الأقباط متحدون - عرس ابن الأرملة
أخر تحديث ٠٠:٠٠ | الأحد ٨ مارس ٢٠١٥ | ٢٩أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عرس ابن الأرملة

زهير دعيم
آذار يفرش بساطه الأخضر ،وأزهاره الجليلية الفوّاحة على كلِّ قرية وبلدة في الجليل والناصرة والمنطقة.

نعم ،لقد وصل الربيع حتّى الى تلك البلدة الصغيرة التي تُدعى نايين، والتي كانت الى سنتين ونصف خلت ، نسيًا منسيًا ، الى أن مرَّ ذاك المُعلِّم الجليليّ، وأشار الى الموكب الحزين ، أنْ يقف ، وكيف لا يشير ، وهو المُحِبُّ الرائع ،العالِم بمكنونات القلوب والحياة , والداري بخبايا النفوس المُتألمة والفرحة ؟!!

فالأرملة النايينيّة ، الباكية اللاطمة ، تفتح أمامه سِفرَ حياته الآتي ، فيرى العذراء عند الصليب ، تبكيه بهدوءٍ وحرقةٍ ودموعٍ لا تعرف الانقطاع.

ونظرَ في عينيها ، والمحبة تتدفّق من عينيه وجبينه ومُحيّاه ، وكأنه يقول : لا تخافي ، أنا هو .... أنا القيامة والحياة .."

وبُهِتَ حاملو النعش ، ماذا يريد هذا الشّاب الوسيم ؟ ومَنْ هؤلاء الذين يتبعونه في دروبٍ وَعْريّة ؟!

خبّريني يا امّاه ،-ووضع الشّاب النايينيّ الوحيد لامّه، رأسه على كتف أمّه الأرملة –وقال : "كم أتمنّى أن ألقاه من جديد ، وأن أعانقه ، واقبّل التّراب تحت أقدامه ، لا اخفيكِ يا أمّي ، بأنني كثيرًا ما أعود الى تلك الربوع باحثًا عنه ،لعلّه يمرّ من هناك ،ولعلّني أحظى ثانية بنظرة من نظراته المُحيية .

وداعبت الأرملة شعر وحيدها بحنان ، والدُّموع تنهمر على وجنتيها ، ماذا ستكون حالتها لو لم يمرّ ذاك الجليلي الحنون في تلك اللحظة ، وتساءلت في نفسها : أتراه كان قاصدًا المكان قصدًا ، أم ان الحظَّ والصُّدفة أسعفاها ؟ ..وابتسمت من جديد، وعادت الى وحيدها تُقبّله بشوق ، وتهمس في اذنيه ، ها قد اقترب آذار على نهايته ، ونيْسان على الأبواب ، وما أدراكَ ما نيسان ، فالصَّبيّة إياها التي عشقها قلبك وقلبي ، تُجهِّز فستان العرس .....ماذا دهاك في هذا المساء ، وأنت الذي كان يعُدّ الدقائق والثواني لنيسان وللفرح ، ولعروس تملأُ حياتك حبورًا وغبطة .

لا شيء يا امّاه ، ما زلْتُ انتظر بشوق الى ذاك اليوم ، ولكنني اسألكِ ، ألا يجمُل بنا أن ندعو يسوع الى فرحنا ؟

ليكن ما تريد يا بنيّ أنّه يستأهل ، بل يُشرّفنا حضوره ، ولكنني سمعت أنّه في مثل هذه الأيام يكون في اورشليم ، فالفصح على الأبواب .

ومرَّ اسبوعان ، ووقف الشّابّ النايينيّ مع الجماهير في الجلجثة ، وفي عُبِّه دعوة العُرس ، وقف يبكي ويُكفكف الدّمع ، فها المُعلّم مُعلَّق على الصليب ، والمريميات الباكيات يذكّرنه بأمّه في نايين .

كم تمنّى وقتها أن يكون بمقدوره أن يشير على المصلوب الأوسط قائلا : أقول لكَ انزلْ ...ولكن هيهاتِ..

وعاد إلى امّه ، عاد الشاب ابن نايين إلى امّه ومحبوبته ، بعد يوم الأحد من ذلك الاسبوع بأيام ، عاد فرحًا ، فقد عطّرت الأخبار الآتية من القبر الفارغ حواسه وأحاسيسه ومشاعره.

عاد يُسبّحُ الله....وقد طاب له أنْ يفرح.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter