الأقباط متحدون - هوامش الموت
أخر تحديث ٠١:٤٨ | الاربعاء ١١ مارس ٢٠١٥ | ٢برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هوامش الموت

نبيل شرف الدين
نبيل شرف الدين

 يحدث أحيانًا أن تسأل نفسك: ماذا بعد هذا الصمت الاضطرارى والانتظار المُضنى؟ سنوات يصعب حصرها مرّت بلا طعمٍ ولا رائحة، وأنت كعادتك تُفلسف الخيبات المُتلاحقة، فتقول مثلاً: «كنت مُتفرغا للتأمل» رغم يقينك بأن التأمل مهنة العاطلين، لكن ما العيب بأن يكون الإنسان عاطلاً، على الأقل سيجد وقتًا كافيًا للاستمتاع بالحياة وينام حتى يمل منه سريره، ويجلس حتى تتيبس مفاصله، ويتجول بالمدينة ليحفظ دهاليزها، ويراقب وجوه العابرين بالشوارع ورواد المقاهى ليصبح جميع الناس مألوفين، وتتسع المسافة رغم سُعار الزحام والدوران المتواصل بحلقات الفراغ، ينتابك شعور بالعجز المُفرط، وأنه لم يعد لديك ما تقوله، فكل ما يُقال وما سيقال اجترار لكلام مُستهلك وأفكار بليدة، العالم كما نراه الآن أمسى مساحة من الجنون والعبث الشرير، والإنسان كائن مُنسحق دهسته الحياة وألقته بمتاهات اللاجدوى.

ماذا سيحدث لو صرخت: سُحقًا أيها العالم، اللعنة لهذا الخراب الكاسح، ومنظومة الأقنعة المتفشية كالأوبئة، وتخاطب رفاقك: مهلا زملائى البشر فكل النهايات واحدة، وغريزة القطيع لن تقودكم سوى للأمنيات المُستحيلة.

سألنى أحدهم: هل جربت الموت؟ لا.. لكن أبى جربه، أذكره حين كان على فراش الموت يقول لنا نحن الملتفين حوله بأسلوبه الساخر: لا تخافوا إذا لم يكن الموت مُريحًا سأعود مُسرعًا، وحتى الآن لم يرجع رغم مرور ربع قرن.

الموت مسألة إشكالية لكنه حقيقة ساطعة، فهو العمق الحقيقى للحياة، والمدى الأكثر اتساعا للخلود، ولست خائفًا، لكنى للحقيقة خائف قليلاً.. نعم سأموت ليس لأن الحياة قصيرة فحسب، لكن لأنى لا أجيدها، سأموت دون حسرة على أى شىء، ربما سأحزن قليلا على ذاكرتى التى لا أدرى إذا كان يُمكن احتفاظى بها، فهل يحتفظ الموتى بذاكرتهم، أم يمضون كصفحة بيضاء؟ فى المستشفى تفرض رائحة الموت حضورها المُستبد، وتراودنى «أفكار بوهيمية» فتحملنى لعوالم نورانية، لكن مفعول المخدر كان يتسلل لجسدى، فارتميت بسريرى مُرغمًا، بعدما فشلت محاولاتى لمقاومة الاستسلام، لكن «النفق السحرى الغامض» كان أكثر سطوة وحملنى لرحلته الغرائبية، وحيدًا ولدت فلم ينتبه إلى العابرون، ولم يُعلمنى أحد ماذا أفعل بأحلامى الوهمية، وروحى المُثقلة بالمرارات، لهذا كبرت بسرعة خرافية، وعشت متسكعًا مدمنًا على الهوامش.. ومنحازًا للمُهمشين، ومازلت على قيد الحياة أمارس حفر القبور، وأراوح موضعى كشاهد على نهاية الحكايات وبداياتها، لم أتعلم سوى انتظار الغيوم العابرة، والفصول المتعاقبة، والحروب العبثية، وتداعى الأمم على بعضها، واقتراب الكارثة رويدًا رويدًا.. بإصرار القتيل الراغب بتغيير نهايته دون جدوى.
نقلا عن اليوم السابع


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع