نفي صلة داعش بالمذبحة الوحشية التي وقعت لـ21 قبطيا في ليبيا ينم عن رؤية سطحية، إذ ببساطة يمكن للتنظيم أن يكذب الإعلام الغربي، ويقول إن المقطع مفبرك عليه فتكون فضيحة مجلجلة للغرب
كالعادة، وبعد كل مقطع دموي لـ"داعش" انفلتت الرسائل التي نمطر فيها على جوالاتنا تنفي أي صلة لـ"داعش" بالمذبحة الوحشية التي وقعت لـ21 قبطيا في ليبيا، ويبرر مرسلو تلك الرسائل – بتفصيل- أن إمكانات أولئك القتلة أقل من أن تخرج مقطعا احترافيا بتلك التي رأينا، وأن ذلك الفيديو هو من صنع استخبارات غربية، ليبرروا تدخلهم العسكري المزمع في ليبيا.
بالطبع، هذا الرؤية السطحية تحمل عوامل سقوطها بداخلها، إذ ببساطة يمكن لـ"داعش" – وهي فرصة أتته على طبق من ذهب- أن يكذب الإعلام الغربي، ويقول إن المقطع مفبرك عليه، وليس من صنعه، فتكون فضيحة مجلجلة للغرب، ولكن هذا التنظيم الإرهابي قام بنشر الفيديو الصادم في مواقعه الإعلامية، لينضم لسلسلة متتالية من المقاطع، يتفنن "داعش" في إخراجها بتلك الطريقة الهوليوودية الاحترافية.
رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، أكد في إحدى المناسبات أن مخرجي أفلام التنظيم ليسوا من الهواة الذين لا يعلمون شيئا عن المستقبل، وأضاف أن "داعش" عدو مجهز بأعلى الإمكانيات من فنون التصوير، والتدريب، والقتال، مستشهدا بتصوير أعضاء التنظيم للأسرى أثناء ذبحهم، الأمر الذي يوحي أن من يصور تلك الفيديوهات مصور في "هوليوود".
ثمة أخطاء وقع فيها مخرجو مقطع "نحر الأقباط" الأخير، الذي صوّر على أنه في شاطئ البحر الأبيض المتوسط، تلك الأخطاء يميزها العاملون والمتخصصون في الإنتاج السينمائي، واستعانت قناة "فوكس نيوز" الأميركية أثناء كشفها عن حقيقة مقطع "داعش" الأخير، بخبيرة ومخرجة أفلام رعب اسمها "ماري لامبرت" وخبير آخر في الإرهاب يدعى "فيريان خان"، حيث أكد الضيفان أن الفيديو تمّ تزويره بشكل كبير. وقال "خان" إن "داعش" اعتادت التلاعب بالفيديوهات ذات الإنتاج المحترف، لافتا إلى أنه يرجح أن قتل المصريين تمّ تصويره داخل إستوديو، ثم قام الجناة بعد ذلك بتركيب الخلفية التي تمثل "البحر"، مشيرا إلى أن دليله هو أن الشخص الذي تحدث في الفيديو ظهر جسده أكبر من البحر، ورأسه غير متناسقة مع جسده في اللقطة القريبة والبعيدة. وأضاف خان أن مخرجي فيلم "داعش" وقعوا في خطأ؛ وهو جعل مسلحيهم بطول مبالغ فيه، حيث ظهروا كعمالقة بجانب المصريين الذين تمّ قتلهم، كما لو كانوا أطول من أي منهم بحوالي 2 قدم. أما ماري لامبرت فقد قالت إن أبرز ما لفت نظرها في الفيديو الطول المبالغ فيه لأعضاء "داعش"، فضلا عن تركيب الخلفية التي تمثل "البحر" بعد تصوير الفيديو وتعديلها بعملية مونتاج. ولفتت إلى أن صوت الأمواج الذي استخدمه "داعش" هو صوت معروف، ويستعين به أغلب مخرجي الأفلام، مما يؤكد أنه تمّ تركيبه. وكذلك لفتت -مخرجة أفلام الرعب- إلى أن مشهد اختلاط الدماء بالماء مزيف؛ لأنها تقنية في غاية البساطة وقلة النفقات، بل يمكن الوصول لها عن طريق الهواتف الذكية التي يملكها الجميع. ورأت لامبرت أن عدد المسلحين في اللقطة الافتتاحية مزيف، مرجحة أن عددهم لم يتعد 6 أشخاص، وتمّ التعديل والإضافة بالمونتاج وتغيير الترتيب؛ لكي يظهروا وكأن عددهم أكثر من ذلك، مؤكدة أن وصول الضحايا وركوعهم هي لقطة حقيقية وتمّ تحسينها فقط. فيما رجح "خان" أن ذبح المصريين لم يتم في اللحظة ذاتها التي حدثت في الفيديو، مشيرا إلى أن دماء الإنسان حين تخرج تتعرض للأكسجين وتتحول للون قاتم، مما يؤكد أن "داعش" استخدمت دماء مغشوشة أو مخلوطة بـ"النشا".
بالطبع هذه الاستدراكات من خبراء في فن التصوير وصناعة الأفلام، تؤكد أن عملية القتل حقيقية، وقامت بها "داعش" وليست الاستخبارات الغربية كما يزعم البسطاء وأصحاب النيات الطيبة، إذ لا أسوأ من عدم تقدير قوة عدوك الذي تجابه، وعملية صرف الأنظار عن وحشية "داعش" وتمددها، واختراقها لمستويات عدة على مستوى العالم كله، وأن هذه المقاطع تفجر مشاعر اليافعين والمراهقين والشباب حماسة، وتجعلهم مشروع "دواعش" في المستقبل؛ هو نوع من دفن الرؤوس في الرمال، وتجعلنا في وهم الاستنتاجات الخاطئة، التي تحيد بنا عن مواجهة العدو الحقيقي.
صحيفة "الصاندي تايمز" البريطانية أجرت تحقيقا يكشف هوية خمسة شبان يقومون بإدارة أفلام قطع الرؤوس في "داعش"، وجميعهم برتغاليو الأصل هاجروا إلى بريطانيا. يترأس الفريق -حسب الصحيفة- شاب يدعى نيرو سرايفا، وهو أب لأربعة أطفال، عمره 28 عاما، هاجر إلى لندن وعاش هناك لسنوات إلى أن سافر إلى سورية عام 2012 ليحارب إلى جانب "داعش". وتتابع الصحيفة أن سرايفا سكن مع خمسة شبان آخرين شرق لندن وكانوا -لفترة طويلة- تحت أنظار المخابرات البريطانية، التي تدعي أن لهؤلاء الخمسة دورا أساسيا في أفلام قطع الرؤوس.
أما علاقة سرايفا بتصوير الأفلام، حسب التحقيق الصحفي، فتكاد تكون أكيدة بعد تغريدته على "تويتر" في شهر يوليو الأخير، قبل 39 يوما من إعدام الأميركي جيمس فولي، حيث كتب في رسالة وجهها للولايات المتحدة، أن التنظيم سيصور فيلما جديدا، وشكر الممثلين فيه. الشبان الخمسة من هواة كرة القدم، حتى إن أحدهم يدعى فابيو بوكاس، وعمره 22 عاما، انتقل من لشبونة إلى لندن عام 2012 رغبة منه بأن يُصبح لاعب كرة قدم مُحترفا. وتقول الصحيفة إنه ترعرع في أكاديمية النادي البرتغالي العريق، "سبورتينغ لشبونة". ويُعرف فابيو باسم عبدالرحمن الأندلس. وكتب على حسابه في "فيسبوك" أن ما وصفها بالحرب المقدسة هي الحل الوحيد للإنسانية.
اقرؤوا يوميا تغريدات لدواعش سعوديين، وسيهولكم ما يريدونه لمجتمعنا الآمن، والخطأ كل الخطأ التهاون معهم، أو التقاعس في التصدي لهم ولأفكارهم، فوالله لو زعزعوا الأمن لدينا سنكون أول من يدفع أكلاف ذلك، ومن السذاجة محاولات بعض السطحيين صرف النظر عن وحشيتهم وأفكارهم والنصوص التي يتسولونها من أئمة السلف، ويسقطونها بجهل على واقعنا، وأدعو هنا وزارة الداخلية إلى التوجيه بتكثيف البرامج التلفازية التي تناقش بصراحة ما يخططه هؤلاء لنا، ولكن ليست بطريقة التلفزيون السعودي الحالية، حيث نحتاج لطرح أكثر احترافية وصراحة، و"داعش" اخترقتنا بفعل إعلامها الأقوى من جيشها –برأيي- واستطاعت التأثير في شبابنا وشباب العالم الإسلامي ككل، ولا بد من مواجهة إعلامية قوية والرد عليهم بذات السلاح، وهي نقطة ضعف بكل صراحة تنقصنا في حربنا معهم، على الأقل في ساحتنا المحلية.
إضافة للإعلام والتحصين الوقائي، ثمة طريقة فعالة -قلتها في أحد حواراتي- تكمن في أن أقوى ما سيفتك بهؤلاء الدواعش، ويضعف ريحهم، ويوهن عزيمتهم؛ اختراقهم وتفجيرهم من الداخل، وهم مؤهلون بسبب ما أوتوا من الجدل والشقاق حيال مسائل فرعية يقتلون بعضهم البعض لأجلها. "نحر الأقباط" على ضفاف المتوسط صناعة داعشية، فلا نستهن بقوتهم، ولنحاربهم أيضا بسلاح الإعلام الذي استطاعوا اختراقنا والعالم به.
نقلا عن الوطن اون لاين