الشارع المصري بين مؤيد ومعارض لإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة
تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
يعاني الأقباط -منذ أكثر من خمسين عامًا- من تعسف الخط الهمايوني التركي العنصري، والذي يمنع ويعرقل بناء الكنائس، هو والشروط العشرة لـ "العزبي باشا"، وكيل وزارة الداخلية الأسبق، والتي أصدرها في عهد وزارة "عبد الفتاح يحيى باشا"، في فبرايرمن عام 1934م، لمنع بناء الكنائس تمامًا.
وقد تسببت هذه العوائق -منذ ذلك التاريخ- في الكثير من الأحداث الطائفية التي كثيرًا ما تشتعل كلما حاول الأقباط بناء أو ترميم كنيسة.
ويقضي الخط الهمايوني بوجوب موافقة رئيس الجمهورية شخصيًا على طلب بناء أو ترميم الكنيسة، إلى جانب استيفاء الشروط التعجيزية، والحصول على الموافقات الهندسية والأمنية التي لا تنتهي.
وفي عام 2005م، قام المستشار. "محمد الجويلي" رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب، باقتراح قانون موحد لبناء دور العبادة، وافقت عليه لجنة المقترحات وأحالته للجنة الإسكان، ولكن للاسف!! حتى هذا التاريخ لم يرى القانون النور.
والسؤال هنا: ما هو رأي الشارع المصري في إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة؟ وهل بناء الكنائس يستفز مشاعر الإخوة المسلمين؟؟
هذا ما حاولت صحيفة "الأقباط متحدون" معرفته عن طريق استطلاع رأي الشارع.
في البداية قالت "فاطمة" -موظفة حكومية: إن صدور قانون موحد لبناء دور العبادة ليس هو الحل، لأنه توجد قوانين كثيرة ولكنها مفرغة من مضمونها وغير مفعلة على أرض الواقع، ولكن الأهم من القانون هو نزع روح التعصب وكراهية الأخر، بل وتكفيره؛ لأنه يختلف في العقيدة.
وتطالب بأنه يجب على إمام المسجد وكاهن الكنيسة أن يتمتعا بروح التسامح والمحبة، التي هى السبيل الوحيد للحد من الاحتقان الحادث بين عنصري الأمة، ولا أقول بين أغلبيه مسلمة وأقلية مسيحية.
بينما يريد "أحمد" أن تكون مصر دولة علمانية، يحكمها دستور لا يحتكم للشريعة الإسلامية ولا أي شريعة أخرى، ويريد نزع خانة الديانة من البطاقة الشخصية؛ لأن عبادة الشخص ومعتقداته هي ملك لربه فقط، ويريد أيضًا استصدار قانون موحد لدور العبادة؛ لأن مَنْ يملك أرضًا ومعه تكلفة بنائها؛ فليبني عليها مايشاء، طالما أن هذا البناء غير مخالف للقوانين.
كما أنه يريد دولة علمانية لا تجبر الأقلية الدينية على التنازل عن أي من حقوقها، يريد شعبًا يؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع، يريد أن أي إنسان يستطيع أن يقول رأيه دون أن يصادره أحد أو يتهمه بالكفر، باعتباره هو الوحيد الذي يمتلك الحقيقة المطلقة.
وأخيرًا يريد "أحمد" لمصر أن تكون بحق.. بلد الأمن والأمان، لا بلد القهر والهوان.
القانون يعطي المشروعية لبناء الكنائس
وتُعرب "فوزية" -إخصائية اجتماعية- عن رفضها أن يكون ترميم أو إصلاح الكنائس يستلزم موافقة رئيس الجمهورية، أو بتفويض المحافظين لإصدار القرارات الخاصة بإصلاح الكنائس؛ لأن هذا وضع غير مقبول، وبه مهانة وإذلال؛ لأن الكنائس أيضًا من المؤكد –مثل أي بناء- تحتاج كل فترة إلى عمليات صيانة وإصلاح وترميم.
وتضيف أنه من المؤسف أن الأجهزة الحكومية بها "بيروقراطية" كبيرة، ولجان تنبثق من لجان، وأوراق وتقارير، وكل هذا من شأنه أن يعرقل عملية الإصلاح لفترات طويلة قد تؤدي إلى تعرض الكنائس للهدم قبل صدور القرار بتنكيسها أو ترميمها.
إن مشكلة بناء الكنائس أو إصلاحها، تُعد المحرك الرئيسي للأحداث الطائفية، هذا ما يؤكده "وليد" -طالب جامعي- قائلاً: إن نيران الشائعات حول بناء أو ترميم كنيسة، سرعان ما تندلع، وخاصة في القرى ومدن الصعيد، وهذا يثير حافظة المسلمين، ولا يعلم "وليد" لماذا يكون هذا رد الفعل دائمًا؟ وماذا يُضير أن يقوم الإخوة الأقباط ببناء أو ترميم الكنائس؟؟
ويرى "وليد" أن إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، من شأنه أن يعطي مشروعية لبناء الكنائس، حيث يرى المسلمون أن ما يحدث مُطابق للقانون.
القانون الموحد لدور العبادة تفعيل حقيقي للمواطنة
ويوافقهم الرأي "فاروق" –محام- قائلاً: إن إصدار قانون دور العبادة الموحد من شأنه أن يؤكد على مفهوم المواطنة، والذي لا يفرق أو يميز بين المواطنين على أساس الجنس أو اللون أو الدين، وهذا ما يقره الدستور المصري.
لذلك يجب أن يتم تفعيل المواطنة التي نص عليها الدستور على أرض الواقع، كما يجب أن تسري أعمال البناء للمساجد والكنائس والمعابد طبقًا لأحكام قانون البناء، دون أي تفرقة فيما بينهم؛ لأن من حق الجميع أن يجد المكان الذي يقيم فيه شعائره الدينية.
وببساطة وفطرة يتساءل "عبد الحميد" -عامل نسيج- بدهشة: (هما المسيحيين هيبنوا مكان يِغضبوا فيه ربنا لاسمح الله.. ولاّ مكان يعبدوا فيه ربنا.. ما تسيبوا الناس تعبد ربنا بطريقتها.. المهم إن الكل يعبده ومايغضبوش.. يمكن ربنا يرفع عنا غضبه في الأسعار والأكل المسموم).
ويستطرد قائلاً: أنا لي صديق وجار مسيحي، كل يوم ننزل سويًا في المغرب، هو يذهب للكنيسة، وأنا أذهب إلى الجامع، وبعد هذا نتقابل في القهوة ليبث كل منا للأخر شكواه وهمومه التي تتشابه، غير مفرقه بين مسيحي ومسلم.
التاريخ يثبت سماحة الإسلام في بناء الكنائس
"يجب الرجوع إلى التاريخ، لأن الأمة التي بلا تاريخ، لا حاضر لها"، هكذا يدعو "محمود" -أستاذ التاريخ- جميع الشعب بتذكر الأحداث التي واكبت دخول الإسلام إلى أرض مصر على يد "عمرو بن العاص"، وكيف سمح ببناء الكنائس وترميمها إلى الدرجة التي جعلت الفقيه الإمام. "الليث بن سعد" يعتبر إقامة الكنائس من قِبل عمارة البلاد.
كما قام "المعز لدين الله الفاطمي" بتخصيص أموال كثيرة لبناء الكنائس، وفي حكم "محمد علي" باشا، تم إلغاء كل الأحكام العثمانية ضد الأقباط، وسُمح لهم ببناء الكنائس، والانضمام للجيش، وشغل المناصب العليا في البلاد.
وهكذا ظلت عملية البناء تخضع لإرادة الحكام، إلى أن صدر ما يعرف بـ "الخط الهيمايوني"، من جانب السلطان العثماني؛ لتحقيق المساواة بين المواطنين، ولكن المشكلة ظهرت حوالى عام 1934م، حين أصدر "العزبي" باشا، وكيل وزارة الداخلية وقتها، منشورًا بشروط مُجحفة لبناء الكنائس، رجعت بمصر إلى الخلف.
وكحلٍ وسط.. يقترح "مؤمن" -مهندس مدني- في حالة عرقلة صدور قانون دور العبادة، أن يتم معرفة حاجة المسيحيين الحقيقية للكنائس الجديدة، ويتم السماح لهم بالبناء بما يتناسب مع عددهم في كل منطقة، وبهذا تُحل المشكلة تدريجيًا، إلى أن تختفي بمرور الوقت.
كما أن "مؤمن" لا يعتقد أن المسيحيين سيقومون ببناء الكنائس لمجرد البناء؛ لأن هذا يستلزم أموالاً طائلة في ظل ارتفاع تكلفة البناء. مؤكدًا على أن الإسلام دين أباح التعدد والتنوع بين الشعوب والأجناس، واحترم عقائد الأخرين، ويرى أن ما يفعله بعض المسلمين المتشددين يسيئ إلى الإسلام.
قانون دور العبادة الموحد محاولة لتغيير الهوية
ويخالفهم الرأي "وسام" -طبيب- حيث يرفض قانونًا موحدًا لدور العبادة؛ لأنه من غير المنطقي أن تكون تعداد المسلمين يفوق تعداد المسيحيين، ومع ذلك يتم مساواتهم في عدد دور العبادة، لأن هذا ليس من الإنصاف أو المواطنة، بل هو محاولة لتغييرالهوية.
ولكن العدل يقتضي أن تُقام الكنائس تبعًا لاحتياجات المسيحيين الحقيقية، وهذا أمر يجب أن يقدره أولو الأمر.
أما الاستفزاز في بناء الكنائس، فسيؤدي إلى اختلال النظام العام، واستفزاز مشاعر الأغلبية المسلمة.
ويوافقه الرأي "سيد" -مدير بإحدى الإدارات الحكومية- قائلاً: أرفض هذا القانون الذي يوحد بين إنشاء دور العبادة؛ لأن هذا سيكون مخالفًا لأصول التشريع في دولة ينص دستورها على أن الدين الرسمي لها هو "الإسلام"، وأن مرجعية التشريع للشريعة الإسلامية.
كما يرى أن المسيحيين يتمتعون بمميزات أكثر من المسلمين، فالمساجد تُغلق بعد كل صلاة، أما الكنائس فهي مفتوحة ليلاً ونهارًا، وتُقام بها العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، دون وجود أية محاذير أو ضغوط من قِبل الدولة.
ويتبنى نفس وجهة النظر"أسامة" -محاسب بإحدى شركات القطاع الخاص- قائلاً: لا أجد ضرورة لإصدار هذا القانون، فالكنائس والمساجد تُبنى بدون وجود أية مشاكل، ومَنْ يتحدث عن تعرض الأقباط للمشاكل في بناء دور العبادة الخاصة بهم، يريد أن يشعل نار الفتنة الطائفية لصالح قوى خارجية، تريد أن تُظهر مصر بمظهر الدولة التي تقتنى التطرف والإرهاب، ليكون هذا ذريعة للتدخل في شؤونها الداخلية.
ولكن الحقيقة أن الدولة تُراعى الإحتياج الفعلي لدور العبادة الذي ينتشر بصورة كبيرة في مصر، دون وجود أية عوائق، حيث أنه لا توجد مناطق محرومة من الكنائس، ولا توجد مشاكل في بناء أو ترميم أو إصلاح الكنائس.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :