الأقباط متحدون - الديمقراطية فى خدمة الإنسان
أخر تحديث ٠٣:٠٢ | الاثنين ٩ مارس ٢٠١٥ | ٣٠أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الديمقراطية فى خدمة الإنسان

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم   د. عماد جاد
الديمقراطية فلسفة وقيمة إنسانية راقية، فهى من ناحية شكل من أشكال الحكم مقابل أشكال أخرى منها الثيوقراطية أو الدينية والتى تعنى حكم رجال الدين، ومنها العسكرية التى تعنى حكم جنرالات الجيش، وهناك أشكال أخرى أفرزتها تجارب الشعوب على مر التاريخ. تنفرد الديمقراطية من بين

الأشكال المختلفة للحكم بأنها النظام الذى يقوم على المواطن، حقوقه وحرياته لذلك فإن التعريف الشائع للديمقراطية هى أنها «حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه» هذا التعريف المبسط لشكل الحكم الديمقراطى يقول إن الشعب هو مصدر السلطات، هو مصدر السيادة، هو الذى يحكم (عبر التفويض أى اختيار الحكام) وهو وحده صاحب الحق فى التجديد لهم (لحدود معينة عادة دورتى حكم) وله وحده سحب التفويض أو استرداد التكليف. تنفرد

الديمقراطية عن غيرها من أشكال الحكم بكونها شكلا من أشكال الحكم لا يقف بمفرده، بل يستند إلى منظومة من القيم الإنسانية مثل المساواة، الحرية والعدل، فالديمقراطية فى ذاتها شكل من أشكال الحكم وهى عبارة عن مجموعة إجراءات ( تعدد الأحزاب، صوت واحد لكل مواطن، الانتخابات الحرة النزيهة، دورية الانتخابات، تداول السلطة) لا تستقيم دون مصاحبة القيم الإنسانية، ولا يمكن اختزال الديمقراطية فى مجموعة إجراءات كالانتخابات

الحرة مثلا، فقد تجرى نظم حكم انتخابات دورية، وقد تكون نزيهة دون أن يعنى ذلك أن نظام الحكم ديمقراطيا، كما أن هذه الانتخابات الحرة لا تفرز بالضرورة حكاما ديمقراطيين أو يحترمون الديمقراطية، بالعكس هناك تجارب فى التاريخ أفرزت الانتخابات الحرة فيها حكاما مستبدين سرعان ما ألغوا الديمقراطية وانتهكوا حقوق المواطن، ومنهم من جاء بالديمقراطية، وأشعل حربا كونية ( هتلر جاء بالديمقراطية وأشعل الحرب العالمية الثانية التى راح

ضحيتها أكثر من خمسين مليون إنسان). من هنا نؤكد أن الانتخابات الحرة النزيهة شرط لازم لاكتمال الديمقراطية لكنها ليست شرطا كافيا، فوجودها ضرورى لاكتمال الديمقراطية، ولكن وجودها فى ذاته لا يعنى بالضرورة أن النظام ديمقراطى، فلابد من توافر القيم الإنسانية الأخرى المصاحبة للديمقراطية كالحرية والمساواة والعدل.
 
أفرزت خبرات البشر أشكالا مختلفة من الديمقراطية، ووضع كل مجتمع بصمته على النسخة المشتركة، فالإنجليز أنتجوا الملكية البرلمانية، والأمريكان أنتجوا النظام الرئاسى، والفرنسيون اختاروا النظام المختلط. اتفقوا فى الجوهر (جوهر الديمقراطية) ونوعوا فى الأشكال حسب ظروف وطبيعة كل

مجتمع من المجتمعات. على سبيل المثال تحددت دورات رئيس الجمهورية فى النظم الرئاسية بدروتين بمتوسط ما بين أربع إلى خمس سنوات للدورة، لكن المكسيك اختارت أن يبقى الرئيس لدورة واحدة فقط ولمدة ست سنوات.
 
الديمقراطية هى إذن شكل من أشكال الحكم توصل إليها العقل البشرى من أجل تنظيم العلاقة بين السلطات فى الدولة، هى شكل من أشكال الحكم ابتدعه الفلاسفة وعلماء السياسة وتحديدا المتخصص منهم فى نظم الحكم من أجل ضمان حقوق المواطن وتحصينه فى مواجهة سلطات الدولة التى تنفرد

بامتلاك واستخدام أدوات القهر. فى البداية كانت ديمقراطية مباشرة، فى زمان دولة المدينة اليونانية كان عدد المواطنين الرجال الأحرار محدودا للغاية، ومن ثم كانوا يجتمعون فى الساحة للتداول فى شؤونهم الخاصة وشؤون بلدهم، يتفقون على ما يريدون من قواعد لتنظيم الحياة فى المجتمع، يتداولون فى شؤون أمن مدينتهم وعلاقاتها خارجية، باختصار كان اجتماعهم فى الساحة عبارة عن مجلس نواب أو برلمان يشرع ويقرر ويصدر القوانين. زاد عدد

الرجال الأحرار الذين يتمتعون بصفة المواطنة ولم يعد ممكنا عقد الاجتماعات التى يحضرها كل المواطنين الأحرار ليقرروا شؤون مدينتهم أو بلدهم، هنا ابتدع العقل البشرى الديمقراطية النيابية أو التمثيلية وهى باختصار تعنى اختيار عدد من المواطنين لتمثيل كل المواطنين، أى يتم اختيار عدد مناسب

من بين المواطنين، وتنوعت هنا السبل والطرق التى اتبعت لتحديد طريقة الاختيار، والمشترك بينها جميعا هو اختيار نائب واحد عن عدد معين حسب عدد السكان الذين لهم حق الاختيار لاسيما بعد أن اتسعت القاعدة بتزايد عدد السكان من ناحية واتساع شرائح المجتمع التى بات لها حق التصويت (

المرأة، والشرائح الاجتماعية الأدنى) فمثلا كان هناك نائب واحد لكل ألف مواطن ثم تزايد العدد ليصل فى بعض البلاد إلى نائب واحد عن مليون مواطن، وفى مصر اليوم يمثل نائب مجلس الشعب حوالى مائة ألف من السكان.
 
ولأن الديمقراطية فى خدمة الإنسان، فهى شكل من أشكال الحكم الذى ابتدعه الإنسان من أجل تحقيق الحد الأقصى من الحرية واحترام حقوق الإنسان، فقد تنوعت الأشكال وتعددت حسب طبيعة المجتمع، تنوعت نظم الحكم ما بين برلمانية ورئاسية، الأولى تعطى للبرلمان السلطة التشريعية ومنه يخرج

رئيس الوزراء الذى يمارس السلطة التنفيذية، بينما يشغل الرئيس أو الملك منصبا شرفيا (بريطانيا نموذجا) يملك ولا يحكم، أما النظم الرئاسية فيمارس فيها رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويرأس السلطة بما فيها رئيس الوزراء، بل فى بعض البلاد قد لا يكون هناك رئيس وزراء ويرأس رئيس

الجمهورية الوزراء مباشرة بل قد يحمل الوزير هناك لقب « سكرتير» (الولايات المتحدة نموذجا). وهناك أيضا النظام المختلط الذى يجمع صفات من النظامين البرلمانى والرئاسى والشكل المعروف منه هو تقاسم السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الوزراء، الرئيس يأتى بالانتخاب المباشر ورئيس الوزراء يأتى من البرلمان.
 
حسب طبيعة كل مجتمع يمكنه اختيار النظام الأنسب له ليس إرضاء لطرف أجنبى ولا رضوخًا لضغوط خارجية بل سعيا لتحقيق الأمن والاستقرار، تلبية احتياجات المواطنين، تهيئة المناخ الملائم للمواطن ولمؤسسات الدولة للعمل وتحقيق التنمية وتحسين أحوال الناس. الناس ليسوا عبيدا لشكل من أشكال الحكم، ولا هم خدم له، شكل الحكم ينبغى أن يتحدد وفق طبيعة المجتمع وما يريد المواطنين، لا يمكن اتباع شكل من أشكال الحكم إرضاء لدولة

أجنبية أو رضوخا لضغوط تستهدف مصالح أطراف خارجية. فى هذا السياق لا يمكن القبول بإسقاط خبرات شعوب أخرى على تجارب بلادنا، هم يتحدثون عن تجاربهم الخاصة بشأن دور العسكر، والعسكر لديهم قتلوا الشعوب وصفوا المعارضين، وانتهكوا كل الحقوق والحريات وكان عامل تخلف، أما لدينا فى مصر فالجيش كان أساسا للدولة وأبرز أعمدتها، ولا ينطبق عليه وصف عسكر وفق الفهم الأوروبى أو فى طبعته اللاتينية، لابد أن نمعن

النظر فى خصوصيتنا ونقدم رؤية مصرية لنظام حكم ديمقراطى غايته حماية وتأمين المصريين وإسعادهم من منطلق فلسفة الديمقراطية التى تقول إن الديمقراطية فى خدمة الإنسان، والإنسان ليس عبدا لشكل محدد من أشكال نظم الحكم، بل يختار ما يناسبه منها ويتوافق مع ثقافته وتاريخه وخصوصيته.
 
  نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter