بقلم منير بشاى- لوس انجلوس
لا أعلم من ابتدع تعبير "ازدواجية" الجنسية ليصف به المصريين بالخارج ممن حصلوا على جنسية بلاد الهجرة بالاضافة الى جنسيتهم المصرية الأصلية.
ولكن بعد تأمل فى الكلمة ومغزاها اجزم انها صدرت اما عن جهل او كراهية. وشخصيا ارجح أن من ابتكر التعبير غالبا كانت تحركه مشاعر سلبية تجاه المصريين بالخارج.
ناهيك ان تعبير "ازدواجية" الجنسية عند المصريين فى الخارج قد انتشر واصبح على كل لسان رغم ما فيه من من عوار. وحاليا اصبح استعمال "ازدواجية" امرا واقعا ليس لأنها الكلمة الصحيحة، ولكن فى غياب كلمة اخرى متداولة بين الناس تعبّر عن المعنى الصحيح.
كانت الكلمات دائما أداة فى يد خبراء الدعاية الكاذبة (البروباجاندا) ليصلو بها الى عقول البسطاء. والامر لا يحتاج منهم سوى اطلاق كلمة، تحمل جزءا من الحقيقة واجزاء أخرى من الضلال، فتسرى الكلمة كالنار فى الهشيم ويتحول بها الابيض الى اسود والاسود الى ابيض. ومن الطبيعى ان يساعد على ذلك وجود امية فى المجتمع المصرى تصل الى حوالى 40%
"الازدواجية" كلمة تحمل معنى التلون والنفاق. وتطابق فى اللغة الانجليزية الكلمة “Duplicity” التى تستخدم لتعنى "الخداع" وتعنى بالانجليزية Double”" وبالعربية "مزدوج". والكلمة تحمل معنى التعامل بطريقتين بحسب ما تمليه المصلحة. ومن هنا جاء التعبير الانجليزى “Double dealing” او “Double faced” أو كما يقال باللغة العربية الدارجة "بوشين" اى ان يظهر الانسان بوجهين، وجه يطرى الناس فى حضورهم، ووجه آخر يكيل لهم المذمات بمجرد ان يديروا ظهورهم.
من هنا نرى ان كلمة "الازدواجية" تعبّر عن معانى غير شريفة. وليس كذلك كلمة "الثنائية". فالازدواجية تحمل معنى تعارض الوسائل مع ما هو مقبول بغرض الغش والخداع. اما الثنائية فتعنى اضافة الموارد لما هو نافع بقصد الاثراء وتكثير الفوائد.
وهناك امثلة كثيرة فى حياتنا العملية توضح الفارق بين الازدواجية والثنائية:
• الازدواجية هى حب الرجل المحرم لعشيقته الذى ياخذ مكان محبته لزوجته.
أما الثنائية فهى محبة الرجل الشرعية لأمه بالاضافة لمحبته لزوجته.
• الازدواجية هو استعمال اللغة العامية المتدنية الى جانب اللغة العربية الصحيحة فتضعفها.
أما الثنائية فهى تعلم لغة اخرى كالانجليزية او الفرنسية بالاضافة الى اللغة العربية فيزداد الانسان قدرة على فهم الغير والتواصل معهم.
• الازدواجية هى الانضمام لجماعة منشقة على الوطن بقصد الاضرار بوحدته وسلامة اراضيه.
أما الثنائية فهى التعامل مع دولة اجنبية شرعية بهدف خدمة الوطن والمواطن.
وبالتالى فان ابناء مصر فى الخارج عندما يطلق عليهم وصف "مزدوجى الجنسية" او " مزدوجى الولاء " فان هذا يحمل التلميح غير العفيف بانهم مشكوك فى ولائهم لبلدهم الأم وهى اشارة الى وصمهم بالخيانة. عوضا عن هذا يمكن ان يوصفوا ب "ثنائية الجنسية" لأن كلا الجنسيتين لا تعارضان الواحدة الاخرى وكلاهما تعملان معا للفائدة المشتركة.
ابناء مصر فى الخارج من اخلص من انجبتهم مصر. لم يخفوا يوما انتمائهم لمصر ولم يبيعوه لمن يدفع الثمن. كانوا يستطيعوا ان يرفضوا جنسية مصر ويمحوا مصر من ذاكرتهم ولكنهم لم يفعلوا. ظلوا مهمومون بوطنهم الأم وبمشاكله التى كانت تعكر عليهم صفو النجاحات التى حققوها. فكيف يهنأوا برغد العيش بينما اخوتهم فى بلدهم الام يعانون شظف العيش؟
وهم لم يقفوا يوما مصطفين ضمن جيش يحارب جيش مصر. ولم يطالبهم احد فى وطنهم الجديد ان يأخذوا هذا الموقف فبلادهم الجديدة تعلم ولائهم لبلدهم الأصلى وتحترم هذا فيهم، بل وتقدره لأنها تعلم ان من يخون بلده الأم لا يمكن ان يستأمن على بلده الجديد. ولو حدث نزاع عسكرى بين البلدين فليس هناك ادنى شك فى اين سيكون عواطف المصريين فى هذا النزاع. بلاد الهجرة تدرك هذا وتعفى مواطنيها من الاشتراك فى اى مواجهة عسكرية ضد بلد مولدهم.
مثل كلمة "الازدواجية" هناك كلمة اخرى وهى "الشرك"، التى استخدمت كأداة لتحقير المسيحيين ووصفهم بالكفر والزندقة نتيجة ايمانهم بمبدأ فى عقيدتهم وهو "التثليث والتوحيد" وهو كما يعلم الجميع لا صلة له بالشرك الذى هو عبادة اكثر من اله فى الوقت الواحد. ولكن الى هذا اليوم ما يزال البعض يوصم المسيحيين بالشرك بالله ويعاملهم ككفار، ويسلب منهم حقوقهم كمواطنين، بل يسلب منهم حياتهم فى بعض الأحيان.
التيار الكاره يصر على ان مصريين الخارج قد ارتكبوا احدى الكبائر عندما حصلوا على جنسية بلد اخرى بالاضافة الى جنسية مصر.
ويعتبرون ذلك "شركا" بالوطن او ما يسمونه "ازدواجية" الولاء للوطن. دعهم يملأون الدنيا صراخا، هم مجرد ظاهرة صوتية، وكلامهم لن يقدم أو يؤخر، وسيرتد اليهم. الايام كفيلة ان تمتحن صدق معادن الناس، وقد بدأنا نرى فعلا حقيقة من باع وطنه وقبض الثمن، ومن وقف فى صف وطنه، فى أحلك الساعات، ودفع الثمن من ماله ووقته وجهده، ليرى سلامته وازدهاره.
Mounir.bishay@sbcglobal.net