بقلم: ليديا يؤانس
رجُل مُسن من الصعيد الجواني أو كما ينطقها حبايبنا الصعايدة "الدواني" كان ذاهباً المسجد لتأدية صلاة الفجر، لافف شال صوف كبير علي رأسه وأكتافه وكأنها بطانية يستدفئ بها من برودة يناير القارصة’ وفجأة داس بالبُلغة اللي لابسها في قدمه علي شئ، حرك قدمه ليري ولكنه لا يري فمازال الظلام باق، حدق بنظره فوجد شيئاً مستطيلاً في حجم كف اليد، يمكن تكون محفظة نقود، آه ياواد ده أنت رزقك في رجلك، وجاي لك بدري بدري!
إنحني والتقطها بسرعة وهو يتلفت شمالاً ويميناً لئلا يطلع لها صاحب، يا خسارة ده كتاب صغير، وضعه في جيبه ولما رجع داره فتحه وقلب فيه، مش فاهم حاجه فهو أُمي لا يقرأ ولا يكتب، ولكن لفت نظرة أن ورق الكتاب خفيف جداً جداً مثل ورقة السيجاره، فرح وقال ياواد ده ربنا بعث لك دفتر بفره للسجاير، وابتدأ كل ما يكون عايز يدخن سيجاره يشد ورقة من الكُتيب ويضع فيها الدخان، يشد من السيجاره وهو سعيد جداً لكتاب البفره اللي حيخليه يقعد مدة طويلة عقبال ما يفكر يشتري ورق بفر للسجاير.
رجع ابنه من الشغل وجلس بجانب أبوه يتحدث معه، كل شويه أبوه يشد صفحة من الكتيب ويلف سيجاره ويدخنها، إيه ده يا أبوي؟ حكي له الحكاية وهو مبسوط أنه وجد دفتر بفر يلف به السجاير، أخذ الكُتيب من أبوه، بص وقرأ وقال لأبوه أعطيني الدفتر ده وأنا حشتري لك دفتر بدلاً منه.
هذا الشاب تعليمه متوسط ولكن لما نظر بالكتيب وجد مكتوب انجيل مرقس، أنجيل يوحنا، الرسالة إلي أفسس، سفر الرؤيا، قال لنفسه آه دا تقريباً الكتاب بتاع الجماعة النصاري، ياواد إقرأ وإتسلي وشوف الجماعة دول الكتاب بتاعهم بيقول إيه!
قرأ الكُتيب من أوله إلي آخره أول مرة وقال، كلام مُش بطال وركن الكتيب في الدرج بتاعه، بعدها بشويه لقي نفسه عايز يقرأ الكتيب ولكن فيه حاجات مُش قادر يفهما، خلص الكتيب للمرة الثانية وقال كلام معقول وركنه في الدرج، في يوم إستيقظ من نومه لإن فيه حاجة شدته للكتيب اللي في الدرج، أنا إيه اللي جري لي، أنا كل ما أقرأ في الكتاب ده ببقي عايز أقرأه أكثر، والأغرب من كده بشعر بإرتياح وسلام ببقي عايز أفهم وأعرف أكثر، خلص الكتاب للمرة الثالثة وقال لا ده كلام أكثر من رائع عامل زي البلسم، ولكن أنا مش فاهم بعض الحاجات، حاول يسأل بعض الزملاء المسيحيين، الغالبية خافوا أن يتجاوبوا معه ولكن قله منهم ردوا عليه بالإختصار المفيد خوفاً من إدانتهم أو إتهامهم، بدأ يتعلم يدخل علي الإنترنيت ويدعبس، بدأ يتسلل إلي بعض الكنائس واشتري بعض الكتب التفسيريه، في النهاية وجد نفسه في مفترق الطرق، ولابد من إتخاذ قرار مصيري قد يكلفه رقبته!
قرر وصمم وبدأ مشوار النعمة معتمداً ومسنوداً علي صاحب النعمة، إعتمد علي اسم المسيح، تغيرت الحياة والمفاهيم والمعتقدات بالنسبة له، شخصيته بدأت تتسم بالبساطة والسماحة والمحبة، النعمة تتراقص علي ملامحه فأضفت بريقاً علي وجهه، تبدلت التكشيره إلي إبتسامه تشجع الآخرين علي التحدث معه، تبدلت الألفاظ الخشنة الجارحة إلي كلمات المحبة واللطف والتواضع، شعر أنه كان أعمي وأصبح الآن مُبصراً بقلبه قبل عينيه، تمني أن يجري في كل الشوارع والميادين ويصرخ بأعلي صوته أنا مسيحي، تمني أن يحضن كل الناس ويهزهم لكي يفيقوا كما أفاق هو ويقول لهم إفرحوا معي أنا الآن حي ولست ميتاً، ولكنهم سوف لا يفهمون، يا إما سيضعونه في مصحة للأمراض العقلية، يا إما سيقبضون عليه بتهمة الإرتداد، والباقي طبعاً معروف، عموماً الأفضل أن أصمت الآن إلي أن يرشدني روح الله ماذا أفعل.
أبوه سأله: هو فين دفتر البفره؟ بتسأل عنه ليه، أصل بصراحة السيجاره اللي كنت بلفها من الدفتر ده كانت بتخلي مزاجي عال العال، أديني الدفتر، بص ياوالدي أصل الدفتر ده بيعدل مزاجي أنا كمان وبيخليه عال العال، إنت ياواد بتدخن من ورايا، لا ياأبوي انا بس مزاجي بيبقي عال العال كل ما أقرأ في هذا الكتاب، طيب يا أبني ما تقعد حداي وتقرأ بصوت عالي علشان أتبسط معاك، حاضر ياوالدي أوعدك والوعد أمانة.
يؤسفني أن أسمع بعض المسيحيين يقولون، أنا بخلص نفوس أي أنه يأتي بأشخاص غير مسيحيين ويصيروا مسيحيين علي يديه.
في الواقع هذا الكلام فيه تجديف علي روح الله، لإن هذا الشخص يأخذ مجد الله وينسبه إلي نفسه، في حين أن الرب يقول مجدي لا أعطيه لآخر.
هذا القول من هؤلاء الأخوة فيه كبرياء وغطرسة ولا يجوز إيمانياً، لأن نعمة المسيح هي التي تصطاد النفوس أولاً، ثم يأتي بعد ذلك دور الشخص الغير مسيحي في قبول الإيمان، نعم الرب يطالبنا بالكرازة أي تقديم الأخبار السارة للعالم وتقديم التفسير والشرح والمساعدة في فهم كلمة الله والأمور الإيمانية، بمعني نحن نزرع ولكن الذي يحصد هوّ المسيح، الذي بروحه القدوس يجذب النفوس إليه ويقبلون الإيمان به، ولذا يقول "لا يقدر أحد أن يُقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يوحنا 44:6).
ويقول في (يوحنا 6:14) "... أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي"، وأيضاً في (يوحنا 16:15) يقول "ليس أنتم اخترتموني بل أنا أخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم بإسمي."
إذن ليس هناك فرق بين مسيحي نشأ في عائلة مسيحية وبين مسيحي جاء للمسيح من خلفية غير مسيحية لإن كل من آمن وأعتمد وقبل المسيح فهو في الواقع مُختار من قبل تأسيس العالم ليكون من خاصة المسيح، وهذا ما تقوله كلمة الله في (أفسس 1: 4-5) "كما إختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته."
ياتري الرجُل المُسن الذي وجد دفتر بفره للسجاير سيكون له نصيب مع المسيح بعد أن يقرأ له ابنه في الكتاب كما وعده!
لا نعلم .. ولكن المسيح يعلم إذا كان اسمه مكتوباً في سفر الحياة من قبل تأسيس العالم أم لا!