الأقباط متحدون - عبث الإنسان واحتمالات نهاية البشرية
أخر تحديث ٠٨:٠١ | الاربعاء ١٨ مارس ٢٠١٥ | ٩برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٠٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عبث الإنسان واحتمالات نهاية البشرية

بقلم - فاروق عطية
تنتابني هذه الأيام أحوال غريبة, لا أدري إذا ما كان البعض يجابهها مثلي أم أنا وحدي الذي أعانيها. حينما أنام بعض الوقت في الظهيرة تنتابني الأحلام وحين استيقظ لا أدري إذا ما كان الوقت صباحا أم مساء, وأظل في حيرة من أمري حتي أتطلع في ساعة المحمول للتأكد من الوقت والتاريخ. مساء الأمس في الظهيرة تمددت علي سريري لبعض الوقت, ورحت في نوم عميق, وحلمت أنني أسير في وسط البلد أتطلع لواجهات المحلات أتفرج علي ما بها من معروضات, وحين تعبت من السير عرجت علي منتدي تملأه الخضرة والزهور الفاتنة والمقاعد الوثرة المرصوصة حول طاولات نظيفة. إخترت لنفسي مقعدا في ركن هادئ. بعد قليل أقبل النادل وسألني عما أطلب فاخترت كوبا من الشاي بالنعناع. بعد قليل من الوقت أقبل النادل ومعه الشاي الذي طلبته ومعه مأكولات لم أطلبها, سندوتش همبورجر كبير وأربع قطع من الدجاج المحمر وكيس من البطاطس المقلي (فرنش فرايز). قلت له: أنا لم أطلب غير كوب من الشاي بالنعناع, ولا رغبة لي في الطعام. نظر لي باستغراب شديد كما لوكان ينظر لكائن فضائي وولي بعيدا عني دون أن يرد علي كلامي. شربت كوب الشاي وأشرت للنادل أن يأخذ الحساب فأقبل ومعه فاتورة بخمسة وخمسون جنيها, فقلت له أنا لم أطلب غير كوب من الشاي ولن أدفع سوي قيمة ما شربت, مرة أخري نظر إلي باستغراب شديد وانصرف ليعود ومعه شحط مفتول العضلات ينطلق الشرر من مقلتيه بادرني بصوت كالرعد: لماذا لا تدفع الحساب بالذوق بدلا من العنف والأذية؟ قات له: أنا لم أطلب غير كوب من الشاي وأنا لم ولن آكل هذه المأكولات الضارة بالصحة علي الأقل لكبر سني وحالتي الصحية التي تمنعني من الإقراط في الدهنيات, وأنا لم أطلبها أصلا فلماذا أدفع ثمنا لها ؟. وقبل أن يندفع نحوي كالإعصار أحسست بيد أم العربي تهزني بلطف قائلة: إصح يا رجل, رئيس التحرير ترك لك رسالة علي الأنسر ماشين يستعجل المقال لأن المجلة تحت الطبع. شكرتها قائلا: الحمدلله أنكي أيقظتني قبل أن أنال علقة ربما كانت القاضية ..!!
الأحلام ليست سمة الحالمين من أمثالي فقط, فالعلماء أيضا يحلمون, وبالبحث العلمي الدءوب والمعاناة يحاولون تحقيق الحلم, وكثيرا ما يفشلون, لكنهم أبدا لا ييأسون حتي يتككل جهدهم في النهاية إلي نجاح ينقل العالم خطوات جديدة للتقدم والازدهار. كثيرا ماتكون الاكتشافات العلمية الحديثة موجهة لخدمة البشرية وحل مشاكلها, ولكن أحيانا ما تكوت وبالا علي البشرية إذا استغلت استغلالا منحرفا. علي سبيل المثال التقدم في البحوث النووية قد أفاد البشرية في مجالات شتي كالطاقة والطب والزراعة والصناعة, لكنها أيضا كانت وبالا علي البشرية حين استخدمت في التفجيرات النووية والحروب, وما حدث لهيروشيما ونجازاكي في الحرب العالمية الثانية ليس ببعيد.

رغم التقدم العلمى المطرد فى جميع المجالات الذي نطالعه يوما بعد يوم، الأمراض أيضا تزداد شراسة وعنفا، والتلوث فى جميع البيئات المحيطة بنا تزداد تنوعا. قد تكون الدول الكبرى المتقدمة علميا قد تخلصت من معظم خطايا تلوث الهواء والمياه الناتج عن الصناعات الكيميائية الضارة، بتصدير هذه الصناعات الملوثة للبيئة  إلى الدول النامية والفقيرة بحجة رخص الأيدى العاملة بها من ناحية ومساعدتها اقتصاديا وصناعيا واستيعاب الأيدى العاملة العاطلة بها من ناحية أخري. تبقى مشكلة تلوث الطعام التى يعانى منها البشر عامة والدول الرأسمالية المتقدمة خاصة، فهى تزداد شراسة دون أن يجروء أحد على إلقاء الضوءعليها أوالتحذير من آثارها، ذلك لوقوف اللوبى المهيمن على هذه الصناعات بما لها من نفوذ وسلطان فى وجه كل من يحاول، فهى تدفع المليارات من الدولارات كإعلان عن بضاعتها والترويج لها ونحن ندرك ما للإعلان من تأثير وقوة على وسائل الميديا العالمية.

لو نظرنا لما نأكله من دواجن ومنتوجها من البيض وتعمقنا فى كيفية تربيتها لعلمنا ما يتهددنا من أخطار. فلم تعد تربية الدواجن كما كانت منذ عشرات السنين، حيث كان العم صميدة فلاح قرية كفر البلاص يربى دواجنه فى فناء منزله الواسع حيث تمرح الدجاجات فى حرية تحت حماية ديوكها، ويقوم بتغذيتها بما يفيض من مائدته بالإضافة لم ينتجه حقله من حبوب، ليحصل على كفايته من بيضها الطازج ولحمها الشهى ويبيع فى المدينة ما يفيض عن حاجته. ولكنها اليوم أصبحت صناعة كبرى تقوم بها شركات رأسمالية عملاقة ذات نفوذ وسطوة، تنتج الدواجن بأعداد رهيبة فى عنابر محدودة المساحة مزودة بالضوء والتدفئة، وهذه المساحات المحدودة لا تعطى للطائر المسكين حرية الحركة والمرح مما يزيدها سمنة، وتعتمد تغذيتها الميكانيكية على العلائق المصنعة من لحوم ودم ونفايات المذابح وبقايا الأسماك المصنعة، مضاف إليها كيماويات كالبروتينات المركزة والهرمونات، تخلط وتطحن وتقدم للدواجن كعليقة سريعة التغذية ليزداد حجمها كبرا ويزداد القائمين بصناعتها ثراء وجشعا. وحتى لا تصاب هذه الأعداد الكثيفة قليلة الحركة بالأمراض رؤى أن يضاف إلى علائقها العديد من أصناف المضادات الحيوية القوية حتى لا تنفق. وتكون الخلاصة أنتاج كميات رهيبة من الدواجن فى دورات سريعة لا تتعدى عشرات الأيام، وبيض كبير الحجم ولكن لحومها وبيضها محمل بالهرمونات والمضادات الحيوية التى تصل وتتراكم فى جسم الإنسان، مسببة ما نعلم وما لا نعلم من أمراض.

وقد تطور الأمر بعد الانفتاح على علم الجينات والهندسة الوراثية أن أحد أشهر شركات الوجبات السريعة من الدواجن المتبلة والمحمرة الشهية تقوم بإنتاج طيور ليست بدجاج حقيقي "تؤكد الشائعات" أنه كائن تم التلاعب به وراثيا، هي كائنات عضوية معالجة وراثيا. تحفظ هذه الكائنات المسماه زورا"بالدجاج" على قيد الحياة عن طريق أنابيب أدخلت الى اجسامها لضخ الدم والمواد الغذائية، ليس لها مناقير ولا ريش ولا عيون ولا أقدام، تقلصت بنية العظام بشكل كبير للحصول على المزيد من اللحوم المنتجة منها. هذا شيء عظيم بالنسبة للشركة لأنها لا تضطر لدفع الكثير من أجل تكاليف إنتاجها ولا يوجد المزيد من مصاريف نتف الريش أو إزالة المناقير والقدمين تصنع منها منتوجها الشهى الذى يقبل عليه الناس بشراهة والله يقى البشرية شر ما فى الغيب من أمراض.

أن الغالبية العظمى من الأمراض ناتجة من تناول الأطعمة والمشروبات الملوثة بالميكروبات الممرضة أو بالسموم الكيميائية والحيوية وغيرها، وقد قدر عدد الأمراض المنقولة بالأغذية بأكثر من 250 مرضا تم تشخيصها حتى الآن، بعضها بكتيرية أو فيروسية أو نتيجة لطفيليات، بالإضافة إلى المخاطر الحيوية (البيولوجية) والكيميائية والعضوية. حتي المحاصيل الزراعية كالحبوب والخضروات لم تسلم من التحورات الوراثية التي قد تؤدي لبعض المخاطر الصحية والتي يمكن أن تظهر علي المدي البعيد, منها احتمالات الإصابة بالسمية والحساسية, أو قد يؤدي محتواها من المضادات الحيوية إلي احتمال اكتساب الانسان المناعة من تلك المضادات فلا تفيده عند الحاجة إليها.

وافقت العديد من الدول الإفريقية على تلقى بعض الأغذية المحورة وراثيا تحت ضغط الحاجة قبل أن تثبت سلامة هذه الأغذية من منظمة الصحة العالمية، وهذا الأمر أدى إلى تخوف بعض البلدان العربية من تلقى هذه النوعية من الأغذية المحورة وراثيا والتى قد تظهر أضرارها على الأجيال التالية وأن بعضها يظهر بعد مرور أكثر من عشرين عاما كما هو الحال فى سرطان وأورام المهبل التى ظهرت على البنات فى سن 15- 20 عاما بعد إنجابهن من أمهات تلقين هرمونات محضرة بالتحور الوراثى، من الدول العربية التى تتلقى معونات غذائية مباشرة الصومال وجيبوتى والسودان الشمالى والسودان الجنوبى وموريتانيا واليمن. الخطير فى هذا الأمر أن جميع ما نأكله أو نتداوى به وحتى الفاكسينات والأمصال حتي الحلوى والسكريات والألبان ومنتجاتها أصبحت تصنع أو تزرع بالتحور الجينى وهو أمر خطير، والدول العربية لا تملك التقنيات العلمية الحديثة للكشف عن التحور الجينى فى الواردات الغذائية والدوائية والتطعيمات وغيرها قلبى على هذا الجيل والأجيال القادمة، أما جيلنا فقد أخذ حظه من الحياة وهو فى طريقه للنهاية. فبالرغم من كونى رجل علم وأعرف الكثير عن هذه الحقائق، لكننى بعد قراءة العديد من المقالات العلمية في هذا الأمر, محذرة من مخاطر كل ما نأكله من منتجات زراعية أوحيوانية ملوثة كيميائيا أومعدلة وراثيا قد تؤدي إلي أمراض خطيرة أشدها قسوة الأورام الخبيثة "السرطان". أصابنى القلق البالغ والخوف على البشرية بل على الحياة كلها،  فالإنسان بجشعه ونزقه قد يودى بنهاية سريعة لكل مظاهر الحياة على الأرض.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter