الأقباط متحدون - فقراير مرار طافح وداير
أخر تحديث ٠٥:٢٠ | الاثنين ١٦ فبراير ٢٠١٥ | ٩ أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٧٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

فقراير مرار طافح وداير

 مجزرة الدفاع الجوي
مجزرة الدفاع الجوي

فاروق عطية
   لا أدري لماذا ارتبط شهر فبراير بالكوارث حتي أطلق عليه الناس في بلادنا شهر فقراير. ففي هذا الشهر القصير الأمد حدث الكثير من الكوارث خاصة في الأعوام الأخيرة التي لم تمحي من الذاكرة:

ـ إنهيار بملعب حلمي زامورا (الزمالك)"17 فقراير 1974" وتحديدًا فى الساعة الثالثة من بعد الظهر، وقبل دقائق من بداية المباراة الودية بين فريقي الزمالك ودوكلا براغ التشيكي، احتشد 80 الفًا من حمَلة التذاكر ضاقت بهم مدرجات الملعب الذى لا يتسع لأكثر من 45 ألف مُتفرج، فتكدسوا وراء السور الحديدى المحيط بأرض الملعب يدفعون بعضهم بعضًا، ويضغطون على السور الحديدى حتى انهار أحد المدرجات وجزء من السور مُؤديا لمصرع 80 مُشجع وإصابة العشرات.

ـ أحداث الأمن المركزى"25 فقراير 1986"التي كانت مصحوبة بأعمال عنف أودت بحياة الآلاف من الأفراد وتدمير عديد من المنشآت العامة والسياحية فضلا عن كونها أول مواجهة مسلحة بين الشرطة والجيش. خرج أكثر من 29 ألف جندى من جنود الأمن المركزى من معسكر الجيزة إلى الشوارع، احتجاجًا على سوء أوضاعهم وتسرّب شائعة بوجود قرار سرّى بمد سنوات الخدمة إلى 5 سنوات بدلا من 3. اندفعوا إلى منطقة الأهرامات، مُتسلحين برشاشاتهم وبنادقهم فى مظاهرات مُسلحة إلى فندق الجولى فيل، وهُناك اصطدم الجنود الغاضبين بأبواب الفندق الزُجاجية الضخمة، فحطموها وحرقوا ما فيه، كما قاموا بإحراق فندق هوليداي سفنكس، ومبنى قسم شرطة الهرم، وفندق مينا هاوس، وعدد من المحال التُجارية فى المنطقة. وخلال ساعات استطاعوا احتلال منطقة الهرم بأكملها بما في ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوي وطريق الفيوم وترعة المنصورية، وفي الثالثة من صباح الأربعاء 26 فقراير أُعلنت حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال، ثم انتشرت قوات الجيش واحتلت عددا من المواقع التي يتواجد فيها الجنود الغاضبين، وبعد مناوشات استطاعت قوات الجيش أن تسيطر على المنطقة. تلاها تجمهر جنود الأمن المركزي بمعسكر جسر السويس تضامنًا مع زملائهم المحاصرين، وتحول الاشتباك إلى حرب شوارع. وفي معسكر شبرا رفض الجنود الاستسلام للجيش وانتشروا في المنطقة المحيطة بهم، كمّا رفض جنود معسكر طرة التسليم ايضًا وتصدوا لقوات الجيش التي حاولت أن تُسيطر على المعسكر قصفا بالهليكوبتر.

وقامت كتلة من الفواعلية والطلاب والصنايعية والباعة الجائلين والعاطلين الذين انحازوا إلي جنود الأمن المركزي بتحطيم كباريهات وفنادق شارع الهرم. وبعد انتهاء هذه الأحداث تم رفع حظر التجوال وأقيل اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية وعزل العديد من القيادات الأمنية واتخذت العديد من القرارات لتحسين أحوال الجنود والحد من أعدادهم ونقل معسكراتهم خارج الكتلة السكنية كما أتخذت قرارات بتحديد نوعية الجنود الذين يلتحقون بالأمن المركزي مستقبلًا. ونتيجة لهذه الأحداث وصل عدد الجنود القتلي إلى ما يقرب من سبعة آلاف جندى، الكثير منهم لم يتوصل ذويهم إلى جثثهم حتى اليوم, كثير منهم مات في أسيوط نتيجة فتح القناطر عليهم من قبل المحافظ اللواء زكي بدر، ونتيجة لقصف المعسكرات بالمروحيات, كما حوكم 1236 آخرون.

ـ كارثة قطار الصعيد(832) "20 فقراير 2002"حيث شب الحريق بقطار الركاب و هو يتحرك قرب قرية كفر عمّار بمركز العياط قادما من القاهرة متجها إلى أسيوط نتيجة إستخدام إسطوانات الغاز داخل القطار من قبل بعض البائعين، مما أدى إلى إشتعال النيران في سبع عربات منه وراح ضحيتها أكثر من 350 شخص، وقد تمكن السائق من فصل سبع عربات أخرى وصل بها إلى أسيوط.

ـ كارثة عبارة السلام 98 "2 فقراير 2006"حيث اختفت العبارة علي بعد57 ميلا من مدينة الغردقة، قيل أن النيران قد إشتعلت في غرفة المحركات كما قيل أن النيران إشتعلت في المخزن وتمت مكافحتها ومن ثم إشتعلت مرة أخرى، وقد تمت المكافحة باستخدام مضخات تقوم بسحب مياه البحر عبر الخراطيم إلى داخل السفينة وكانت مضخات تنشيف السفينة التي تقوم بسحب المياه من داخل السفينة إلى خارجها لاتعمل وأدى ذلك إلى إختلال توازن السفينة بسبب تجمع مياه المكافحة على جنب واحد مما أدى إلى إنقلابها ومن ثم غرقها وراح ضحيتها 1415 شخصا. قال العديد من الركاب أن القبطان كان أول من غادر العبارة وأنهم شاهدوه يهرب تاركا العبارة والركاب مستخدما بمفرده قاربا يسع ثلاثين شخصا.

ـ موقعة الجمل "2 فقراير 2011" حيث هاجم عدد من البلطجية الممتطين ظهور الجمال ميدان التحرير، قيل أنهم من أنصار المخلوع ولكن ثبت أخيرا أنهم من عصاية الإخوان الخونة بغرض إحداث فتنة وركوب الثورة، قاموا بالهجوم على المتظاهرين بالحجارة والعصي والسكاكين وقنابل الملوتوف، فسقط 11 شهيد و 2000 مصاب.

ـ مجزرة بورسعيد "أول فقراير 2012" بدأ أوّل إنذار بنزول الجماهير أرضية ملعب المباراة أثناء قيام لاعبي الأهلي بعمليات الإحماء قبل اللقاء، ثمّ تلاه اقتحام عشرات المشجعين أرضية الملعب في الفترة ما بين شوطي المباراة، ثم تكرّر الأمر بعدما أحرز المصري هدف التعادل ثم هدفي الفوز التاليين، وانتهي باقتحام الآلاف أرضية الملعب بعضهم يحمل أسلحة بيضاء وعصي من جانب فريق المصري وقاموا بالإعتداء على جماهير الأهلي، مما أدى إلى سقوط 74 قتيلا من ألتراس أهلاوي، وكان للإخوان بقيادة خيرت الشاطر اليد المحركة لهذه المجزرة ومازالت القضية معروضة علي ساحة القضاء.

ـ مجزرة الدفاع الجوي "8 فبراير 2015" قبيل المباراة بين فريقي الزمالك وإنبي، حدثت اشتباكات بين أعضاء رابطة ألتراس وايت نايتس التابعة لنادي الزمالك وبين قوات الأمن خارج الملعب، حاولوا منع لاعبي الزمالك من الدخول للملعب مما إضطر قوات الأمن لإدخالهم بواسطة مدرعة، أعلنت وزارة الداخلية "أن مشجعي الزمالك أرادوا الدخول إلى المبارة بدون تذاكر، محاولين إقتحام بوابات الإستاد بالقوة، مما دعا الأمن لمنعهم خوفا من تعديهم على منشآت الملعب"، وأدت الإشتباكات إلى وفاة 22 شخص وإصلبة العشرات.

   شهر فقراير قاسم مشترك في جميع هذه المأسي, ولكن السبب الحقيقي هو ما وصلنا إليه من تدني أخلاقي وتمسّك بمظاهر التدين بدلا من الدين وفقدان الوعي القومي واحتقار العرف والقانون. ولكن كيف وصلنا لهذا الدرك ؟ هذا يحتاج لتسليط بقعة من الضوء:

   أيام الزمن الجميل, في عصر الملكية الزاهر وقبل حركة الضباط اللا مباركة كان غالبية المصريين يعيشون في بساطة وتلقائية, يحبون بعضهم البعض, يراعون حق الجيرة وحق الله, قد يكونون غير منتظمين في تأدية الشعائر الدينية ولكنهم بالفطرة متدينون, يعطون ما لله لله وما لقيصر لقيصر. الغالبية غير متعلمة ولكنهم يمتلكون الوعي والبصيرة وحكمة الأيام. قد يجهلون القانون ولكنهم يعرفون الأصول والتقاليد والأعراف التي هي أسمي من أي قانون. الأغلبية فقراء ولكنهم عفيفي النفس في كبرياء. لم يكونوا جميعا ملائكة ولكن الغالبية محترمون, وبالطبع لكل قاعدة شواذ.

   ثم جاءت حركة الضباط واستولي ناصر علي مقاليد الحكم. كان زعيما وطنيا له مواقف كثيرة مشرفة لا جدال, لكنه حكم بالحديد والنار واختار معاونيه من أسوأ الشخصيات, ألغي الأحزاب فعم الفراغ السياسي ليحل محله التعصب الرياضي. أزاح أهل الخبرة من القيادة في جميع المجالات ليحل محلهم أهل الثقة. أمم الشركات والممتلكات. ألغي القومية المصرية الحضارية العريقة وتبني القومية العربية البدوية الصحراوية. أنفق أموال البلاد علي المؤامرات وتشجيع الثورات. كُممت الأفواه وانقلبت الأوضاع فاختفي الكبير ليسود الصغير, ارتعد الرئيس ليعلو صوت المرءوس, صار الفرد يخشي الحديث مع أقرب المقربين, الزوجة قد تبلغ عن زوجها والإبن قد يسلم أبوه, وراح وراء الشمس كل من همس حتي في سره ضد الديكتاتورية أو الزعيم. ساد النفاق واختفي الصدق والحب بين الناس. وانتهي المصير بنكسة الخامس من يونيو 1967 التي عجلت بوفاته.

   ثم جاء عصر السدات لا اختلاف كونه بطل الحرب والسلام, لكنه بسياسته الداخلية الخرقاء وإطلاقه الحبل علي الغارب للجماعات المتأسلمة من أخوان لسلفيين لتكفيريين وضع مسامير كثيرة في نعش المواطنة وقسّم الأمة لطوائف متناحرة أرتفع فيها قيمة تجار الدين وأصحات الأصوات الناعقة, وتوارت سماحة الدين خلف مظاهر التدين, وانتهي الأمر باغتياله يوم عيده وعلي منصته.

   ثم جاء عصر البقرة الضاحكة اللا مبارك, ظننا أنه لقمة سائغة وسرعان ما يرحل, لكنه كان شديد المكر والدهاء تشبث بكرس الحكم أكثر من ثلاثين عاما, انتشر فيها الفساد وسيطرة رأس المال من أفاقين وانتهازيين, إضافة لانتهاجه نهج سابقه في مهادنة المتأسلمين. عم الفقر والحاجة بين التاس وزاد الأغنياء ثروة, وسيطر حزبه اللاوطني علي مقاليد الحكم بالتزوير, وأصبح النفاق هو الطريق لمن يريد الحياة. زادت وتيرة الفتنة الطائفية حدة, فحرقت الكنائس وانتشر القتل علي الهوية الدينية دون حساب أو عقاب, وهُجرت العائلات المسيحية من ديارهم وقراهم واغتصبت زوجاتهم واختطفت بناتهم ولا من رقيب أوحسيب. ودُق آخر مسمار في نعش حكمه بمحاولاته الدءوبة لتوريث الحكم لنجله جمال من بعده كأنه ورث الحكم أو أنه مفوض به من عند الله.

   وأتانا الخريف العربي علي أيدي شباب ظنناه وطنيا متحمسا واكتشفنا أنهم عملاء مدربين لتنفيذ خطة برنارد لويس لإعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد. واخرجت ما حسبناها ثورة أحط مافي جوف مصر فخرجت خفافيش الظلام تسرق وتنهب وتهدم وتحرق باسم الدين, وابتلينا بنخبة خانعة مترنحة عصرت الليمون حتي تسلم البلاد لطغمة الإخوان الخونة الذين أرادوا بيع البلاد لمن يدفع ومن يمكنهم من الحكم. وتسلطن جاهل معتوه علي عرش الفراعين, حاول اختراق الأمن للسيطرة والتمكين, وعادي القضاء وحجمه وحاصره, كما حاول إزلال الجيش وقهره, فكانت هبة الدولة العميقة وتفويض الشعب للسيسي للقضاء علي إلإرهاب. أُنقذت مصر بفضل جيشها ووعى نسائها اللاتي خرجن للمشاركة فى طرد لصوص هذا الزمن سارقى الأوطان ودجالي الدين. ودفع المسيحيون لذلك فاتورة باهظة بحرق وهدم 85 كنيسة ونهب وسرقة 970 منزل وحرق ثلاثة سفن عائمة و 16 صيدلية وعدد كبير من مصادر الرزق وقتل العشرات دفعوها بقلوب راضية فداء لمصر الوطن.

   خلال هذه الـ 63 عاما العجاف التي كابدتها مصر, عمّ البطش والقهر والفساد وتكمبم الأفواه, والقضاء علي كل من تظهر عليه بوادر الوطنية والشرف والنقاء, تغيرت السلوكيات إلي النقيض, أصبحت مظاهر التدين الكاذب هي السائدة والفساد سيد الموقف, العصبية والانفلات هي السمة الأخلاقية المميزة, أمحي التكافل والتواد بين الناس, أختفي الحماس الجاد للعمل وحل محله التكاسل والإهمال واللامبالاة والمحسوبية, انعدم احترام الصغير للكبير, انعدمت التربية المنزلية والمدرسية, واصبح الشباب منغمسا في الجماعات التكفيرية أو روابط مشجعي الأندية شديدة التعصب. والنتيجة المباشرة كل ما عايشناه من كوارث:

ـ كارثة ملعب حلمي زامورة ناتجة عن الإهمال والتسيب وانعدام الضمير ومحاولة التربح دون النظر لأمن المشجعين, فلو التزم النادي بطبع وبيع التذاكر فقط علي قدر سعة المدرجات ما حدثت الكارثة.

ـ كارثة الأمن المركزي حدثت نتيجة عدم الشفافية بين القادة والمجندين والمعاملة اللا إنسانية لهم, والاستخدام المفرط للقوة لمحاولة السيطرة كقصف المعتصمين بالمروحيات وفتح القناطر في أسيوط علي المجندين وهي السبب المباشر في تضاعف القتلى والمصابين.

ـ كارثة العبارة, ناتجة عن الإهمال الشديد في الكشف عن وسائل أمن العيارة وعدم الالتزام بالعدد المسموح به للمسافرين.

ـ كارثة قطار الصعيد ناتجة عن الإهمال في الصيانة والتسيب في الرقابة والسماح للباعة الجائلين باساخدام مواقد الغاز داخل القطار.

ـ كارثة موقعة الجمل كانت نتيجة ازدياد نفوذ وسيطرة الإخوان وتجار الدين وانهيار الأمن إضافة لتآمر المتآمرين.

ـ كارثة مجزرة بور سعيد ناتجة عن زيادة التعصب بين مشجعي الأندية وإهمال الأمن في السيطرة وحماية المشجعين الذي كان ممكنا رغم مؤامرة الإخوان المحبوكة حتي تكون المجزرة ذريعة لإنهاء سيطرة المجلس العسكري وتمكين الإخوان من الحكم.

ـ وأخيرا كارثة أو مجزرة الدفاع الجوي ولها عدة أسباب أهمها: تحمس وعناد الشباب وعدم احترامه القانون وعدم قدرة الآباء علي تربية أبنائهم, فلو احترم الشباب القانون ولم يذهبوا بدون تذاكر ما حدثت الكارثة. السبب الثاني هو تهور وسلاطة لسان وعنجهية رئيس نادي الزمالك الذي افتعل الكثير من المواقف الغبية لمعاداة شباب الألتراس وعدم قدرته علي احتوائهم. وسبب أخر هو إصرار الأندية واتحاد الكرة وموافقة الأمن علي التصريح بدخول المشجعين في هذه الفترة الحرجة والعصيبة. والسبب الأخير هو عدم حكمة وحنكة وذكاء قيادات الأمن لمحاولة احتواء المقف بمناقشة الشباب ومحاولة اقناعهم بدلا من العنف حتي لو كان القانون يجيزه.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع