الأقباط متحدون - «المستبد العادل» الذى لم يوجد قط!
أخر تحديث ٠١:٣٩ | الجمعة ١٣ مارس ٢٠١٥ | ٤برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«المستبد العادل» الذى لم يوجد قط!

د. وحيد عبدالمجيد
د. وحيد عبدالمجيد
بقلم   د. وحيد عبدالمجيد 
عندما يتنامى الخوف فى أى مجتمع من خطر داخلى أو خارجى، يزداد من يتطلعون إلى الحماية، ومن يحلمون بأن تقترن هذه الحماية بالعدل أو شىء منه. وهذا هو أصل حالة الحنين إلى «مستبد عادل»، التى تجددت فى مجتمعنا نتيجة صدمة حكم جماعة «الإخوان» ثم تنامى الإرهاب، على نحو يدفع إلى الاستهانة بالحريات أحياناً والسخرية من حقوق الإنسان فى أحيان أخرى.
 
وهذه حالة قديمة قدم الإنسان. ولذلك ارتبطت أول محاولة فى الفكر الحديث (فى القرن السابع عشر) لتفسير هذه الحالة بالتفكير فى كيفية تحول البشر من حياة الطبيعة الأولى إلى مجتمعات تحكمها سلطات.
 
وقام أغلب محاولات الوصول إلى هذا التفسير على افتراض أن البشر اتجهوا فى لحظة معينة غير معروفة فى تاريخ ما قبل التاريخ إلى التجمع وإقامة مجتمعات تحكمها سلطات توفر لهم الحماية.
 
وهذا هو الأساس الذى استندت عليه نظريات العقد الاجتماعى التى اختلف فلاسفتها حول ما إذا كان هذا العقد الافتراضى يتضمن التزام السلطة التى نشأت نتيجة حاجة الناس إليها باحترام حرياتهم، أم أنها مسؤولة فقط عن حمايتهم مع تحقيق شىء من العدل.
 
ورغم أنهم فى مجملهم لم يقبلوا ما ذهب إليه قبلهم نقولا ميكيافيللى فى كتابه المشهور الصادر عام ١٥١٣ (الأمير) مبرراً الوصول إلى السلطة بالقوة وممارستها بأى طريقة تحقق الغاية منها، فقد اختلفوا على «حدود سلطات هذه السلطة».
 
ويعود إلى أحدهم، وهو توماس هوبز، وضع الأساس الذى تقوم عليه فكرة «المستبد العادل» دون أن يستخدم هذا التعبير فى كتابه المشهور أيضاً الصادر عام ١٦٥٢ (ليفياثان: مسألة الكومنولث الدينى والمدنى وشكله وقوته).
 
فقد رأى أن حماية الناس من أخطار العنف المتبادل بينهم تتطلب وجود سلطة قوية بلا حدود حتى إذا صارت مثل الوحش الخرافى الذى يشبه التنين ولكنه أضخم وأشد فتكاً، والذى يُطلق عليه (ليفياثان Leviathan).
 
ومضى هوبز فى الاتجاه الذى كان جان بودان سبقه إليه فى كتابه المعنون (كبت الجمهورية الستة) الصادر عام ١٥٧٦، وهو أن يعمل هذا الحاكم المطلق لتحقيق حاجات الناس وتطلعاتهم.
 
غير أن تطور الفكر الليبرالى فى تلك المرحلة أخضع مسألة الجمع بين الاستبداد والعدل إلى تفكير أعمق أدى إلى إدراك أوسع لاستحالة هذا الجمع. فلم يستطع أبرز من اهتموا بفكرة العقد الاجتماعى، وفى مقدمتهم جون لوك وجان جاك روسو وعمانويل كانط وغيرهم، تصور إمكانية أن يجتمع الاستبداد مع العدل. ومن هنا جاء التمييز بين الإنجاز والعدل، فقد يتيسر تحقيق إنجاز سياسى أو اقتصادى معين فى ظل الاستبداد، دون أن يقترن ذلك بتوفير متطلبات العدل بين الناس، وحدث ذلك بالفعل فى التاريخ الذى يحمل بين صفحاته نماذج عدة لمستبدين ناجحين كل بمقياس عصره.
 
غير أن العدل شىء آخر، ولذلك قدم لوك فى كتابه (الحكومة المدنية) الصادر عام ١٦٩٠ تصوراً متكاملاً للعقد الاجتماعى الحديث الذى يتيح للسلطة إدارة شؤون المجتمع واحتكار وسائل القوة المادية، ولكنه لا يعطيها الحق فى إخضاع الناس لمشيئتها دون إرادتهم، أو تقييد حقوقهم الطبيعية أو تعطيلها.
 
ومع ذلك، أُعيد إنتاج فكرة المستبد العادل وطرحها من وقت إلى آخر فى الفكر الغربى حتى منتصف القرن التاسع عشر حين بدأ النظام الديمقراطى فى الرسوخ. وربما لا يصدق من يعرفون عمق إيمان فولتير بالحرية، ويذكرون له عبارته التى ترجمت إلى معظم لغات العالم (اختلف معك فى الرأى، ولكنى على استعداد للتضحية بحياتى من أجل حقك فى التعبير عن رأيك)، أنه تبنى فكرة «المستبد العادل» بل سعى إلى البحث عن هذا المستبد فى أوروبا كلها خلال العقدين الأخيرين فى حياته (توفى عام ١٧٧٨).
 
وعندما بدا له أنه وجد هذا «المستبد العادل» فى الملك الألمانى فريدريك الثانى الذى اهتم بفلسفة التنوير الثقافى، لم يلبث أن صُدم فيه وتبين له أنه مستبد ولكنه ليس عادلاً.
 
وكانت تلك الصدمة وراء أسوأ كتبه على الإطلاق، وهو كتاب (بطرس الأكبر) الصادر عام ١٧٦٨. فليس هناك تفسير لإقدامه على إصدار هذا الكتاب الذى يناقض أفكاره فى مجملها إلا أن صدمته فى فريدريك الثانى دفعته إلى تخيل أن بطرس الأكبر قيصر روسيا هو ذلك «المستبد العادل» الذى كان يبحث عنه.
 
ولم يكن فولتير مدفوعاً بأية مصلحة لأن بطرس الأكبر كان قد رحل قبل أن يكتب عنه ويمجده. ولذلك فالتفسير الأرجح هو أن فولتير كان يبحث عن أى دليل يمكن أن يسند فكرة «المستبد العادل»، فأطلق العنان لخياله بحثاً عن حاكم يجّسدها.
 
وتمثل حالة فولتير هذه خير تعبير عن فكرة «المستبد العادل» التى انتهت فى الغرب، ولكنها مازالت تطل فى الشرق من وقت إلى آخر عند البحث عن خلاص من وضع يسوده الخوف والاحتقان. ولكنها كانت، وستظل، محض خيال. فلم يوجد «مستبد عادل» قط فى التاريخ، ولن يوجد أبداً فى المستقبل.

نقلا عن المصرى اليوم

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع