لم تكن المرة الأولى التى أشاهد فيها جنازات شهداء الجيش والشرطة، لكنها المرة الأولى التى تابعت فيها صلاة الجنازة على إخوتنا وأبنائنا الأقباط- وتعنى المصريين- المسيحيين، فقد كان مشهدًا حزينًا مهيبًا، خاصة حينما كانت الكاميرا تُسلط على وجوه أسر الشهداء من أمهات ثكالى، وزوجات ترملن، وأطفال صاروا يتامى وآباء كسرت ظهورهم وخواطرهم..
فهكذا بدت لى ملامحهم التى جعلت الدموع تنساب من عينى لتنتابنى حالة بكاء ونشيج دفع والدتى الحبيبة لاحتضانى بحنانها، بينما كانت هى الأخرى تبكى هذه الفجيعة، التى تركت آثارها على الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى كان يتحدث بلهجة حزينة، وتلاشت ابتسامته السمحة، بينما بدت ملامح الغضب الممزوجة بالأسى على وجه وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة وكبار قادتها. هذه المشاعر الحزينة المحتقنة لم تُداهمنى وحدى، لكنها خيّمت على المجتمع المصرى برمته، باستثناء "الأوغاد الإرهابيين" من الإخوان وذيولهم البعض ممن يسمون أنفسهم "سلفيين" والسلف الصالح برئ منهم، فلم يُقر إسلامنا السمح الوحشية والهمجية والذبح والقتل على الهوية، ولست بحاجة للتذكير بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية الشريفة، أو سلوك "نبى الرحمة" وسيرته العطرة فالجميع يعرفونها، لكنى هنا أؤكد على حقيقة ربما تغيب عن البعض ومفادها أن "الكل فى واحد" فالدواعش والإخوان والقاعدة وغيرها من "العصابات الإرهابية" ليست سوى عدة وجوه لمضمون واحد وهو الإجرام وليس الإسلام، فجميعهم على قلب رجل واحد، يتفقون فى الأهداف حتى لو اختلفوا فى الوسائل، ولو توجهت بسؤال عما يريدونه جميعًا، لتلقيت نفس الإجابة، ولهذا فقد كانت جريمة ذبح إخوتنا الأقباط المسيحيين فى ليبيا، محاولة بائسة وفاشلة لتشتيت جهود جيشنا الوطنى وتخفيف الوطأة عن رفاقهم الإرهابيين فى سيناء، الذين ينتهج الفريق أسامة عسكر إستراتيجية ملاحقتهم وقصفهم وسحقهم على مدار الساعة حتى لا يمنحهم الفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم، لكن هؤلاء القتلة المجرمين يجهلون حجم القدرات القتالية والكفاءة التى يتمتع بها جيش مصر الوطنى. وتمتد "حرب الإرهاب" من سيناء شرقًأ حتى العمق الليبى غربًا، فضلاً عن بعض العمليات الإرهابية فى الداخل فنعيش على وقع تفجيرات صغيرة بشكل شبه يومى تستهدف مقرات قوات الشرطة ، فضلاً عن الأبرياء الذين يتصادف وجودهم خلال التفجيرات.
اتصلت بصديقة عمرى المسيحية باكيةً لأعزيها، فوجدتها تهدئ من روعى مؤكدةً أن الشهداء انتقلوا لمكانة سامية عند ربهم، وأنها تؤكد للمعزين نفس المعانى المعبرة عن تكاتف المسلمين والمسيحيين فى مواجهة الإرهاب، وأكدت أهمية تماسك الجبهة الداخلية ووعيها الكامل حتى نواجه مخاطر الإرهاب، ونقطع الطريق على محاولات الإخوان والدواعش مخططات إشعال مشاعر الطائفية، وأن جميع المسيحيين يُدركون ذلك جيدًا، وبدلاً من أن أعزى صديقتى وجدتها تعزينى بسعة صدرها، وعمق إيمانها بعدالة الله، ورحمته التى ستشمل قلوب وأرواح الثكالى واليتامى والأرامل لفقد وفراق الأبناء والآباء والأزواج. وجاءت كالبلسم على قلوب ملايين المصريين أنباء قيام مقاتلات مصرية بشن غاراتها على معسكرات التدريب ومخازن الأسلحة والذخائر الخاصة بذلك التنظيم الإرهابى بالأراضى الليبية، وتتفق النخبة السياسية والبسطاء على أن التدخل العسكرى فى ليبيا إجراء تحتمه ضرورات الأمن القومى المصري، وهو مبرر لحماية حدودنا الغربية والحفاظ على مصالحنا، وضرورة استكمالها لأجل طويل، ويمكن القول إن مصر ستتخذ خطوات إضافية فى استهداف "دواعش ليبيا" حيث أكد الرئيس السيسى أن ضربات أخرى لاحقة ستنفذها قواتنا المسلحة بمشاركة أصدقاء آخرين، سيواجهون ذات المخاطر من تنامى الميليشيات الإرهابية بليبيا.
وفضلاً عن التهديدات الإرهابية فى سيناء، أصبحت مصر تشعر بمخاطر عدم الاستقرار فى ليبيا التى تربطها بمصر حدود تصل لأكثر من 1100 كلم، لكن الجيش المصرى قادر على "ضبط الحدود" رغم امتدادها، لأنه يمتلك معدات متطورة حصل عليها من دول صديقة، وفق سياسة "تنويع مصادر السلاح" ورغم خطورة التهديدات الإرهابية فى ليبيا، لكن مراقبة الحدود معها تحظى بالأولوية القصوى، فقوات الجيش والأمن تقوم بدور بطولي، فتواجه فى حربها على الإرهاب مسلحين يتلقون دعما ماليًا كبيرًا من الخارج، تقف خلفه دول ومنظمات إرهابية تناصب مصر العداء ونعرفها جيدًا، وسيأتى يوم حسابهم مهما طال الزمن. رحم الله الشهداء وكلى ثقة بأن مصر ستنتصر على الإرهابيين، سواء كانوا فى الداخل أو سيناء أو حتى ليبيا وغيرها، وليعلم الجميع أن داعش وميليشيات الإخوان المسماة "فجر ليبيا" وجهان لعملة واحدة، ويبقى سؤال عما إذا كانت بيانات الدول الغربية لمواجهة الوضع المعقد فى ليبيا ـ بعدما أدركت واشنطن والاتحاد الأوروبى خروجا عن السيطرة وأصبحت "رهينة الميليشيات الإرهابية" المتناحرة، ومعها مصالح الغرب الذى لا يبدو أن لديه إستراتيجية واضحة للتعامل مع أزمة ليبيا، لكن الأمر لدينا فى مصر واضح، فما يجرى هناك يمس أمننا القومى مُباشرة، ولدينا جيش وأجهزة معنية تعرف كيف تحميه مهما كانت خطورة التحديات.
نقلا عن اليوم السابع