الأقباط متحدون - صناعة أمريكية
أخر تحديث ١٣:٣٨ | الاثنين ٢٣ فبراير ٢٠١٥ | ١٦أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٨٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

صناعة أمريكية


عماد جاد
تكشف متابعة تعليقات مواطنين أمريكيين حول دور بلادهم فيما يجرى فى منطقتنا عن درجة عالية من الفهم غير المسبوق لطبيعة السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا وقضاياها، وجاءت جريمة تنظيم «داعش» الإرهابى بحق واحد وعشرين مواطنا مصريا، ورد مصر بشن غارات جوية على مواقع التنظيم فى مدن ليبية، لتدفع بالنقاش فى وسائل الإعلام الأمريكية وتحديدا الموالية لليمين، وبين مواطنين أمريكان إلى دائرة غير مسبوقة، دائرة التشكيك فى نوايا بلدهم وسياسات رئيسهم، واتهامات صريحة لباراك أوباما بالتهرب من إدانة جرائم التنظيم المتطرف

بل وعدم التأثر بنحر واحد وعشرين مواطنا مصريا فلم يصدر عن الرجل أى تعليق حول الجريمة بل انشغل فى ممارسة لعبة «الجولف» فى وقت بادرت فيه مصر بشن غارات جوية على مواقع التنظيم وحصلت على دعم قوى ومباشر من دول عدة منها روسيا الاتحادية وفرنسا وإيطاليا. يثير موقف أوباما وإدارته تجاه جرائم داعش وتحديدا التى وقعت فى ليبيا بحق مواطنين مصريين أبرياء، تساؤلات عدة تتجاوز الوقائع إلى الفكر والرؤية، بل تدخل فى منطقة المسؤولية عن الظاهرة والتى تعود إلى عقود عدة خلت وتحديدا فى زمن الحرب الباردة.

يغضب بعض الليبراليين المصريين والعرب عندما نكتب عن مسؤولية الولايات المتحدة فى صناعة الإرهاب الدولى وتحديدا الجماعات المتشددة، ويرى بعضهم أن مثل هذه الكتابات وتلك الآراء فيها تجن شديد على الولايات المتحدة. عندما كتبنا ذلك كنا نكتب من منطلق الباحث المصرى الذى درس تاريخ العلاقات الدولية قديمة وجديدة، درسنا الغزو السوفيتى لأفغانستان واستقينا معلومات مباشرة من مسؤولين فى الخارجية الأمريكية عام ١٩٩٦ عندما ذهبت إلى واشنطن فى إطار برنامج «الزائر الدولى»، حيث وجهت سؤالا مباشرا لمسؤول فى الخارجية الأمريكية خلال هذه الزيارة عن كيفية دخول عمر عبدالرحمن الأراضى الأمريكية، وقلت له إننا نعانى فى العالم العربى ومصر تحديدا من ظاهرة «العائدون من أفغانستان»، تلك الظاهرة التى صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن حربها بالوكالة ضد القوات السوفيتية فى أفغانستان

فرد الرجل بكل هدوء ووضوح قائلا إن هزيمة القوات السوفيتية فى أفغانستان كانت بداية انهيار الاتحاد السوفيتى، وهو هدف أمريكى استراتيجى، أما فيما يخص تداعيات ذلك عليكم وعلى غيركم من الدول فهو أمر لا يخصنا قالها بوضوح «we do not care». وما فائدة الجدل حول هذه القضية وقد أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون بذلك فى شهادة لها أمام إحدى لجان الكونجرس، قالت نعم نحن ساهمنا فى تشكيل جماعات متشددة فى أفغانستان، كانت نواة لتنظيم القاعدة، وذلك لمحاربة القوات السوفيتية فى أفغانستان

. وربما أقول ما هو أكثر من ذلك إن الولايات المتحدة لم تتوقف عن إنتاج هذه البضاعة بعد ذلك، فواصلت العمل بنفس الوتيرة فى البلقان، البوسنة وكوسوفو، لاعتبارات تتعلق بتفكيك يوغوسلافيا وتصفية النظام الصربى عام ١٩٩٩. فقط بعد كارثة الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١

أيقنت واشنطن خطورة اللعبة، فتوقفت عن إنتاج المزيد من هذه البضاعة، ولكنها سرعان ما عادت إلى إنتاجها مجددا فى سياق التحضير للربيع العربى وإدارته، وهو ما أسقطته مصر شعبها وجيشها فى ثورة ٣٠ يونيو وخلطت الأوراق الأمريكية مجددا، فاضطربت السياسة الأمريكية بشدة وأخذت فى توزيع الاتهامات يمينا ويسارا، وهى المسؤول الأول عن كل هذه الجرائم.

والحقيقة أن التنظيمات الإرهابية المتشددة بصفة عامة هى منتجات أمريكية بشكل مباشر وغير مباشر، وبمشاركة من جانب عدد من الدول العربية. وإذا كانت بريطانيا العظمى المسؤول الأول عن إنتاج ودعم جماعة الإخوان المسلمين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هى المسؤول الأول عن إنتاج ورعاية التنظيمات الإرهابية والتى بدأت فى عام ١٩٧٩ عقب الغزو السوفيتى لأفغانستان، فقد حدث ذلك فى أوج مرحلة الحرب الباردة، وفى قمة المواجهة بين المعسكرين الشرقى والغربى

هنا قررت الاستخبارات الأمريكية إثارة العامل الدينى فى نفوس الشباب المسلم، أرادت محاربة السوفييت فى أفغانستان، فقررت أن يكون الشباب المسلم هو أداة المواجهة ووقود الحرب هناك. بدأت الاستخبارات الأمريكية فى الترويج لمقولة إن الغزو السوفيتى لأفغانستان هو غزو من دولة ملحدة لشعب مؤمن، وأنه لابد من تحرير أفغانستان من الغزو السوفيتى. وأبرمت الصفقة بين المخابرات الأمريكية والسعودية برئاسة كمال أدهم، والرئيس المصرى أنور السادات والباكستانى ضياء الحق، تعاونوا فى تشكيل تنظيم «المجاهدون الأفغان» جمعوا الشباب المسلم من دول عربية وإسلامية، أمدتهم واشنطن بالسلاح المتطور

بما فى ذلك صواريخ أرض جو متطورة للغاية من طراز «ستينجر» لم تقدمها واشنطن لأقرب حلفائها، ولعبت دورا كبيرا فى الحد من دور الطيران السوفيتى. وعندما انتهى الأمر بهزيمة القوات السوفيتية هناك وقرر الرئيس السوفيتى آنذاك ميخائيل جورباتشوف سحب قواته من أفغانستان، أوقفت واشنطن نشاطها وقررت مغادرة المنطقة تاركة المجاهدين يتصارعون ويتقاتلون ويقتلون بعضهم بعضا حتى ظهرت حركة طالبان (طلبة المدارس الدينية الذين درسوا قى باكستان) وسيطرت على المشهد واستضافت تنظيم القاعدة حتى وقعت اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، فقررت واشنطن غزو أفغانستان. لم تتعلم واشنطن الدرس وكررت التجربة فى البوسنة وكوسوفو

وظهرت جماعات العائدون من أفغانستان، باكستان، البوسنة، الشيشان وكوسوفو. وفى إطار الترتيب لما سمى الربيع العربى، وضعت واشنطن يدها فى يد أم الجماعات المتطرفة ومصدرها الرئيسى، جماعة الإخوان، ساعدت فى تدفق المقاتلين إلى مصر، ليبيا، سوريا والعراق فى محاولة لتغيير خريطة المنطقة بالكامل، ولعبت تركيا الدور المحورى فى رعاية واحتضان تنظيم «داعش» لحسابات تتعلق بحلم الخلافة والأطماع العثمانية فى أراض سورية وعراقية، وتولت قطر عملية التمويل. سيطر التنظيم على مناطق واسعة من العراق وسوريا، وتم الدفع به إلى ليبيا للتعاون مع الجماعات الإرهابية هناك

فأعلن تنظيم «أنصار بيت المقدس» الولاء لداعش، وكذلك فعلت تنظيمات ليبية، وجرى الترتيب لفتح جبهة مع مصر وجاءت جريمة ذبح واحد وعشرون مواطنا مصريا فى محاولة لإهانة الدولة المصرية وشعبها، ومن هنا جاء الرد المصرى السريع والحاسم وجاء التحرك السياسى على الصعيد الدولى ليضع التنظيم ومن ورائه فى موقف حرج، فلم يجد أوباما لديه من الشجاعة والقدرة على ضبط الأعصاب لتقديم عزاء شخصى للمصريين، كما لن يجد أى غطاء سياسى أو أخلاقى لاستخدام الفيتو فى مواجهة مشروع قرار مصرى متوقع فى مجلس الأمن لشرعنة العمل العسكرى ضد داعش ليبيا.

قدر مصر أن تواصل دورها التاريخى كصخرة تتحطم عليها أحلام السيطرة والهيمنة، وفى تقديرى أن مصر بدأت الخطوة الأولى للقضاء على داعش ليبيا وسوف يكون ذلك مدخلا للقضاء على التنظيم فى العراق وسوريا ومن ثم إفشال مخطط توظيف «الربيع العربى» فى تفتيت المنطقة.
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع