بقلم: جرجس وهيب
ذكر لي أحد المحامين المسيحيين؛ أنه أثناء نظر إحدى القضايا، والتي طالب فيها الزوج المسيحي بطلاق زوجته، قال له القاضي -وهو مسلم-: إن المسيحية لا يوجد بها طلاق، وأجّل القضية لإعطاء الفرصة لمحاولة الصلح بين الزوجين، وطلب من المحامي أن يذهب لأحد رجال الدين المسيحيين لمحاولة حل هذا الخلاف بطريقة ودية.
موقف رائع لأحد قضاة مصر العظماء المحترمين، وعلى النقيض من ذلك، كان حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي أيد حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بإلزام قداسة "البابا شنودة" الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بأن تعطي الكنيسة الأرثوذكسية تصريحًا بالزواج للمرة الثانية لمواطن قبطي يدعى "هاني وصفي"، مُطلق، حيث رفضت المحكمة الطعن المقدم من البابا على حكم محكمة أول درجة.
ويعد الحكم سابقة خطيرة، وتَعدٍ من المحكمة على سلطة الكنيسة، وهي صاحبة الحق الأول والأخير في إعطاء تصاريح الزواج الثاني، والتي لا تسمح بالطلاق إلا في الحالات التي حددها الإنجيل، وبخاصة علة الزنا.
موقف صريح بناءًا على نص صريح بالكتاب المقدس، ولا يجوز أن يطالب أحد -أيًا كان- أن يعدل أو يغير أو يطالب المحكمة بتغييره، فلم نسمع أن طالب أحد الأشخاص من الإخوة المسلمين بتغيير قانون مبني على نص ديني بالقرآن الكريم، فكان لا بد أن يكون قرار المحكمة في ذلك الوقت رفض الدعوى لعدم الإختصاص، ولكن.. للأسف، فاجأت المحكمة الجميع بحكمها السابق، والذي قوبل برفض جماعي من جانب الكنيسة والشعب القبطي، بل تعدى ذلك بتنظيم عدد من المسيحيين لمظاهرة حاشدة بالكاتدرائية تنديدًا بحكم المحكمة، وكان يمكن أن يتسع نطاق المظاهرات، لولا تدخل البابا شخصيًا لمنع ذلك.
وليعلم الجميع.. أن المسيحية والكنيسة ترفضان الطلاق إلا لعلة الزنا، فالطلاق يعني تباعد الزوج أو الزوجة عن أطفالهم، مما يعني غياب أحد طرفي التنشئة الاجتماعية للطفل، مما يؤدي بأطفال غير أسوياء، فالمتأمل في الملايين من أطفال الشوارع والأطفال الذين يعملون في سن مبكرة في مهن في منتهى القسوة، أغلبهم أطفال غير مسيحيين؛ نتيجة لحالات طلاق بين الأب والأم، وبالتالي النتيجة زواج الأب أو الأم وتشريد الأطفال.
فالمسيحية تحرص على استقرار الأسرة، وتنشئة الأطفال في جو اجتماعي صحي، فأنا أعرف عشرات الزيجات المسيحية كانت معرضة للفشل –للانفصال- نتيجة للخلافات الحادة بين الزوجين والتي استمرت لمدد تصل إلى أكثر من 10 سنوات، ومع مرور الأيام، وبتفكير هادىء، وبمساعدة الكنيسة، استمر الزواج وأنجبوا أطفال أخرين، ويعيشون الآن حياة هادئة، بل أن أطفالهم من المتفوقين دراسيًا، فماذا سيكون الحال إذا انتهت علاقة الأب والأم.. هل كان هؤلاء الأطفال سيكونون من المتفوقين دراسيًا؟ أم كانوا سيصبحون من اللصوص والمجرمين وأطفال الشوارع؟؟
فنصيحة للأزواج الذين وصلوا لطريق مسدود أن يعاودوا محاولة إعادة الحياة مرة أخرى بمساعدة الكنيسة والأصدقاء، فالخاسر الأول في انقطاع العلاقة الأسرية أو الانفصال سيكون الأطفال الذين ليس لهم أي ذنب في هذه الخلافات، ولا بد أن نسأل المقبلين على الانفصال.. هل تحبون أطفالكم أم أنفسكم؟؟ إن كان أطفالكم فلا بد أن تُعاد الحياة مرة أخرى، وليتنازل كلا منكما عن بعض المطالب للأخر حتى تصلا إلى طريق الأمان بأطفالكم، وهم أغلى شيىء عندنا جميعًا.
كما لا بد أن يتروى الجميع في الزواج، وأن تشترط الكنائس في المقبلين على الزواج اجتياز دورة لإعداد المخطوبين، وألا تقل فترة الخطوبة عن عام، كما لا بد أن تُعمم تجارب بعض المطرانيات في طلب فحصوصات طبية للزوجين، حتى يتسنى تقليل حالات الخلاف بين الأزواج بسبب عدم الإنجاب، كما يجب أن تُشكل الكنائس -التي توجد بها حالات خلافات زوجية كبيرة- لجانًا مكونة من عدد من أبناء الكنيسة المشهود لهم بالسمعة الطيبة؛ لمحاولة حل هذه الخلافات، وأنصح -بشكل شخصي- كل المتزوجين حديثًا أو المقبلين على الزواج أن يتم تأجيل الإنجاب لمدة عام، حتى إذا ما حدث خلاف أو انفصال -لا قدر الله- يتحمل الزوجين فقط نتيجة سوء اختيارهم معًا وليس الأطفال.
والرب قادر أن يتدخل ويحل هذه الخلافات.