بقلم: مادلين نادر
أصبح موضوع القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ففى كل يوم نجد أنفسنا، رضينا أم لم نرض، محاطين بتساؤلات وآراء ممن هم حولنا، سواء فى العمل، أو فى وسائل المواصلات، أو حتى عند زيارة الطبيب، أو الأهل والأصدقاء...وحوار وجدل لا ينتهى. وكتير من الناس فى حالة من التخبط والصراع الداخلى بين ما يشعرون به وما يعتقدون فيه من معتقدات دينية، وبين الإحتياجات الإنسانية..الخ.
لقد حاولت الإهتمام أكثر بآراء الناس، وخاصة غير المُعلنة، فكنت أتحدث مع الكثير من الناس لمعرفة آرائهم فقط، لا لعمل تحقيق صحفي، فكانوا يتحدثون عما يخفونه بداخلهم من أفكار ومشاعر كانت متضاربة فى أغلب الأحيان.
سوف أروى لكم ما حدث معى فى يوم واحد مشحون بالعمل، والآراء المختلفة أيضًا حول هذا الموضوع. وكانت البداية فى مؤتمر حول موضوع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين..ولن أتحدث لكم عن آراء المتخصصين الحاضرين للمؤتمر وما قيل فيه، لكنى سأسرد لكم بعض الكواليس التى دارت، والحوارات الجانبية حول الموضوع. فبمجرد ما قيل أن الأسقف الذى كان سيحضر متحدثًا فى المؤتمر باسم الكنيسة الأرثوذكسية سوف يتأخر عن موعده ولكنه سيأتى، همهمت احدى الحاضرات للمؤتمر، وتحدثت إلى من بجوارها قائلة: "ولا هيجى ولا هيسأل أصلاً، هو ما عندوش حاجه يقولها، وهيريح دماغه من الأسئلة ووجع القلب".
وكم تمنيت أن تكون هذه السيدة مخطئة، ولكن للأسف انتهى المؤتمر ولم يحضر الأسقف الأرثوذكسى، وتم الإكتفاء فى المؤتمر بأحد المحامين ليتكلم عن موقف الكنيسة الأرثوذكسية.
وفى أثناء المناقشات، همست شابة أخرى قائلة: "هما بيتكلموا عن إن الطلاق لعلة الزنا بس..خليهم يروحوا الصعيد ويشوفوا المهاذل اللى بتحصل، وازاى ممكن يزنى الزوج ويتم الطلاق، وبالرغم من كده الراجل ده يتجوز تانى ...ولّا الكهنة والقسس اللى معاهم دفاتر وبيجوزوا الناس من غير المعايير اللى الكنيسة حطاها...هما بيتكلموا فى إيه ما يقولوا كلام واقعى."
ووسط هذه الهمهمات تكلم أحد المتحدثين بالمؤتمر عن أهمية إقرار الزواج المدنى، وأن الكنيسة لا تعتبر من يتزوج مدنيًا زانيًا أو تفصله عن الكنيسة وعن ممارسة الشعائر الدينية..وعادت التعليقات من جديد، وكتير من الموجودين بدأ كل واحد يتحدث إلى من بجواره..
وانتهى المؤتمر، ولكن من كانوا يتحدثون عن أهمية التمسك بإنه لا طلاق الإ لعلة الزنا، وجدتهم يتحدثون بعد انتهاء المؤتمر بشكل ودى مع بعضهم البعض ويقولون: "هى فعلاً الأيام بقت صعبة، والمشكلات بقت معقدة قوى، وهو المجلس الإكليريكى فى الكنيسة الأرثوذكسية وَلّا المجالس المختصة فى الطوائف التانية، هتلاحق ازاى على الحالات اللى بتيجى لها، حتى لو كانت (4) الآف حالة فده عدد مش قليل خالص، يعنى (8) آلاف زوج وزوجة، ناهيك عن الأبناء، وكمان العائلة الكبيرة الأب والأم للزوجين، كلهم بيعيشوا مأساة حقيقية بتحتاج لتدخل سريع، ولكن برضه ما هو ما ينفعش يبقى الطلاق والجواز كده بالساهل، ويبقى خراب البيوت أسهل حاجة، وكله يقول أصله فى استحالة عشرة..!!! ."
خرجت من المؤتمر وبدلاً من أن يجيب المؤتمر عن تساؤلات لدىّ، فلقد أثار لدىّ أسئلة جديدة، وتخوفات جديدة، وشعرت إنه لا توجد آراء واضحة وخطوط عريضة تمكننا من تفهم القضية والتعامل معها.
وذهبت إلى عملى، وبدأت أتصفح بعض الجرائد، ولقد كان نفس الموضوع مُثارًا على صفحات كافة الجرائد، سواء اليومية أو الأسبوعية، فهناك العديد من الأخبار والمقالات التى تتحدث عن قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين. وكانت هناك مقالات تُنادى بأنه يجب وضع قانون مدني موحد لكل المصريين، مسيحيين ومسلمين، قائم على احترام حقوق المرأه والرجل بالتساوى طبقًا للمادة الأولى من الدستور. وهناك من يرى أن الأمر كله متعلق بالكنيسة والعقيدة، ولا تدخل للدولة فى ذلك...الخ.
ولكن كانت هناك مع الآراء المختلفة، أخبارًا أيضًا توحى بالصراعات فيما بين الكنائس، وبدأت الصحف تتبارى فى العناوين والمانشيتات العريضة حول الموضوع، فيتحدثون عن الصراع المسيحي المسيحي، وخلافات طاحنة بين الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الأرثوذكسية، واتهامات متبادلة بين رجال الدين المسيحي...ومخاوف أرثوذكسية، من موقف الإنجيليين...
وبعد إنتهاء وقت العمل، توجهت للعودة للمنزل أملاً فى أن تنتهى التساؤلات، أو أن تجيب جلسات لجنة وزارة العدل فى الفترة المقبلة عن تساؤلاتنا ...و لكن للأسف، ففى وسائل المواصلات جلست بجوارى شابة محجبة من طالبات الجامعة، وسالتنى: "أنتِ مسيحية؟"، ولما أجبت إننى مسيحية، بدأت الحديث معى حول نفس الموضوع وقالت: "بصراحة أنا عندى رأي فى الموضوع ده؛ لأنى شايفة إن فى ظلم على المجتمع كله، مسيحيين ومسلمين، المفروض إن الدولة تحمي الحقوق الإنسانية الأساسية للمواطن، فيكون للإنسان حق الإنفصال من زيجة فشلت ولم يعد يجد فيها أى أمل...
وعلى الدولة كمان إنها تحمي حقه في إنه يتجوز مرة تانية ولو مدنيًا، وليس عليها أن تفرض على البابا الموافقة على تلك الزيجة، ولكن على الدولة أن تحمي حق المواطن في أن يبقى على إعتقاده بدينه، وأن توفر له حرية التعبد، حتى ولو اختلف في وعيه للدين عن المؤسسات دينية؛ لأن المؤسسات الدينية دورها هو بناء الوعي والأخلاق والتعليم الدينى بالحكمة والموعظة الحسنة والإقتناع الحر.
علشان كده المفروض الدولة تراعي في قوانينها الآراء الدينية من غير ما تمس الحقوق الإنسانية الأساسية، يعنى مثلاً، فى شيوخ لا يرون حق المرأة في طلب الطلاق مثل حق الرجل (وما كان يسمى بيت الطاعة زمان)، ومنهم من يرى حق الرجل ألا يُعلم زوجته بزواجه بأخرى..لكن هنا على الدولة حماية لحق المرأة أن تعطيها الحق بالمعرفة بزواجه بأخرى، وحقها بطلب الطلاق دونما موانع؛ لأن في ذلك حماية لحق المرأة وحريتها، وألا تُقهر على علاقة لم تعد تقبل بها، لكن إذا كان هناك نساء تؤمن بتلك الأراء الدينية، فلها أن تطبقها بإرادتها، ولكن لا تُفرض بسلطة الدولة."
وأثناء حديث هذه الشابة إلىّ، تحمست سيدة مسيحية أخرى كانت تجلس أمامنا، ولم يعجبها كثيرًا رأي هذه الفتاة، فدخلت معنا فى حوارنا وقالت: "تفتكروا يعنى إن ربنا ماكانش عارف بعلمه السابق ما سيحدث من تطور المجتمع، وما عليه نحن الآن من تطورات وظروف صعبة؟..فإذا كان الزواج الثانى هو الحل للإنسان، لكان ربنا وضعه منذ الأزل، ولا كنا فى حاجة إلي ما نحن عليه الآن، ولكن طالما نصوص الكتاب واضحة وصريحة "لا طلاق الإ لعلة الزنا" يبقى لازم نفهم كده كويس، لأن الإنسان ينظر دائمًا إلي ما يراه هو مناسبًا علي عكس الله الذي يحب أولاده وأتي لخلاصهم"، ولم نستطع أمام حماس هذه السيدة غير أن نقول لها: إنها وجهة نظر يجب أن نحترمها...فلقد كان حديثها إلينا بطريقة غير قابلة لللنقاش.
وقبل أن تتركنا هذه السيدة قالت : "ربنا يقوى قداسة البابا عليهم وعلينا، لحسن الموضوع بقى صعب وعمال يتعقد قوى."
و قبل الذهاب للمنزل قمت بزيارة احدى صديقاتى، وهى طبيبة فى عيادتها الخاصة، فما كان منها بمجرد وصولى إليها الإ أن قالت لى: بما أنك فى الصحافة، إيه بقى آخر أخبار موضوع الجواز والطلاق ده؟..ودار بيننا حوار سردت فيه بعض مما قد سمعته وقرأته حول هذا الموضوع. فقالت صديقتى: "يا خبر، احنا مشاكلنا بقت على كل لسان، بقى مش المفروض كنا نحل مشاكلنا مع بعضنا بدل البهدلة دى؟ والكلام الكتير اللى بيتقال ويتكتب ومش حقيقي؟ وخلى الناس تبقى مخنوقة وهى مش عارفة الحقيقة؟ زى حكاية الدكتور اكرام لمعى اللى اتقال إن البابا "شنودة" طلب استبعاده من لجنة وزارة العدل، وإنه تم رفض دخوله اللجنة لما ذهب إليها، وهو أصلاً ما كانش من الناس المرشحة من قبل وزراة العدل أو الكنيسة للإشتراك فى هذه اللجنة..و طبعا اتعمل على الموضوع ده قصص وحكايات، والخبر نفسه من الأساس مش صح..ربنا يرحمنا."
تركت صديقتى متوجهةً إلى المنزل، وقررت ألا أتحدث فى هذا الموضوع أو أقرأ عنه فى هذا اليوم ثانيةً، فلقد شعرت بتضارب شديد بين ما أشعر به تجاه الموضوع، وبين الآراء الدينية، وبين آراء الحقوقيين المهتمين بحقوق الإنسان الأساسية، ومنها الحق فى الزواج وتكوين أسرة...وقررت أن أشاهد التليفزيون، وبمجرد ما فتحت التليفزيون، وجدت أمامى الدكتور "اكرام لمعي" يتحدث عن نفس الموضوع وبيقول: "ما ينفعش يكون فى عقوبة أبدية لمن يخطىء، يعنى لو واحد زنى يفضل طول عمره يتعاقب إزاى كده، ممكن فعلاً يتعاقب وما يتمش تزويجه مرة تانية الإ بعد ما يجى ويعلن توبته. ففكرت بعض الوقت فيما يقوله: فهل الأمر بهذه السهولة، يزنى شخص ويعود بعدها بفترة قصيرة ويقول أنا توبت فيزوجونه!..
ولكن أيضا هل توجد خطية بعقوبة أبدية فعلاً؟ لم يحدثنا الكتاب عن خطية من هذا النوع...ولكنى أفقت على إننى استغرقت أيضًا فى التفكير والصراع مرة أخرى، رغم إننى كنت قد اتخذت قرارًا بعدم التحدث أو حتى التفكير فى هذا اليوم عن الجدل حول الأحوال الشخصية، ولكن يبدو أن الصراعات والجدل الحادث أصبح جزءًا من حياتنا اليومية، وأضاف لحياتنا شجونًا وصراعات فوق ما كنا نحمله على أكتافنا كل يوم.