•السبب الرئيسي في تفاقم مُشكلة التمييز الديني في "مصر" هي الحكومة بسكوتها عن حقوق المسيحيين المُهدرة.
•الفتيات المسيحيات ينشئن دائرة مُغلقة عليهن، ولا يسمحن لأيًا كان بإختراقها.
•المسيحي من حقه أن يشعر بالإضطهاد بصورة مُتزايدة.
•الجميع يُعاني في بلد تساوي بين الجميع في المُعاملة غير الآدمية وإنتهاك الحريات.
•المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.
سألتهم: سحر غريب
 
ليس في الإمكان أبدع مما كان، شعار حكومي لا تتحرج الحكومة من أن ترفعه  في وجه كل من ينفض الغُبار عن أي قضية مسكوت عنها، أو إضطهاد يواجهه مسيحي علي أرض "مصر".

وفي ظل هذا التجاهل الحكومي للشعب بجميع فئاته ورغباته وشكواه، قررنا أن نسأل المواطن العادي هل يوجد إضطهاد بالفعل؟ وهل يشعر المواطن المصري بالإضطهاد ضده؟ أو يمارس  هو الإضطهاد ضد من يخالفه في الفكر أو الديانة؟

فهل ندفن رؤسنا في الطين، ونقلد حكومتنا؟ أم نواجه الفكر الذي يؤدي إلي التمييز الديني ونوقفه عند حده؟

نعم، نشعر بالإضهاد
بدأت بهن، وهن أربعة فتيات في العشرينيات من العُمر يزين الصليب رقبتهن، اقتربت منهن فتلعثمت الكلمات علي شفاههن، بدأن كلامهن معي بحذر شديد، أشعرني بأن سؤالي هو سؤال مُحرّم في عُرف الصمت الذي ورثنه عن بني بلدهن "مصر"، سألتهن هل يشعرن بالإضطهاد في بلدنا مصر؟ رددن في إقتضاب: نعم نشعر بالإضطهاد في "مصر"، حاولت أن أعرف لماذا، وهل يوجد بالفعل ما يؤرق صباههن وأحلامهن في وطن لا حياة فيه لتعصب ديني؟ ولكن يبدو أن حجابي أجفل الكلمات علي شفاه الصبايا، فأخذت الأنامل الدقيقة تتلاعب في الموبايلات دلالة علي إنتهاء الكلام معي، شكرتهن وقد قررت أن أستعين بزميلة مسيحية لتساندني في إقامة هذا الحوار الشائك.

الدين علاقة بين العبد وربه
ثم وجدتها فتبددت شكوكي كلها، إنها "مريم"، وهي امرأة ثلاثينية تسبق البسمة كلماتها، جلست بجواري، وقد بدأت كلامها بالسلام عليكم، نظرت إلي وجهها المُشرق وعلاماتها المُميزة، فإذا هي بمسيحية، ألقيت عليها التحية فأشعرتني بالأمن والإطمئنان، رأيت فيها "مصر" التي أريدها بطيبتها، وأخلاقها الطيبة، وسماحتها الجميلة، بدأنا الكلام، فأخذت تحكي ببساطة، وكأنني صديقة طفولتها،  عن مشاكل أطفالها من حبهم للكنيسة البعيدة عن المنزل، ثم تطرقت ببراءة إلي رفضها للزواج الثاني، حتي لا تُطلق جميع السيدات، ثم تكلمت عن حلمها في بلد ليس فيه إكراه في الدين- إللي يسلم يسلم واللي يتنصر يتنصر- الدين بين العبد وربه، مالهم البشر باللي بين العبد وربه.

تفهم لشعور المسيحيين بالإضهاد
تركت "مريم"، وذهبت إلي "فاطمة الزهراء" وهى امرأة مُسلمة محجبة تعيش في أحد الدول الأوربية.
  أكدت لي "فاطمة" علي تفهمها لشعور المسيحيين بالإضطهاد في "مصر"، فبالإضافة إلي وجود اضطهاد حكومي لجميع فئات الشعب بجميع طوائفه وفئاته، إلا أن المسيحي من حقه أن يشعر بالإضطهاد بصورة مُتزايدة؛ لأن عدد المسيحيين في "مصر" قليل، وهي لأنها مُسلمة، أي أقلية عددية في بلد مسيحي، تشعر بنفس مشاعر الإضطهاد رغمًا عنها، فالكريسماس مثلاً بالنسبة لها في أوروبا يمثل أسوأ فترات حياتها رغم عدم وجود شُبهة للإضطهاد في الدول الأوروبية. فهي تري الجميع يحتفل بعيد لا تحتفل هي به.

وقد عرفت "فاطمة" أبعاد المشكلة المسيحية في "مصر"،  وتمنت أن تعود روح التسامح إلي بني بلدتها، وتتذكر حكايات أمها عن جارتها المسيحية التي كانت تعطف عليها هي واخواتها، وتهتم برعايتهم أثناء مرض أمها المُزمن.

معاملة الدول الأجنبية للأقليات ومعاملة الحكومة المصرية للمسيحيين
 ثم حكت "فاطمة" عن المرة الوحيدة التي تعرضت فيها للإضطهاد بسبب حجابها داخل الدولة الأوروبية التي تعيش فيها، في أحد أتوبيسات النقل العام هناك، وقد فوجئت "فاطمة" بواحدة من مستقلات الأتوبيس لا تعرفها تتبرع بإعطائها رقم تليفونها الشخصي حتي تشهد علي التحقيقات معها عندما تشكو السائق الذي تطاول في الكلام معها،  وبالفعل اهتمت الحكومة هناك بجميع مُلابسات القضية،  وأخذت "فاطمة" حقها عن طريق التليفون دون أن تضطر إلي الذهاب للقسم لعمل محضر، فالحكومة هناك في خدمة المواطن، والجميع هناك يعلم يقيناً أن القانون موجود فوق الجميع، والأهم أنه يُنفذ.

السبب تعامل الحكومة مع مشاكل المسيحيين
وتري "فاطمة" أن السبب الرئيسي في تفاقم مُشكلة التمييز الديني في "مصر" هي الحكومة بسكوتها عن حقوق المسيحيين المُهدرة، فلو تعاملت الحكومة مع مشاكل المسيحيين كما تتعامل الحكومات الأجنبية مع مشاكل الأقليات فيها، لما تواجدت داخل نفوس المسيحيين مرارة وغضب دفين، "عاوزين حكومة صاحية شوية"...هكذا أنهت "فاطمة" حديثها معي.

أما "وديع"، وهو رجل مسيحي بسيط من الزمن الجميل الذي كان فيه المسلم والمسيحي إخوة، فقد قال: إنه لا يشعر بالإضطهاد لكونه مسيحيًا، فالمياه المُلوثة يشربها المُسلم والمسيحي علي حد سواء، والهواء الملوث يتنفسه المُسلم والمسيحي دون تفرقة، والأكل المُسرطن يُصيب الجميع بالأمراض، والجميع يُعاني في بلد تساوي بين الجميع في المُعاملة غير الآدمية وإنتهاك الحريات.

ووذكر عم "وديع" أنه لاحظ أن أسماء الفائزين في أحد المسابقات التي تعلن عنها أحد البرامج الشهيرة لا تحمل أسم فائز واحد مسيحي.

وعلي الجانب الآخر، تحاورت مع "محمد"، وهو شاب عشريني، والذي حكي لي بدوره عن عم "ميهوب" حارس العمارة التى يسكن فيها، وهو مُسلم من الفيوم.

صورة من صور التعصب

 قال عنه: إن كلماته غير واضحة، لم يزر العلم عقله، ولم يزر التسامح قلبه بعد، فوجئت به وهو يحاول أن يُمارس سلطته علي الرصيف المواجه لعمارته فيشتم أحد المسيحيين؛ لأنه ركن سيارته التي تعطلت منه فجأة بجوار العُمارة التي يحرسها، فخرجت له علي الفور لأنهره وأنهاه عن التفوه بألفاظ سيندم عليها، وشرحت له أن المُسلم من سلم الناس من لسانه ويده، فصمت "ميهوب" عن قلة العقل والأدب.

ومن جانبها حكت الدكتورة "نيفين"، وهي إمرأة ثلاثينية لها طفلان، عن صداقات الطفولة، وعن حرصها علي وجود مسيحيات بين صديقاتها، وإنه عندما سألها طفلها عن السبب في أن صديقتها المسيحية لا ترتدي حجابًا مثلها،  وضحت له إختلاف العقيدة بينها وبين صديقتها، وأوضحت له أن صديقتها المسيحية صديقة طفولتها المُفضلة، وإنها تحرص علي صداقتها بشدة.

رفض مشاهدة القداس الخاص بالمسيحيين فى الأعياد

أما "منال"، وهي إمرأة لديها ثلاثة أطفال وتدرس الحقوق في الجامعة المفتوحة، والتي تستخدم العديد من الكلمات الرنانة أحيانًا، والجوفاء أحيانًا أخري، فقد تكلمت عن عدم تفضيلها لصداقة المسيحيات، ثم عبرّت عن رفضها لمشاهدة القداس الخاص بالمسيحيين في الأعياد.

أما "حنان"، وهي امرأة أربعينية مُسلمة منتقبة، فقد اختارت مسيحي لتشاركه في مشروعها التجاري، ولا تري غضاضة في ذلك.

رفض الفتيات المسيحيات للإختلاط
أما "علياء"، وهي فتاة مُسلمة في العشرين من عمرها، وتدرس في احدي الكليات النظرية، فتؤكد أنها ترغب أحيانًا في تكوين صداقات مع الفتيات المسيحيات، صديقات الدراسة، ولكنهن علي حد تعبيرها ينشئن دائرة مُغلقة عليهن، ولا يسمحن لأيًا كان بإختراقها، وهو ما يجعلها ترفض الإحتكاك بهن، وتفقد الأمل في كسر الجليد القائم بينها وبينهن، ولا تعلم السبب في رفضهن للإختلاط.