بقلم : د.عبد الخالق حسين
الحكمة تفيد، أنه "من السهل أن تبدأ الحرب ولكن من الصعب الخروج منها". وأفضل مثال هو تورط صدام حسين عندما شن الحرب على إيران عام 1980 معتقداً أن الجيش الإيراني مفتت وغير موالي لحكومة الثورة الإسلامية، وأن حربه هذه ستكون خاطفة لن تستغرق أكثر من عشرة أيام، على غرار الحروب الإسرائيلية الخاطفة على العرب، تنتهي بتحقيق نصر سهل وسريع، ويصبح صدام بسمارك العرب. والنتيجة أن الحرب استمرت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل في البلدين، وما تبعها من حروب أخرى انتهت بنهاية صدام ونظامه الفاشي إلى الأبد. وهذا هو منطق التاريخ.
النظام السعودي لا يقل فاشية وعنصرية وطائفية عن النظام البعثي الصدامي إن لم يكن أسوأ منه. فعادة تحاول العائلة السعودية المالكة تجنب الحروب المباشرة، فعندما بدأ الصراع بين إيران والسعودية على أثر الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979، وخوفاً من تصدير الثورة إلى الدول العربية، لجأت السعودية ومعها الدول الخليجية الأخرى وأمريكا إلى خدع الشقي صدام حسين ودفعه لشن الحرب على إيران نيابة عنهم بحجة "حماية البوابة الشرقية للأمة العربية"، ومدوه بالمال الوفير والدعم اللوجستني والاستخباراتي والسلاح، وقالوا له (منا المال ومنك الرجال).
وبعد إسقاط النظام الفاشي في العراق وبدعم أمريكا، وإقامة نظام ديمقراطي فيه، ومنح جميع مكونات الشعب العراقي الفرصة للمساهمة في الحكم الجديد والتخلي عن حكم المكون الواحد السابق، وحصل الشيعة والكرد وبقية المكونات على حقوقهم الوطنية العادلة، جن جنون السعودية وبقية الأنظمة العربية، فناهضوا النظام العراقي الديمقراطي، وكعقوبة منهم للعراق، اعتبروا دعمهم المالي لصدام خلال حربه على إيران ديوناً على الشعب العراقي، و وظفوا العقيدة الوهابية الفاشية المعادية لكل الأديان والمذاهب، لإثارة الشحن الطائفي ضد الشيعة وكذلك ضد إيران، الأمر الذي شجع إيران للعب دور قوي في دعم النظام العراقي الجديد. وهذا ما أثار حقد وغضب السعودية أكثر فأكثر.
ومن جانب آخر، ومنذ إعلان الثورة الإيرانية، راحت إيران تدعم المكونات المضطَهدة في البلاد العربية، ليس الشيعة فحسب، مثل حزب الله في لبنان، بل وحتى التنظيمات السنية المناهضة لإسرائيل مثل حماس في غزة/فلسطين. وهذا الوضع الجديد جعل السعودية والأنظمة الخليجية تتمادى أكثر في اضطهاد الشيعة في بلدانها والتقرب إلى إسرائيل والتحالف غير المعلن معها. فكانت مثلاً ثورة الحوثيين في اليمن، وانتفاضة الشيعة في البحرين (يشكل الشيعة في البحرين نحو 80% من الشعب وهم محرومون من أبسط حقوق المواطنة). وكان رد فعل السعودية أن أرسلت قواتها (درع الخليج) فارتكبت مجزرة رهيبة ضد الشعب البحريني لم يسلم منها حتى الأطباء ومساعدوهم لأنهم عالجوا ضحايا العدوان من البحرينيين. والحجة أن هذه الانتفاضات هي من صنع إيران.
في صحيفة الغارديان اللندنية اليوم (29/3/2015 )، كتب الباحث في شؤون الشرق الأوسط السيد نسيبه يونس: (إيران لم تنسق الانتفاضات في البحرين وإنما سبب هذه الانتفاضات هو الظلم والمطالبة بالحقوق. وإيران لم تخلق ميليشيات في العراق، بل انضم الشيعة العراقيون طوعا إلى الميليشيات من أجل الدفاع عن أنفسهم وبلادهم. وفي هذه الحالة تسعى إيران إلى استغلال الفرصة، وتعمل على دعم الجهات الناشطة المحلية التي تناضل ضد المظالم، ولزيادة قوتها ونفوذها في المنطقة. ولذلك فالتمادي في قمع تلك الجهات المظلومة ليس هو الحل.)(1)
ونتيجة الدعم الإيراني للفئات المهمشة والمضطهدة في البلاد العربية، وتخاذل الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية، وتواطئها مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، صارت إيران تتمتع بشعبية واسعة في العالم العربي. ففي عام 2006، حققت إيران شعبية حوالي 75٪ في العالم العربي والإسلامي، وأحرزت 85٪ بين الجمهور السعودي. ويستنتج الكاتب قائلاً: (إذا كانت السعودية تريد حقا تقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، يجب عليها أن تقر بمعالجة آلام ومعاناة الفئات المهمشة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وذلك بإعطائهم حقوقهم ودعوتهم الى طاولة المفاوضات هي أفضل وسيلة لعزلهم من النفوذ الإيراني.) ... ولكن بدلاً من ذلك، وكما ينقل لنا الكاتب اعتماداً على تقرير من وكيليكس، "أن السعوديين قد حضوا الولايات المتحدة على "قطع رأس الأفعى" من خلال تعزيز العقوبات وقصف إيران."(نفس المصدر).
والسؤال الآن هو، ما الذي دفع السعودية، الأغنى دولة في العالم إلى شن حرب ظالمة على اليمن، الأفقر بلد في العالم؟
السبب هو ليس سيطرة الحوثيين على الحكم، وهزيمة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، ومن ثم إلى الرياض، بل هو خوف السعودية من توسع النفوذ الإيراني، وخاصة بعد أن اقتربت المفاوضات الإيرانية مع مجموعة الـ (5+1) بقيادة أمريكا في جنيف، إلى حل يبدو في صالح إيران وخروجها منتصرة كقوة عظمى في المنطقة. ويبدو أن السعودية صارت تخاف أن تتخلى عنها أمريكا، لذلك قررت أن تشن هذه الحرب على اليمن للحد من النفوذ الإيراني!
وكما أشرنا أعلاه، فثورة الحوثيين ليست بتحريض من إيران كما تحاول وسائل الإعلام السعودي والعربي تضليل الرأي العام، وإنما هي نتاج مظالم الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ الانقلاب على النظام الملكي وإلى الآن. فإيران ليست لها قوات عسكرية في اليمن لدعم الحوثيين عدا الدعم المعنوي واللوجستي. وتشيُّع الحوثيين (الزيدي) يختلف عن التشيع الإيراني (الإثني عشري). ولذلك فالصراع هو لأغراض سياسية بحتة والنفوذ. إذ كما ذكر روبرت فيسك في الإندبندنت اللندينة، إن العائلة السعودية خائفة من داعش، وخائفة من الشيعة، وخائفة من إيران وخائفة من اليمن، وخائفة من أمريكا وخائفة من إسرائيل، بل خائفة حتى من نفسها، و من قواتها الأمنية أن تنقلب عليها !!!(2)
نعم، العائلة السعودية خائفة حتى من نفسها ومن خيالها. إذ هناك أنباء تفيد عن انشقاق داخل الأسرة الحاكمة، وأن عدداً من الأمراء ضد تورط بلادهم في الحرب على اليمن، وعلى رأس هؤلاء متعب ابن الملك عبدالله. وأن الملك الحالي، سلمان بن عبدالعزيز يعاني من شتى الأمراض، من بينها بدايات الخرف (مرض الزهايمر)، فهو كثير النسيان، وعاجز عن صنع القرار. أما وزير الدفاع فهو الأمير محمد ابن الملك سلمان في الثلاثين من العمر، يفتقر إلى أبسط ثقافة وخبرة في السياسة ناهيك عن الحرب. وبذلك فيعتقد أغلب المحللين السياسيين وخاصة في الغرب، أن هذه الحرب قد تؤدي إلى صراع داخل العائلة الحاكمة وربما إلى انهيار الحكم السعودي.
ومهزلة المهازل هي، ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي في شرم الشيخ بتاريخ 28 آذار الجاري يدعو "لإنشاء قوة عسكرية عربية، تشارك فيها الدول اختياريا، وتتدخل هذه القوة عسكريا لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنية، وهو القرار الذي تحفظ عليه العراق".
فلو تم الأخذ بهذا القرار الغريب العجيب، لاعتبرت أغلب الحكومات العربية غير شرعية، إذ كما جاء في مقال للسيد سالم مشكور: (غريب أن نسمع الرئيس المصري يقول أن ما حدث في اليمن هو انقلاب على الشرعية، وإنه مستعد لإرسال قواته لإعادة الحكم الى الشرعية. فلو كانت كل «شرعية» لا يجوز الانقلاب عليها، فان حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي كان شرعيا (بذات المعيار) أيضا، والسيسي أطاح به. هل يعني ذلك ان حكم السيسي الآن غير شرعي؟ وهل ان من حق دول معادية له مثل قطر وتركيا استخدام أموالهم لاستخدام قوات باكستانية لمهاجمة مصر و"إعادة الشرعية"؟(3)
يبدو أن السعودية بلغ بها الغرور إلى حد الثمالة بسبب تراكم الثروة النفطية إلى أرقام فلكية هائلة فوق التصور والخيال، فاعتقدت أنها بإمكانها شراء الحكومات وجيوشها وتحريكها كما تشاء. ولحد الآن، نجحت في تحويل جيوش عشر دول عربية وباكستان إلى جيوش مرتزقة للإيجار، ومع الأسف الشديد حتى الجيش المصري لم يسلم من الإغراء السعودي، وهذا ليس في صالح الشعب المصري الذي له تاريخ مؤلم في اليمن وهو يعاني اليوم من المليشيات الإسلامية السنية (الإخوانية) ذات العقيدة الوهابية. إنها (فزعة عرب) ضد اليمن، بقيادة السعودية ولأغراض شريرة. وفي هذه الحالة، وكما نفهم من دروس التاريخ، فلا بد وأن يكون مصير النظام السعودي الزوال كمصير النظام البعثي الصدامي، وأن تورط السعودية في هذه الحرب الجائرة على الشعب اليمني هو بداية النهاية لمملكة الشر، وإن غداً لناظره قريب.
روابط ذات صلة
1- Nussaibah Younis: The Saudi-Iran power play behind the Yemen conflict
2- Robert Fisk: The battle for the Middle East's future begins in Yemen as Saudi Arabia jumps into the abyss
3- سالم مشكور: عاصفة الغرائب!