(هذا المقال موجّه لكل من مازال يجهل معنى كلمة "قبطي"، ولكل من مازال يجهل تاريخ مصر الذي زيفه المزيفون وكتبوا لنا تاريخًا مغلوطًا لكي تغيب الحقائق فنتوه وننسى ماضينا فنفقد معه حاضرنا ومستقبلنا.)
إن سبّب لك العنوانُ صدمةً، فقد أتى ثمرَه عزيزي القارئ. فذاك بالفعل ما وددتُ أن أصنعه بك، لا من باب أن أردَّ إليك الصدمةَ التي ضربتني حينما قرأت تلك العبارة، بل لإيماني أن بالصدمات الموجعة علاجًا من العلل، وإلا ما مزّق الجراح أضلعنا بالمشارط لكي نطيب ونبرأ من أسقامنا.
شاهدتُ تلك العبارة الصادمة على لافتة كبيرة مما يرفعها المتظاهرون في التظاهرات. المكان: أمام مبنى محافظة أسوان. الزمان: حول نهاية سبتمبر ٢٠١١ حيث حرق متطرفون جهلاء كنيسة الماريناب بإدفو أسوان.
اللافتة تقول: “نطالب بطرد الأقباط الغُزاة"! ذهبتُ إلى حاملها وعلى وجهي ابتسامة مُرّة، ودار بيننا الحوار التالي:
أنا: اسمع يا عزيزي. أنت حُر في اختيارك أن تكون شريرًا، فتُشرّد الآمنين وتطردهم من ديارهم. لكن لا تجمع بين الشر والجهل. لن أحاسبك على الشر، فذاك شأنُ الله والقانون، إنما شأني ككاتبة تنويرية أن أزيل جهلك. كلمة "أقباط" لا تجتمع مع كلمة "غُزاة" حال الكلام عن مصر. فقبطي تعني مصري. فهل يغزو المصريُّ بلده؟! إن تكن شريرًا فلا تكن جهولا، فاجتماع الشر والجهل كارثة.
هو: ازاي بقى مصريين وأساميهم: ماري، ومايكل؟ دي مش أسماء مصرية أصلا، يبقوا أجانب غُزاة.
أنا: ما اسمك؟
هو: عبد الرحمن.
أنا: أهلا عبده، أنا فاطمة. هل تعلم أن اسمينا لا ينتميان لمصر أيضًا؟ إنما هي أسماء عربية. نحن المسلمين نسمي أولادنا على أسماء غالية عندنا: محمد، عائشة، فاطمة، أبو بكر، أسماء، عبد الرحمن الخ. والمسيحيون أيضًا يسمون أبناءهم على أسماء قديسيهم. أسماؤنا وأسماؤهم ليست مصرية. وحسب منطقك نصبح نحن أيضًا غزاة! هل تقبل؟
هو: يا سلام! أومال الأسماء المصرية تبقى ايه بقا إن شاء الله؟
أنا: حور محب، مينا، زوسر، نڤرتيتي، نڤرتاري، إيزيس، أوزوريس، حورس، أمنحتب، حتحور، حتشبسوت، سنوسرت، الخ.
هو: …... (صمت وراح يفكر).
أنا: قبطي مش معناها مسيحي، بل مصري. حضرتك وحضرتي أقباط لأننا مصريين مش غُزاة يا عزيزي عبد الرحمن.
مرّة هنأت إخوتي المسيحيين بأحد أعيادهم على صفحتي. فتمطّع أحد العباقرة الذين يتخفون وراء أسماء مستعارة في حواري فيس بوك وأزقّتها، وكتب: “انت لو "كفتة" زيهم مكنتيش تحبيهم كده.”
فرددتُ عليه قائلة: “طبعا أنت تقصد (كوفتس) مش (كفتة). وطبعًا أنت لا تعلم معنى كلمة (كوفتس). فضحتَ جهلك بنفسك؛ فدعني أعلمك درسًا صغيرًا. "كوفتس" يا رعاك الله يعني (قبطي) Coptic. والكلمة تحوير للكلمة اليونانية "إيچيبتوس"، ومنها كلمة "إيچبت" Egypt أي "مصر". وأصل الكلمة فرعوني: (ها كا بتاح ) يعني (منزل روح الإله بتاح). و"بتاح" هو الإله الذي نادى على الدنيا للوجود، حسب الميثولوچيا المصرية، ويصوَّر على جدران المعابد كهيئة رجل مُكفّن يمسك في يده عصا صولجان في طرفها مفتاح الحياة الشهير. وبالتالي فكل مصري من سلالة أجدادنا الفراعين هو قبطي أو كوفتس.
والشاهد أن إخواتنا المصريين المسيحيين تمسكوا بذلك اللقب (قبطي) ورفضوا التفريط فيه لأنهم يعتزون بهُويتهم المصرية القديمة. لهذا يظن بسطاء الثقافة أن "قبطي" تعني "مسيحي”. بينما نحن المصريين المسلمين تخلينا عن ذلك اللقب العزيز عن جهل بتاريخنا وهويتنا وسلفنا وحضارتنا العظيمة. لهذا يا هذا فأنا بالفعل كوفتس مثلهم، لأنني مصرية مثلهم، أما العقيدة فلا علاقة لها بالعِرق والهوية. فأنا كوفتس مسلمة، وهم كفاتسة مسيحييون. فإن كنت لا تعرف أنك "كوفتس" مثلهم، فإن مصر لا يشرفها أن تكون ابنًا لها.
أعتذر عن عنوان المقال الذي قد يكون صادمًا. لكنني تعمّدتُ هذا لأن المعلومة التي تصاحب صدمة ما، تكون أثبتَ في الدماغ. وقد تعبنا وجفّت حلوقنا من تكرار هذه المعلومة البسيطة: قبطي= مصري. أطالبُ وزارات التعليم والإعلام والثقافة بترسيخ هويتنا المصرية لدى النشء وتصحيح المعلومات المغلوطة التي تسري في ثقافتنا الشعبية مسرى الدم.
أيها المسيحيون الأقباط المصريون الكفاتسة، طوبى لكم حفاظكم على هويتنا المصرية وتمسككم بها، والعُقبى لنا مثلكم.
نقلا عن دنيا الوطن