د.ماجد عزت إسرائيل
يوافـق الذكرى السادسة لرحيل أمى الحبيبة الطيبة، يوم الأثنين 23 فبراير 2015 م ونحن نتذكر سنوات العجاف التى مرت على مصرنا الحبيبة،ما بين وفاتها وحتى وقتناً الحالى،ففى 15 فـبراير 2015م شهد العالم وشعب مصر الحبيب أكبر مذبحة "بالنحر" أو إذا جاز لنا التعبير بالذبح ـ فى تاريخ البشرية ، لـ (21) قبطياً بالجماهيرية الليبية ، وللأمانة التاريخية وقف شعبناً العريق مسلميه وأقباطه وعلى رأسة الرئيس الـمشير "عبد الفـتاح السيسى" موقف سوف يسجله التاريخ بحروف من النور،
كما أن رد جيشناً الباسل على دواعش ليبيا ترك آثر كبير فى نفـوس كل المصريين،كما جاءت زيارته للبابا "تــواضروس الثانى" البطريرك (118) فى صباح 16 فبراير 2015 بالكاتدرائية وتقديم واجب العزاء للأسر الشهداء والمصريين آثر طيب فى نفوسهم جمعياً، ونحن ندعو لمصرنا الحـبيبة بالتـوفيق فى حـربها ضد الأرهاب.
على أية حال،ثقافـة أي مجتمـع هي محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، وتظهر هـذه الثقافة في السلوك الجمعي للمجتمع والمظاهر الاجتماعية المختـلفة، بالإضافة إلى درجة التعـليم في هذا المجتمع ومحصلته، ومدى اتساق هذه الثقافة مع البيئة الجغرافية والمجتمعية التي يعيشها، ولكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تـؤثر فيها عــوامل عديدة، وإن لكل ثقافة جذوراً ضاربة في أعماق التاريخ تختلف من شعب إلى آخر وفق الظروف والأحـداث التاريخية التي يمر بها كل مجتمع، وهذه الـظروف تشكل العديد من مكونات ثقافة أي مجتمع.
أما مفهوم كلمة كراهية فتعنى مشاعر إنسانية أنسحابية لدى البعض من أفراد المجتمع، يصاحبها أشمئزاز شديد النفور، وعداوة وعـدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتي ظاهـرة معينة، تنتهى بتدمير الشىء المكروه بشتى الوسائل المتاحة، وغالبا ما يستخدم لفظ كراهية لوصف إجحاف أو حكم مسبق على طبقة أو فئة أو أقـلية داخل المجتمع، وهذه الكراهـية من الممكن أن تتسبب في تدمير كل البشر إذا أستقرت في القلوب الكارهين.
وحيثما تكون هناك ثقافة الكراهية وعدم تقبل الآخر،تولد فكرة الإبادة وممارسة العنف، والتطهير لاستئصال الآخر المختلف، جنسياً ودينياً،وثقافياً،وفى رؤية لهذه الكوارث الإنســانية التى تسود بعض المجتمعات والمؤسسات الدولية والمحلية،لم تجد المؤسسات الحــقوقية العـالمية والمحلية مخرجاً لهذه الأزمات،وخاصة إذا كنت هذه المؤسسات الحقوقية العالمية تساند دولـة ما،أوجماعة ما داخل دولــة، مثلما ما يحدث الآن فى مصر؛من أجل مصالحها الخاصة،ولكن يأتى هذا على حساب مصلحة الشعب المصرى بصفة عامة، والأقباط فى مصر بصفة خاصة.
وعبر تاريخ مصر الحديث والمعاصر،تعرض الأقباط لسلسلة من الاضطهاد بمختلف أشكاله من تهديد وتدمير وحرق الأديرة و الكنائس والاعــتداء على الكهنة، ورهبان الأديرة،بل وصل الأمـر إلى القتل والسرقة والنهب والسلب للأراضى وللعقارات والأموال،وخطف والقـاصرات من النساء والأطفال، ، وكل هذه الأحداث والأعمال الأجــرامية نسمعها يومياً من خلال وسائل الإعـلام بشتى أنواعه ولا جهة تتحمل المسؤولية، ودائما الفاعل مجهول ،أو يتم تصنيف التهمة وإلصاقها بالجماعات الإرهابية تارة لتنظيم القاعدة أو حماس وتارة آخرى للإخـوان المسلمون أو الجماعات التكفيرية،وتارة آخرى لـلدواعش فى سوريا أو العراق أو ليبــيا ـ خلاصته مدرسة الثقافة العدائية مصدره واحد ـ وهذا ما دفع القبطي المسيحي للشـعور بالغبن والتهميش والإذلال لاعتباره مواطناً درجة ثانية أوثالثة، ولا يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية،مما دفــع البعض منهم للهجرة إلى شتى بقاع العالم،نتيجة ثـقافة الكراهية والإبـادة التى يتعرضون لها، ولا ينكر أحد فى عالمناً العربى والعالمى وطنية الكنيسة و الشعب القبطى،الذى يعـانى من الإضطهاد عبر تاريخه.
وربما يكون السبب الرئيسى فى وصول المجتمع المحلى والأقليمى والعالمى، لهذا السلوك ثقافة الكراهية والتميز والعنصرية والطائفية لدرجة أن الصراعات الآن أصبحت لا تمس الأقـباط وحدهم بل وصلت إلى مؤسسات الدولية السيادية (الجيش والشرطة)،لدرجة أنه فى الأونة الأخيرة حدثت حوادث دموية هــزت العالم أجمع منها حادثة "معـاذ الكسابنة" وحادثة الكتيبة (101) فى وحادثة ( كرم القــواديس) فى شمال سيناء وأخير حادثة قـتل( 21) قبطياً بالذبح، وحالياً زرع القنابل البدائية الصنع أو أشعال الحرائق فى المؤسسات أو مرافـق النقل العام ،كما تعرض ستاد القاهرة الدولى بالأمس القريب وللأسف هناك دولة تساند وتساعد الإرهـــاب لهدم الدولة المصرية ـ عن طريق مدرسة الأرهاب العدائية النموذجية ـ وهذا ما لا نتمناه.
ثقافة الدواعش ليست وليده على مجتمعناً الشرقى، بل هى منتشرة منذ زمن بعيدا تظهر فى أوقات وتختفى فى أوقات آخرى ونذكر هنا على سبيل المثال ـعلى شاكلة معاذ الكسابنة ـ حرق "صابر هــلال" فى إبريل 2013م وتبين من التقرير النهائى للتشريح أنه أصيب بحروق نارية بنسبة 70% فى عموم الجسد، مما أدى لتوقف المراكز الحيوية بالجـسد عن العمل ثم هبوط حاد بالدورتين الدموية والنفسية انتهت بالوفاة ،تنفيذ الحد على قبطى يدعى"أيمن أنور دمترى" مواطن قبطى من محافظة قنا حكم عليه بقــطع إذنيه فى مارس 2011م بحاجة مسكن يقوم بــتأجيره وانتشرت إشاعات ان هناك علاقه بينه وبين فتاة،وحرق المنزل بالكامل.
وفى أثناء حديثى مع أمى الحبيبة الطيبة قبل وفاته قصت لى وقائع تاريخية عن ثقافة الدواعش فى أواخر سبعينيات القرن المنصرم ،ففى بلدة تابعة لمحافظة بنى سويف قـام الأقـباط ببناء قـاعة للمناسبات الاجتماعية والصلاة،فقـام الدواعش بالأعتداء على حارسها وحرق منزله وحرمانه من العمل لدى أى داعشى طرفهم ،وفى حادثه آخرى فى بداية ثمــانينات ذات يوجد طريق زراعى يربط بين ذات البلدة السالفة الذكر والمدينة،فصادف الظروف سير رجــل قبطى بدراجته (العجلة)،وآخر مسلم يسير أمام القبطى راكب على "حمار" فطبيعى العجلـة سوف تسبق الحمار
إلا أن راكب الحمار أسر على عدم تنفيذ ذلك بشتى الطرق ووصل الأمر لمشاجرة امتدت لساعات بالضرب والشوام وراحت ضحايا لها كثيرون بالأصابات ،ولكن لحكمة"عمــدة البلدة " انهى الصراع بجـلسة عرفية كإلعادة،والطريف عندما سؤال صاحب الحمار قال أن أحد الشيوخ الجدد قال لى لا يجوز للأقباط أن يسير فى الأمام أو على اليمن ويجب أن تضيق عليه الـطريق ــ الرجل قال هذا الكلام ببساطة شديدة ــ هذه هى الثقافة التى وصلت لهذا الإنسان البسيط، ونتيجته وصول هذه الثقافة للبيئات المختلفة والمناطق العشوائية، ظهر الدواعش فى صورتهم الآن فهم حصيلة ثقافة ضاربة فى الجذور لسنوات ،والضحايا الأرهـاب ضد الجـــيش والشرطة والأقباط ومؤسسات الدولة،لأنهم العقبة الوحيدة فى قيام الدولة الأسلامية الكبرى.
كما ذكرت لى أمى الحبيبة الطيبة حادثة آخرى وقعت فى أوائل تسعنيات ذات القرن،وهى أن سيدة قبطية على درجة عالية من الثقافة والتعليم(كانت تجيد الأنجليزية والفرنسية) فبعد وفـاة زوجها ذهبت لصرف معاشه،حيث فوجــئت بإن موظف صرف المعايش يصر على أن "تبصم" ــ بصمة لأصابع الكبير باليد اليمنى(الابهام) ،مع العلم أن الـقانون يسمـح بالتوقيع فقط ــ والسيدة رفضت "فقسم لها بالله إلا لم تبصمى فلا صرف للمعاشك" ولكرامـته رفـضت وأصرت على شكواه ولكن بلا جدوى،واقنـاعه المدير لا يجوز التراجع فى القسم ـ وانتهى الأمــر حلاً للمشكة بالبصمة خلاصته "البصمة هى الحل".
كما أن ثقـافة الدواعش نجحت فى الدخول وغزو الجامعات المصرية منذ الثلث الأخير من القرن المنصرم،ففى ذات مرة قص لى الراحل الأســتاذ الدكتور"رؤف عباس" كيف تم الأطاحة بالدكتور "عزيز سوريال عطــية" (1889-1988م) أستاذ تاريخ العصور الوسطى فى جامعة القاهرة من الجامعة ،ونقله عنوة إلى جامعة الإسكندرية التى يعد مؤسسها الحقـيقى،وبعدها أجبر على ترك البلاد والهجرة خارج مصرإلى الولايات المتحدة الأمريكية،كما حرم على القبطى التعين على درجة معيد بالجامعة فى شتى التخصصات،وأيضًا عدم التعين بالجــامعات حتى ولو كان حاصل على الدكتوراه من أى دولة أجنبية أو من داخل مصر ـ لــمزيد عن دواعش الجامعات يمكن الرجوع لكتاب مشيناها خطى للأستاذ الكتور رؤف عباس حامد ـأما الأستاذ الدكتور"عاصم الدسوقى" فقص لى واقعة مثيرة للضحك ـ قصها بالأمس فى ندوة أفتاح معـهد الناصرية صوت وصورة ـ
ففى أمتحان ما قبل القبول بكلية السياحة والفنادق يتم أمتحان الطلاب شـفهى،وسيادته كان ضمن لجنة الأســاتذة لأختبار الطلاب، فـفؤجى بطالب قبطى يجلس أمامه مرتبك فقال له دكتور/عاصم الدسوقى لماذا الأرتباك ،فقال الطالب: أن الدكتور/ فلان..... المتخصص فى الآثار الأسلامية سأل عن اسمى واسم والدى ثم جدى ثم جدى الرابع حتى قالت له "عبد المسيح" وبعـده سأله سؤال من أنشاء قلعة قايتباى بالإسكندرية،فقال الطالب " السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي عام 882م"،وبعدها سأله سؤال آخر قائلاً :كم عدد درجات السلم بالقلعة؟...سؤال هدفه الأطاحـة بالطالب من القبول بالكلية هذه هى ثقافة التميز و الطائفية وثقافة الدواعش.
وهنا صدق ولا بد أن تصدق عند كتابة اسماء الأقباط بالسجل المدنى فمكن أن يسجل اسم مينا أو جرجس أو جورج على أنه مسلم،أما فى خــانة النوع فيسجل على أنه أنثى،فقصت لى أمى الحبيبة الطيبة خـطأ فى بعض اسماء العائلة وعندما ذهبت لمناقشة الموظف على ذلك ، أنه نسى حرف فى الاسم قال لها "هى هتقف على حرف" ثقـافة البركة والحرف والبصمة والطائفـية ماذا تكون نتيجته إلا دواعش.
وأخيراً، نريد لمصرنا الحبيبة قبول الآخر وتقبله أى كانت ديانته أو طائفته الدينية ،كما عبر عنه غالبية شعب مصر فى مذبحة ليبيا فى منتف شهر فـبراير الحالى،لأبد من رجال الدين والفكر والثقافة البحث عن مخرج ثقـافى يعيد مصر إلى مكانته،ولا أحد ينكر أن هناك شريحة كبيرة من مجتمعناً المصرى تؤمن بتقبل الآخر، وتسعى لتحقيق ذلك، وعلى الأعلام دعمها حتى نصل إلى نتائج تحق الهدف المنشود وهو الخير والســلام لمصرنا الحبيبة فى ظل رئيس يقدر معنى الوطنية والمواطنة.