد الإخوان فى الحصول على مائة ألف وظيفة، عدد كبير منها فى الجيش.
(2)
مثَّل «على محسن الأحمر» رقماً مهماً فى السياسة اليمنية المعاصرة؛ فهو قريب للرئيس «على عبدالله صالح» واعتاد أن يقول إن علاقته بالأخ غير الشقيق «على عبدالله صالح» ثابتة وراسخة. وتأتى صلة القرابة بين «الأحمر»، و«صالح» من زواج والدة الرئيس «على عبدالله صالح» بعد رحيل والده من عم اللواء «على محسن الأحمر».. وأصبح «الأحمر» الساعد الأيمن لـ«صالح» معظم سنوات حكمه، غير أنها تأثرت فى السنوات الأخيرة من جرَّاء استعداد «صالح» لتوريث ابنه «أحمد» السلطة فى اليمن.
كان «أحمد على عبدالله صالح» قائداً للحرس الجمهورى، وكان عدد من الأقارب فى مواقع نافذة؛ حيث كان اللواء «على محسن الأحمر» قائداً للواء المدرع الأول، وكان العميد «عمار محمد عبدالله صالح»، وكيل جهاز الأمن القومى، وكان «يحيى عبدالله صالح» قائداً لجهاز الأمن المركزى، والأخ غير الشقيق لـ«صالح» كان قائداً للقوات الجوية.
وفى مشروع التوريث، بدأ مركز «أحمد على عبدالله صالح» يصعد بقوة على حساب الجنرال «على محسن الأحمر»، القريب من جماعة الإخوان المسلمين.
وتذكر بعض المصادر أن الرئيس «صالح»، فى إطار سعيه الدائم إلى إضعاف مركز «الأحمر»، قام رجاله بتحميل «الأحمر» مسئولية الفشل فى حرب الحوثيين فى أثناء جولات القتال فى عامى 2009 و2010، وأن نظام «صالح» حاول التخلص من «الأحمر» تماماً.. وحسب إحدى البرقيات التى نشرها موقع «ويكيليكس»، فإن نظام «صالح» -الذى أيَّد قيام السعودية بقصف مواقع الحوثيين- قام بإعطاء القوات السعودية إحداثيات مركز قيادة «الأحمر» باعتباره أحد معسكرات الحوثيين من أجل قصفها والقضاء عليه!
لكن تراجُع مركز «الأحمر» فى نظام «صالح» دفعه -حسب البعض- لتوثيق علاقته مع الإخوان ومد الجسور مع تنظيم القاعدة، مستثمراً صلته العائلية ببعض قادتها؛ حيث إن «الأحمر» متزوج من شقيقة القيادى فى القاعدة «طارق الفضلى» الذى كان مقرباً من «أسامة بن لادن» فى أفغانستان قبل عودته إلى اليمن.
(3)
انتقم «الأحمر» من «صالح»، وكانت ثورة الشباب اليمنية الفرصة الذهبية لـ«الأحمر» لإنهاء مشروع التوريث وردّ ما فعله «صالح» إليه؛ حيث بدأ اللواء «على محسن الأحمر» أول انشقاق عسكرى كبير فى نظام «صالح» بإعلان وقوفه إلى جوار الثورة ومهاجمة استخدام القوة مع المتظاهرين.
حظى موقف «الأحمر» بتقدير داخل بعض أوساط الشباب اليمنى الذى أطلق ثورة الحادى عشر من فبراير، لكن أوساطاً أخرى منهم رأوا فى «الأحمر» أحد أركان نظام «صالح» وذراعه الأساسية فى القمع والسيطرة.. كما تحدث الشباب عن استفادة «الأحمر» المالية من نظام «صالح» واستيلائه على مساحات واسعة من الأراضى.
(4)
كان الإخوان المسلمون بدورهم غير قانعين بمشاركة «صالح» فى السلطة، ورأوا أنه من المناسب استثمار ثورة الشباب لإسقاط «صالح» والسيطرة الكاملة على النظام.
شارك الإخوان فى ثورة الحادى عشر من فبراير اليمنية عام 2011، وكان حضورهم واضحاً فى مظاهرات الجمعة التى دعا إليها الشباب اليمنى لإسقاط النظام، وهى الجُمع التى تعاقبت بالأسماء التالية على مدى شهور طويلة:
«جمعة الغضب - جمعة البداية - جمعة التمرد - جمعة التلاحم - جمعة اللاعودة - جمعة الكرامة - جمعة الرحيل - جمعة الخلاص - جمعة الثبات - جمعة الإصرار - الفرصة الأخيرة».
بدأت المظاهرات اليمنية متأثرة بمظاهرات 25 يناير فى مصر، ثم اشتدت مع اشتداد وقائع الثورة المصرية، وفى يوم تنحى «مبارك» عن السلطة فى مصر، 11 فبراير 2011، بدأ التاريخ الرسمى لثورة الشباب اليمنية السلمية التى امتدت عاماً كاملاً حتى فبراير 2012.
تم التوافق على رحيل الرئيس «على عبدالله صالح» عن السلطة واختيار الرئيس «عبدربه هادى منصور» رئيساً للبلاد لمدة عامين من فبراير 2012 وحتى فبراير 2014.
كان خروج الملايين فى اليمن لإسقاط «صالح» متأثراً بالفساد والفقر اللذين انتشرا فى ربوع اليمن، كما أنه كان متأثراً بعملية التوريث واستعداد نجل «صالح» لتولى السلطة، كما أن الثورة المصرية كانت ملهماً أساسيًّا للشباب اليمنى الذى رأى «مبارك» وقد سقط.. فرأى فى ذلك رسالةَ أملٍ لا تغفلها عيْن.
الجزء الثانى.. الأسبوع المقبل بمشيئة الله
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
نقلا عن الوطن