الأقباط متحدون - عاصفة الحزم.. رؤية تحليلية
أخر تحديث ٠٣:١٣ | الأحد ٢٩ مارس ٢٠١٥ | ٢٠برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥١٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

"عاصفة الحزم".. رؤية تحليلية

وسام باسندوه
وسام باسندوه

وسام باسندوه "عاصفة الحزم".. رؤية تحليلية الأحد، 29 مارس 2015 - 07:03 م اليمن الآن فى حالة اختطاف، ميليشيا إرهابية خرقاء بالتعاون مع رئيس سابق لم يتخلص بعد من عقدة أنه غادر السلطة، تختطف البلاد بشعبها بكل مقدراتها وتأخذها رهينة وتطالب بفدية، إما أن يحكموهم أو يقتلوهم. منذ بداية اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء، وتماديهم وغيهم فى جر اليمن إلى مصير مجهول، مع غياب أية رؤية سياسية أو رغبة حقيقية فى المشاركة، والاكتفاء بالولوج إلى العملية السياسية من باب السلاح والقوة والعنف، كنا نؤكد على نقطتين أساسيتين؛ أولا، عدم الانجرار للعنف والإبقاء على المقاومة السلمية، فهى المصدر الأساسى لقوة هذا الشعب، ثانيا، بأننا لا يمكن أن ننجر للاستعداء على بلدنا مهما كان حجم الجور الذى يمارسه الحوثيون وحليفهم، ومن هنا كان الموقف الثابت من عدم الرضى عن قرار مجلس الأمن الذى وضعت بموجبه اليمن تحت الفصل السابع . لكن يبدو أن الحوثى والرئيس السابق تعاملا مع هذا القرار باستخفاف مبالغ به، صحيح أن لا أحد كان يتوقع أنه من الممكن تنفيذ هذا القرار، خاصة وأنهم لا يمثلون السلطة الرئيسية فى الدولة، وبالتالى كان هناك صعوبة حقيقية فى إمكانية التدخل، لكن الحوثيين مع الأسف سعوا لجعل العملية ممكنة، حين انهار الغطاء الشرعى الذى كانوا يتدثرون به باستقالة الرئيس والحكومة، وبتمادى الرئيس السابق الذى نجح خلال المرحلة الانتقالية بالكامل بالعمل من وراء ستار، وعندما كانت توجه له أصابع الاتهام كان ينكر مؤكدا أنه خارج المشهد وبأنه سلم كل ما يملكه للدولة، لكن مع نجاح الرئيس بن هادى بالخروج من الإقامة الجبرية التى كان الحوثيون قد فرضوها عليه فى العاصمة صنعاء ووصوله إلى عدن، تغير المشهد، وخرج صالح لأول مره ليلقى خطابا مهددا متوعدا وكان الخطاب بالكامل يوضح أن الرجل لايزال يتصدر العملية السياسية وأنه مقدم على الحرب. وبدأت الإجراءات الفعلية تتسارع، فمن جهة بدأ صالح وزمرته بالاستعداد للحملة الانتخابية التى ينوى من خلالها تنفيذ حلم مشروع التوريث، وأخرج المظاهرات التى ترفع هذه الشعارات والصور، ومن جهة أخرى جرى تحريك القوة العسكرية التابعة له فى المحافظات الجنوبية للسيطرة عليها، كما حركوا سلاح الجو لقصف مقر إقامة الرئيس هادى فى عدن، وبالتزامن مع هذه التحركات تم الإعلان عن أن الرئيس بن هادى قدم طلبا رسميا لدول الخليج للتدخل بقوات درع الجزيرة.

وفى منتصف ليلة الخميس 25 من مارس، فى تلك الليلة الظلماء حين كان اليمنيون ينتظرون سقوط العاصمة المؤقتة وعاصمة دولة الجنوب سابقا عدن بيد الحوثيين خلال ساعات، بعد أن باتت الميليشيا المعتدية على ُبعد بضعة كيلومترات فقط، ولم يكن لأحد أن يعلم ماذا كان سيكون المصير بعد أن انتشرت الفوضى وعمليات النهب مع كل تقدم لقوات الحوثيين فى المحافظات الجنوبية خلال اليوم، فوجئ اليمنيون جميعا بأصوات ظنوها بداية انفجارات، لكن الأمر لم يكن كذلك، فسرعان ما بثت القنوات الإخبارية البيان السعودى الذى يعلن عن بدء العملية الجوية المسماة "عاصفة الحزم". يمكن النظر للعملية من منظورين، الأول قانونى بحت؛ حيث جاءت العملية بناء على طلب الرئيس الشرعى بن هادى بالاستناد للمادة 51 الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذى يكفل للدول ذات السيادة أن تقوم باتخاذ التدابير اللازمة للدفاع الطبيعى عن النفس فى حالة وقوع عدوان عليها، ويمكن للدول أن تقوم بالدفاع عن نفسها بمفردها أو بطلب من دولة أو دول أخرى وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. المنظور الآخر هو المنظور الإنسانى والوطنى، فلا يمكن لإنسان طبيعى أن يفرح بالحرب والدماء، ولا يمكن لإنسان وطنى أن يتقبل أن تتعرض بلاده للقصف وتدمير المنشآت، التى تبقى فى كل الأحوال ملك الوطن، أو أن يقبل أن يروع أهله. فى القلب غصة أن وصلنا لهنا، وصلنا هنا بسبب الرئيس السابق بالدرجة الأولى ومن ثم حلفائه الحوثيين وتعنتهم ومكابرتهم وأطماعهم.

لكن ما العمل؟ كان اليمنيون منذ بداية الأزمة يشعرون بل ويصرحون بأن العرب تخلوا عنهم، صحيح أن المقصود أبعد من هذا بكثير، بمعنى أنهم يلومون على أشقائهم العرب أنهم لم يستثمروا فى تنمية حقيقية فى اليمن، بأنهم لم يقدموا دعما يعود بتنمية مستدامة. لكن تبقى هناك حقيقة أن العملية العسكرية لم تكن عملية متسرعة، فهى لم تأتِ بعد أسبوع أو شهر على اقتحام الحوثيون صنعاء وسيطرتهم على المؤسسات، ولا عقب استقالة حكومة بحاح والرئيس، ولا بعد فرض الإقامة الجبرية عليهما، ولا بعد وصول الرئيس عدن مباشرة، بل مرت ستة أشهر من إسقاط الحوثيين للعاصمة، وشهر من وصول الرئيس لعدن، وخلال كل تلك الفترة كان الأشقاء العرب يعطون المسار السياسى الأولوية. لكن الحوثيين وحلفائهم كما استخفوا بالقوى السياسية بالداخل، استخفوا أيضا بالمحيط. فمن يقول إن الأزمة يمنية وفقط، عليه أن يتذكر أن الحوثيين من أقحموا الخارج بها أولا، بعد أن فشلوا داخليا فاتجهوا لتصدير أزماتهم للخارج، حين ذهبوا لعمل مناورات على الحدود السعودية، وحين تتحدث أبواقهم الإعلامية ليلا ونهارا عن تغيير الاتفاقية الحدودية، ويمنون جمهورهم بغزو المناطق الحدودية، حين تحركت القوات التابعة لصالح وميليشيات الحوثيين للسيطرة على باب المندب، وقبل كل ذلك حين فتحوا الخطوط الجوية والبحرية على مصراعيها للإيرانيين، بكل ما تحمله من تدريبات عسكرية ونقل سلاح ومقاتلين وغيره، فأعطوا الآخرين المسوغ ليقلقوا ويتحركوا لحماية أنفسهم . هناك من يقول أيضا إن العملية تستهدف مصالح الدول المشاركة فيها لا مصلحة اليمن، ما العيب؟

من حق كل دولة أن تحمى نفسها طالما تملك حق الردع، ثم إن العملية جاءت بعد ان أنهارت كل قدرات الرئاسة فى السيطرة على البلاد، حين ُقصِف مقر ورمز الكرامة والشرعية بالطائرات، حين عجز القائد الأعلى للقوات المسلحة عن تحريك فرقة أو طائرة. ماذا بقى من مفاهيم السيادة الوطنية والكرامة؟ وأين هى هذه المقدرات؟ هذه المقدرات ليست ملكا لهذا الشعب صارحوا أنفسكم، لم يملكها يوما، كما عادت الأزمة لتكشف بوضوح بأنه ولن يملكها أبدا فقد جيرت كلها لصالح شخص وأسرة. الحوثيون وصالح من يتحمل مسؤولية هذه العملية، هم المسؤولون عن تدمير البلاد من قبل ومن بعد. سهل جدا أن نقول لا للتدخل أيا كان نوعه، وأن نقول لا للحرب وكذلك لا للحوثيين، كلام جميل كلنا معه، لكن ما العمل؟ الحل فى المقاومة السلمية؛ جميل، انطلقت المقاومة السلمية خلال الأشهر الماضية فى كل مكان، صحيح أنها نجحت فى تعطيل تمددهم، لكن فى الفترة الأخيرة حين كانوا جاديين فى إنهاء الأمر سقط 10 شهداء خلال ساعات فى مدينة تعز وحدها، ناهيك عن شهداء الجنوب الذين لا توجد إحصائيات تكشف عن أرقام الضحايا. وكانت فاتورة الدماء سترتفع، فما كانوا ليعبئوا بأى شىء، الهدف كان استكمال السيطرة بقوة وبسرعة، جميعنا أسقط فى يدنا كنا نصرخ كالمجانين حتى انقطع النفس وبدأت الآمال تتلاشى ورايات الاستسلام ترفع، تذكروا كل هذا جيدا. الآن سبق السيف العذل، الحرب انطلقت، على صالح والحوثى أن يعلما أنها النهاية، وأن من الحماقة الاستمرار فى الحرب، يمكن لساكن الجبال الذى يقود هذه العملية متمترسا داخل كهفة، أن يرفع شعارات الصمود إلى ما لانهاية، ويقود البلاد كلها للمحرقة. الحل فى تحكيم العقل والعودة للمفاوضات، مفاوضات جدية متكافئة، بندية ليست كمفاوضات بن عمر الفائتة، حين كان الحوثيين وحدهم من يستقوون بالسلاح، بينما الطرف الآخر لا يملك شيئا، العملية العسكرية الآن حققت نوعا من توازن الردع الذى يمكن أن يقود إلى هذا التكافئ.

على صالح والحوثى أن يعلما أيضا أن التنازل من أجل الوطن ليس مهينا، المهين قيادة اليمن واليمنيين للموت والاقتتال، المهين أن تنزلق اليمن أكثر من ذلك للهاوية، وسبق للطرفان صالح والحوثى أن خاضا ضد بعضهما البعض ستة حروب وفى كل مرة كانت هذه الحرب تنتهى بهدنة وتوقيع اتفاق، لم لا يفعلانها الآن؟ الحقيقة أن دعوات التعقل هذه ربما لاتجد آذانا صاغية لدى من يحارب بالأطفال ويقود المناصرين له للموت، خاصة وأنه سيبقى ينتظر المدد من حليفه الإقليمى الذى يعول عليه كثيرا، وقد لا يستجيب إلا إذا اقتنع بأنهم لن يتدخلوا، لذا التوازنات الإقليمية والصفقات والمقايضات التى تعقد من خلف الكواليس ستبقى تلعب دورا مهما فى تقرير مصير اليمن واليمنيين مع الأسف، لأن لدينا سياسيين مرتهنين للخارج. العودة للمسار السياسى يجب أن يسبقها سحب السلاح والميليشيات ووقف الأعمال التوسعية، وتسليم كافة الوحدات العسكرية والسلاح للدولة، الجميع يجب أن يسلم للدولة،لا يبرر أحد موقه بحجة عدالة قضيته أو أنه مضطر للإبقاء على ميليشياته لأغراض الدفاع عن النفس، هذه المبررات تطرحها كل القوى المتصارعة فى ليبيا وسوريا والعراق، فما النتيجة ؟ النتيجة الاستمرار لأعوام فى مسلسل بين التقدم والتقهقر اليومى الجميع فيه خاسر، والبلاد دمرت والمواطنين مشردين، والسياسيين الأنانيين والانتهازيين يجوبون العالم فى جولات مفاوضات لا تنتهي.. تعقلوا.. اسحبوا الميليشيات.. أوقفوا الحرب.. وابدأوا التفاوض.

• كاتبة يمنية

نقلا عن اليوم السابع


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع